ما زال تلاميذ المدارس في ليبيا يواجهون أزمة غياب الكتاب المدرسي، في وقت انطلقت حملات ومبادرات أهلية لتوفيره في عدد من المدارس. ودخل العام الدراسي شهره الثالث من دون أن تتمكّن الحكومة من توفير الكتاب المدرسي، الأمر الذي أدى إلى حبس وزير التربية والتعليم موسى المقريف على ذمة التحقيق، في ظل اتهامات بتضييع الأموال المرصودة لطباعة الكتب المدرسية، وسط وعود حكومية بتوفيرها قريباً.
ومن المقرّر أن تبدأ وزارة التربية والتعليم توزيع الكتاب المدرسي خلال الأسبوع الجاري، وفقاً لتصريحات رسمية للمقريف ورئيس اللجنة الوزارية المكلفة توفير الكتاب المدرسي عمران القيب. وفي 23 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أكد القيب أن لجنته ستبدأ في تسليم الكتاب المدرسي خلال الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، مشيراً إلى أنه أسند طباعة الكتاب المدرسي إلى خمس عشرة شركة أجنبية ومحلية بناء على إجراءات قانونية وضمانات بألا تدفع أي أموال لأي مطبعة حتى توفر ما تعهدت به بشأن الكتاب المدرسي. وقال إنه يجب التركيز على وصول كتب المرحلة الابتدائية والشهادتين الإعدادية والثانوية أولاً.
ودعا أولياء الأمور إلى عدم تصوير الكتب، في وقت انطلقت الحملات والمبادرات الأهلية لتصوير المناهج المدرسية وتوفيرها للمدارس الحكومية في محاولة لسد العجز الحكومي. وفي نهاية الشهر الماضي، أطلقت مجموعة شباب رابطة الحَطيّة للعمل التطوعي بمدينة أوباري، جنوبي البلاد، حملة لتصوير الكتاب المدرسي تحت شعار "معاً ليتعلم أبناؤنا". وفي السياق نفسه، أطلق الناشط سالم بداوي مبادرة تمكن من خلالها توفير عدد من الكتب لثلاث مدارس في منطقتي بنت بيه ومرزق جنوبي البلاد، مشيراً إلى أن التجاوب كبير سواء من قبل المتبرعين بالمال أو المكتبات التي لم تتردد في خفض أسعار تصوير الكتب. ويعرب بداوي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، عن استيائه من الوعود الحكومية، قائلاً: "اعتدنا على تلك الوعود خلال أزمات كبيرة كانت تواجه الناس. فكيف نثق بوعودها والفساد بلغ مداه؟".
أزمة الكتاب المدرسي دفعت مكتب النائب العام إلى حبس المقريف على ذمة التحقيق، من دون إعلان أيّ نتائج حتى الآن، في وقت أكد رئيس ديوان المحاسبة بالإنابة علاء الدين المسلاتي أنّ مشكلة التأخر في تأمين الكتاب المدرسي للتلاميذ "ليست جديدة، بل تتكرر كلّ عام نتيجة الفساد الذي يشوب إدارة هذا الملف".
ولاحتواء الأزمة المتصاعدة، قررت الحكومة تشكيل لجنة وزارية لطباعة الكتاب المدرسي، مشيرة إلى تخصيصها 190 مليون دينار (نحو 41 مليوناً و480 ألف دولار) لإبعاد شبهة الفساد عنها. وأكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة محمد حمودة أن المبلغ المرصود ما زال في حسابات الوزارة. وتناقلت وسائل إعلام ليبية تصريحات لعدد من المسؤولين عن وجود شبهات فساد في عملية طباعة الكتاب المدرسي، أدت إلى خلافات بين متنفذين في الحكومة لناحية الفوز بصفقة طباعة الكتاب المدرسي عن طريق التكليف المباشر من الوزارة من دون المرور بالجهات الرقابية، وسط استياء المدارس وأولياء الأمور من جراء بدء العام الدراسي من دون كتب.
وتقول المعلمة جميلة إسماعيل، والتي تعمل في مدرسة شهداء الكرامة في بنغازي، إن مدرستها ومدارس أخرى سعت للاستفادة من التبرعات التي تجمعها الجمعيات الخيرية والاتفاق مع المكتبات لتصوير الكتب وتأمين أكبر عدد ممكن من الكتب المدرسية وتوزيعها على أبناء الأسر ذات الدخل المحدود. وتقول لـ "العربي الجديد" إن "بعض أولياء الأمور تمكنوا من تصوير الكتب المدرسية. إلا أن الغالبية لم يستطيعوا ذلك بسبب سوء أوضاعهم المالية. فأطلقنا هذه الحملة في محاولة للتغلب على مصاعب تعرقل العام الدراسي وتحول دون متابعة التلاميذ دراسة مقررات هذا العام".
ونشر عدد من المدارس على صفحاته الرسمية صوراً لكتب مدرسية مصورة تمكنوا من توفيرها للتلاميذ من خلال العمل التطوعي، في وقت دعا نشطاء أصحاب محال التصوير إلى عدم استغلالهم الأزمة للتربح من خلال رفع أسعار التصوير. كما وضع مركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية روابط لتحميل الكتب المدرسية على صفحته الرسمية، تناقلتها مواقع إلكترونية عدة لمساعدة الأهالي.