تتزايد حالات الإصابة بالتسمّم الغذائي في أنحاء ليبيا من دون أن تتخذ السلطات أية قرارات حكومية حازمة لكبح الظاهرة المتفشية، في ظل تفشي الفساد وغياب الرقابة الحقيقية على أسواق الغذاء في البلاد. وتضاربت التصريحات حيال حالات التسمم المتعددة التي شهدتها مدينة الزاوية، غرب العاصمة طرابلس، غربي ليبيا، مؤخراً؛ ففي وقت أعلن مدير مكتب الرقابة على الأغذية والأدوية في المدينة، جيب البشتي، إصابة 102 شخص، قال رئيس قسم الإسعاف بمستشفى الزاوية، محمد العموري، لـ "العربي الجديد"، إن العدد الحقيقي للمصابين بالتسمم في المدينة لم يتجاوز الـ 75 شخصاً فقط".
وجاءت الحادثة بعد فترة قصيرة من تعرض 181 شخصاً لتسمم غذائي في حي الأندلس بالعاصمة طرابلس. وفي منتصف شهر يونيو/ حزيران الماضي، استقبل مستشفى مدينة سبها الحكومي، جنوبي البلاد، 18 حالة تسمم، من بينهم ثلاث نساء حوامل، وعدد من الأطفال من أسرة واحدة. وفي الشهر نفسه، استقبل مستشفى ابن سينا في مدينة سرت (وسط البلاد) سبع حالات تسمم غذائي، من بينهم طفل في عمر الرابعة. كما سجلت عدد من المراكز الصحية العامة والخاصة في العاصمة طرابلس استقبال 115 حالة تسمم، وأعلنت وزارة الصحة في حكومة الوحدة الوطنية وفاة اثنين من هؤلاء المصابين بالتسمم.
من جانبه، يشكك الطبيب الليبي يحيى بالنور، في صحة الأرقام الرسمية المعلنة في ظل التضارب الحاصل بشأن عدد حالات التسمم مؤخراً في مدينة الزاوية. ويشير إلى أنّ "المصحات والمستشفيات تستقبل بشكل شبه يومي حالات تسمم فردية، أو أعداد قليلة تشكو من التسمم، لكنّ وسائل الإعلام تهتم بالحوادث التي تكون فيها الأعداد مرتفعة". وعادة ما تعلن الجهات الرقابية عن البدء بفتح تحقيق رسمي لمعرفة أسباب التسمم الغذائي، وغالباً ما تكمن المشكلة في نوعية الطعام في أحد المطاعم، إلا أنه على الأغلب لا يتم الإعلان عن أي إجراءات عقابية.
من جهته، لا ينفي المسؤول بإدارة الدعم والدوريات بجهاز الحرس البلدي، أشرف المحجوب، الانفلات الذي تشهده البلاد، وقدرة عدد من التجار الفاسدين على تمرير بضائع ومواد غذائية غير صالحة للاستهلاك من خلال اعتماد الرشاوى، أو الاستعانة بقدرات المجموعات المسلحة القائمة على التدخل"، لكنه يؤكد قيام الحرس البلدي وأجهزة الرقابة بدورها. ويسأل: "بماذا يمكن معاقبة أي متجاوز؟ العقوبات المقررة في القانون بالية، ولم تعد تناسب تطور الأوضاع في البلاد، فقد سُنّت منذ عام 1972، ولم يتم تطويرها منذ ذلك الوقت حتى الآن". ويقول إن بعض الغرامات التي تُفرض لا تساوي اليوم ثمن وجبة غذائية في أحد تلك المطاعم. وبعد دفع الغرامة، يسمح للمخالف بإعادة فتح مطعمه أو محله على الفور، ليتكرر نفس الأمر مجدداً. ويشدد على ضرورة تشديد العقوبات بهدف ردع المخالفين.
ويوالي مركز الرقابة على الغذاء والدواء الحكومي نشر أخبار عن زياراته المتلاحقة وحملات التفتيش التي يطلقها في أسواق الغذاء وفي المخابز والمطاعم ومحال اللحوم، معلناً عن اكتشافه تجاوزات كبيرة. يتابع المحجوب، الذي رافق إحدى حملات التفتيش التي تجريها فرق مركز الرقابة على الأغذية والأدوية: "غالبية العاملين في المطاعم ليس لديهم خبرة بتحضير الأطعمة، ولا يملك معظمهم شهادات صحية، علاوة على عدم توفر الشروط اللازمة في المطاعم ومنها درجات الحرارة المناسبة لحفظ المواد الغذائية". ويشير إلى أنّ أزمة انقطاع الكهرباء ساهمت في تعقيد الأوضاع في ظل عدم القدرة على حفظ اللحوم.
في المقابل، يضع جلال صبحي، وهو من سكان العاصمة طرابلس، جزءاً من المسؤولية على الجهات الرقابية، مشيراً إلى أن الصفحة الرسمية لمركز الرقابة على الأغذية تعلن عن اكتشاف تجاوزات في بعض المطاعم أو المخابز من دون أن يحدد المركز أسماء تلم الأماكن ليتمكن المواطن من التنبه إليها وعدم ارتيادها. ويؤكد في حديثه لـ "العربي الجديد" أنّ التجاوزات في المطاعم قديمة، لكن ظهور حالات تسمم وارتفاع أعداد المصابين لفت الأنظار إليها. ويقول إن "إقبال المواطنين على الشراء من المطاعم مؤخراً له أسباب عدة، منها انتشار شركات التوصيل المنزلي والتي جعلت المواطن يقبل على الأطعمة الجاهزة، خصوصاً أن المواطن يعاني مما تعانيه المحال الكبيرة من جراء أزمة الكهرباء، إذ إنّ شراء وجبة جاهزة تمكنه من تلافي فساد الأطعمة والخضار في منزله الذي تغيب عنه الكهرباء لساعات طويلة يومياً". ويقول إنّ "الحكومة مشغولة في الصراعات والحسابات الخاصة، والمواطن لا يعي خطر المطاعم في حال لم تكن الأغذية صالحة" معتبراً أنّ الفساد الغذائي مشكلة كبيرة تؤثر على صحة المواطن، خصوصاً أنّها تطاول السلع الغذائية الأساسية التي يتناولها بصورة يومية.