رحلت السلطات الليبية أول دفعة من المهاجرين السريين إلى بلدانهم عبر المنافذ البرية، في إطار برامج العودة الطوعية، وتنشط السلطات في متابعة ملف المهاجرين، مجددة مطالبة المجتمع الدولي بضرورة التحرك لمواجهته. وبدأت عمليات العودة الطوعية للمهاجرين السريين في ليبيا منذ مطلع عام 2018، بالتنسيق مع المنظمة الدولية للهجرة التي أعلنت عودة 16 ألف مهاجر إلى بلدانهم خلال العام نفسه، وأكثر من خمسة آلاف آخرين خلال عام 2019.
وبحسب تصريحات مدير إدارة العلاقات العامة بجهاز الشرطة القضائية الليبي أحمد أبوكراع، فإن أول عملية ترحيل بري تمت مؤخراً عن طريق المنافذ البرية وشملت 210 مهاجرين سريين.
ويشكو أبوكراع من تقصير السفارات الأجنبية والعربية العاملة في ليبيا في التواصل مع مواطنيها المهاجرين السريين، وخصوصاً من أودعوا ضمن مؤسسات الإصلاح والتأهيل، مطالباً البلدان التي يتحدر منها المهاجرون السريون بضرورة زيارة أماكن وجود المهاجرين لإتمام الإجراءات المتعلقة بمواطنيها بعد حصولهم على موافقة وزارة الخارجية.
من جهته، يؤكد رئيس قسم الترحيل بجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية نصر الختروشي بدء عمليات الترحيل البري للمهاجرين السريين، موضحاً أن المرحلين الـ210 هم من تشاد ومصر والسودان، ويشير إلى عزم السلطات الليبية على مواصلة الرحلات البرية لترحيل المهاجرين السريين.
وكانت ليبيا ترحّل المهاجرين من أراضيها جواً، إلا أن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية اشتكى من التكاليف العالية للرحلات الجوية، ما جعل عمليات الترحيل تتوقف لفترة. وفي الآونة الأخيرة، نشط مسؤولون ليبيون في هذا الملف. وأخيراً، عقد وزير الداخلية عماد الطرابلسي اجتماعاً موسعاً لمناقشة "الأعمال المنجزة من عمليات الترحيل الطوعي للمهاجرين"، بمشاركة كافة فروع ومكاتب جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية على مستوى ليبيا، بحسب المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية. وناقش الاجتماع أوضاع المهاجرين "داخل مراكز الإيواء وتهيئة الظروف الصحية والمعيشية لهم، وخصوصاً المستضعفين منهم، إلى حين وضع الترتيبات لترحيلهم إلى بلدانهم طواعية".
وأعرب وكيل وزارة الخارجية بالحكومة عمر كتي عن رفضه أن تكون بلاده "شرطي أوروبا لوقف موجات الهجرة"، مشدداً على ضرورة وقوف المجتمع الدولي مع بلاده لوقف ظاهرة الهجرة السرية وإنهاء معاناة المهاجرين، وكشف عن تنسيق عال بين حكومته وإيطاليا ودول أخرى لوضع استراتيجية "متوسطية" بشأن قضية الهجرة "من خلال آليات واضحة"، مشيراً إلى أن قضية المهاجرين "معقدة ولها جوانب عدة تتطلب دراسة ومشاركة من جميع البلدان"، وقال: "بالنسبة لنا فإنها مسألة أمن قومي".
وتأتي تصريحات كتي في وقت تواجه فيه أجهزة الأمن الليبية، لا سيما جهاز خفر السواحل، اتهامات من منظمات إنسانية بالتورط في قضايا تعذيب ومساعدة المهاجرين في العبور عبر البحر. إلا أن الناشط الحقوقي رمزي المقرحي يؤكد أن مثل هذه الاتهامات "تم ردها في العديد من المناسبات، ومن يشجع المهاجرين هي سفن تلك المنظمات الراسية على مقربة من البحر، ما يجعل إقبال المهاجرين أكبر، فهذه السفن توفر مسافة طويلة للوصول إلى الشاطئ الجنوبي لأوروبا".
ويقول المقرحي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن "مراكز الإيواء والخدمات المقدمة هي دليل على عناية السلطات الليبية بملف المهاجرين ومكافحتها من أجل إنهاء القضية"، ويتابع: "بدلاً من ادعاء تلك المنظمات تقديم المساعدة للسلطات الليبية، سواء للنزلاء أو لخفر السواحل، فلتذهب إلى صرف أموالها على التنمية في الدول المصدرة للهجرة وتوفير حياة كريمة هناك حتى لا يفكر المهاجر الأفريقي في ترك بلاده والذهاب في رحلة طويلة يواجه خلالها الموت والتعذيب والشقاء".
ويسأل المقرحي: "لماذا تساعد تلك الدول والمنظمات على عودة هؤلاء المهاجرين إلى بلدانهم التي تركوها بسبب ظروفهم البائسة؟ أعتقد أنهم سيعاودون الهجرة مجدداً إذا زاد حالهم سوءاً".
وعلى الرغم من عمليات الترحيل المتتالية، يلفت المقرحي إلى أن عدد المرحلين لا يشكل نسبة كبيرة من الأعداد الكبيرة في مراكز الإيواء التي تستقبل أسبوعياً أعداداً جديدة.
وكان المجلس الرئاسي الليبي قد أعرب في بعض المناسبات عن خشيته من نية بعض الأطراف الدولية توطين المهاجرين السريين في ليبيا، مطالباً بضرورة تضافر جهود المجموعة الدولية لوضع الحلول الناجعة، ومنها "نقل المعركة ضد تدفق الهجرة من البحر إلى الجنوب لتجنيب المهاجر مخاطر الطريق، وقبل وصوله إلى البحر".