عبرت ناشطات ليبيات عن تفاؤلهن بالتقدم في مستوى مشاركة المرأة في العملية السياسية في البلاد، مع دخول ليبيا في مرحلة انتقالية جديدة، قد تنتهي إلى وضع سياسي دائم، بعد تولي خمس وزيرات حقائب هامة في الحكومة الجديدة. وتولت نجلاء المنقوش، الناشطة الحقوقية، وزارة الخارجية والتعاون الدولي، بينما تولت حليمة عبد الرحمن وزارة العدل، وسمّيت وفاء الكيلاني وزيرة للشؤون الاجتماعية، ومبروكة أوكي وزيرة للثقافة والتنمية المعرفية، بالإضافة إلى حورية ميلود وزيرة الدولة لشؤون المرأة.
في هذا الإطار، تشير الناشطة المدنية بدرية الحاسي إلى أنّ المشاورات السياسية، التي احتضنها ملتقى الحوار السياسي، اشترطت ضرورة تمثيل المرأة لنسبة 30 في المائة من كادر الحكومة. لكنّها، مع ذلك، تعتبر أنّ وصول خمس نساء (15 في المائة) إلى مناصب وزارية مهمة مؤشر هام على الوعي بدور المرأة في جهود تخطي البلاد أزمتها. مع ذلك، فإنّه تحدٍّ صعب في الوقت نفسه بحسب الحاسي. تشرح لـ"العربي الجديد" أنّ "عمر الحكومة قصير ومحدد بأشهر قليلة، ما يعني ضرورة إثبات الوزيرات الخمس جدارتهن في قيادة المرحلة، تمهيداً لتوسيع المشاركة في المراحل السياسية المقبلة". تضيف: "إذا فشلن فسيكون الأثر كبيراً على النساء عموماً، ولذلك فإنّ تحدي الوقت صعب جداً".
تُعتبر نجلاء المنقوش أول امراة ليبية تتولى قيادة الدبلوماسية منذ استقلال البلاد، ويعرف عنها أنّها محامية وناشطة حقوقية من بنغازي. وعلى الرغم من أنّها لم تتولَّ أيّ منصب سيادي سابقاً، فقد عُرفت بنشاطها في مجال المصالحات الوطنية، إذ نالت قبل سنوات شهادة عالية في إدارة الصراع وحلّ النزاعات من الولايات المتحدة الأميركية. أما مبروكة أوكي، فتنحدر من جنوب ليبيا، وتحمل شهادة في اختصاص الفيزياء النووية. بدورها، مارست حليمة عبد الرحمن، من مدينة غريان غربي ليبيا، مهنة المحاماة وأدارت طوال سنوات مكتباً خاصاً بها.
ولا تعرف عن وفاء الكيلاني وحورية ميلود معلومات مهمة بعد، عدا عن ترشيحهما عن منطقتيهما ضمن عمليات المحاصصة المناطقية، التي سارعت الحكومة الجديدة وفقها لإرضاء جميع المناطق والأطياف المجتمعية. لكنّ الحاسي تشير إلى أنّ رئيس الحكومة عبد الحميد دبيبة أكد، في تصريحات رسمية، أنّه اختار فريقه الوزاري بناء على دراسة السير الذاتية.
ومنذ إعلان مجلس النواب (البرلمان)، في العاشر من مارس/ آذار الجاري، عن منح الثقة للحكومة الجديدة، رحبت جهات دولية عدة بتمثيل المرأة في الحكومة، إذ اعتبرت "لجنة وضع المرأة" في البعثة الأممية إلى ليبيا أنّها "خطوة كبيرة للنهوض بحقوق المرأة". ووصف السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نولاند، الخطوة بأنّها "لحظة تاريخية للمرأة الليبية".
وكان فريق ملتقى الحوار السياسي، الذي أنتج السلطة الجديدة في ليبيا، قد ضمّ عدداً من النساء. وتشير تدوينات بعضهن إلى دورهن في الضغط على الحكومة من أجل تعيين عدد من النساء في مقاعد سيادية بالحكومة، خصوصاً الخارجية والعدل "المهمتين" على حد وصف الحاسي.
في المقابل، تعبر إيمان البخاري، العضو في حراك "لها" النسائي، عن أسفها حول عدم تجاوب الحكومة الجديدة في توفير النسبة المطلوبة لمشاركة النساء، لكنّها تشير إلى أنّ ذلك قد يكون "لعدم ترشح العدد الكافي من النساء لشغل الوزارات". وكانت البعثة الأممية في ليبيا أكدت، إبان اختيار السلطة الجديدة من قبل ملتقى الحوار السياسي، أنّ كلّ المرشحين لمنصب رئيس الوزراء، التزموا كتابياً بأن تضم الحكومة نساء بنسبة 30 في المائة، لكن مع إعلان دبيبة عن فريقه الحكومي، تبين أنّ النسبة لا تتجاوز 15 في المائة (5 نساء من 32 وزيراً بالإضافة إلى نائبين لرئيس الوزراء).
وتشير البخاري، في حديثها إلى "العربي الجديد"، إلى أنّ حراكها، رفقة عدد من الحملات، سيتجه للضغط على مجلس النواب والمسارات الأخرى العاملة ضمن العملية السياسية، من أجل ضرورة الالتزام بتوفير حقوق النساء في الدستور الدائم للبلاد. وتعلق قائلة: "من حق النساء شغل المناصب السياسية. والدستور أهم طريق في ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص لإتاحة المجال للمرأة في تولي الوظائف والمناصب القيادية". وعلى الرغم من عدم رضا البخاري عن نسبة تمثيل المرأة في الحكومة الحالية، فإنّها تراها، كذلك، خطوة هامة في طريق "تشكيل إدارة الدولة"، كما تعتبرها مؤشراً على تبديل نظرة المجتمع النمطية السلبية إلى المرأة حول أهليتها في تولي الشأن السيادي والسياسي في البلاد. وتعود الحاسي لتذكّر بأنّ تمكين المرأة من تولّي مناصب سيادية هامة، هو انتصار لنضال نسائي طويل، راحت ضحيته نساء كثيرات "مثل المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان حنان البرعصي، التي اغتيلت في وضح النهار في بنغازي، وقبلها عضو مجلس النواب سهام سرقيوة، المجهول مصيرها حتى الآن، كما المحامية والناشطة سلوى بوقعيقيص التي اغتيلت قبل سنوات".