ليبيا: "تحجير" الفتيات مستمر

04 يناير 2021
الحكم للقبيلة وأعرافها (بولنت إرديغر/ الأناضول)
+ الخط -

ما زالت مناطق ليبية عدة تأسر العائلات بتقاليد وعادات قاهرة، حتى إن عاش بعضها في المدن البعيدة عن مناطقها الأصلية. عادة "تحجير" الفتاة لابن عمها (أي إجبار أهله على حجزها له) من أبرز تلك العادات التي لم تتمكن المدنية من تجاوزها. وعلى الرغم من شهرة قصة "عروس بنغازي" عبر منصات التواصل الاجتماعي، في فبراير/ شباط 2018، بعد مقتلها بالرصاص وهي تتنقل بين محال المدينة للتبضع استعداداً لزفافها، أقرت سلطات المدينة الأمنية بأنّ القضية "سجلت ضد مجهول" وأنّ مقتلها جاء بـ"رصاص طائش". لكنّ الرأي العام يؤكد أنّ مقتلها كان على علاقة بـ"تحجيرها". القصص حول هذه العادة "تخرج عن الحصر" بحسب الشيخ فرج الفيتوري، عضو المجلس الأعلى للمصالحة في ليبيا.

ولا تبدو العادة من الخصوصيات التي تتحفظ عليها العادات والتقاليد الاجتماعية، فمنصات التواصل الاجتماعي تتحدث عن رصد العديد من الحالات، يكون في العادة ابن عم العروس أبرز عناصر القصة فيها، عندما يتدخل لإفشال زفافها، ويرغم عائلتها، بحكم تقاليد القبيلة، على وقف زواجها من "غريب" ويطلب إرجاءه إلى حين استعداده للزواج منها. لكنّ الفيتوري يؤكد في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّها عادة ضارة وقاتلة لأنّ "عائلات كثيرة تبنى على أساس غير سليم، إذا تزوج الشاب من زوجته من دون تفاهم أو قبولها ورضاها".
في العاصمة طرابلس، اضطرت نعيمة الرقيعي، إلى وقف زواج ابنتها قبل زفافها بشهرين بسبب "تحجير" ابن عمها لها. توضح نعيمة لـ"العربي الجديد" أنّ عيشها في طرابلس أرملة، اضطرها للقبول بعادات قبيلة النواحي الأربع، التي ينحدر منها زوجها وتعيش جنوب شرقي طرابلس، للحصول على الحماية واحتضان أفراد عائلتها. وتقول إنّ خطيب ابنتها تعرض للتهديد و"تعرضتُ أنا أيضاً للتعنيف من قبل أبناء أعمام زوجي، لأنّ خطيب ابنتي من طيف قبلي لا ترضاه أعراف القبيلة". تلفت إلى أن ابن عمها حجرها لنفسه ووعد بإتمام زواجها منه قريباً. وبينما تستعد نعيمة لزفاف ابنتها إلى ابن عمها الذي لم تعرفه، تخشى من دمار وشيك لعقد العائلةالجديدة فلا مشتركات بين الاثنين، وتشرح: "أول علامات الفشل رفضه استمرارها في عملها، بل عليها أن تعيش ربة بيت فقط".
في ذاكرة الفيتوري قصص عدة، جرى فيها "تحجير" فتيات لأبناء أعمامهن، معتبراً أنّ "ثقافة القبيلة والخلافات بين هذه القبيلة وتلك من أهم العوامل التي تفاجئ العائلات وتقيد حريتها في اختيار أزواج بناتها". ورغم التغير الثقافي ومستجدات العصر الحديث، يؤكد استمرار "التحجير" في بعض المناطق.
من جهته، يعرّف الأستاذ الجامعي، هشام المقريف، حجر الفتاة بأن يوقف ابن عمها عقد قرانها قبيل الإعلان عنه، ويطلبها لنفسه، فتوقف الأعراف القبيلة القران وتجبر العائلة على تزويج ابنتها من ابن عمها، وأحيانا تتدخل الأعراف لتطلب إذن "المُحجّر" لتزويجها لمن ترغب به العائلة، ويتوقف ذلك على قبوله من عدمه. ويلفت المقريف في حديثه إلى "العربي الجديد" إلى أنّ العادة الاجتماعية يحرّمها الشرع الإسلامي ويسميها بـ"العضل"، الذي نهى عنه القرآن صراحة. ورغم تأكيد المقريف على توفر التشريع الليبي على مواد تمنع الزواج بغير رضا الفتاة، يشير إلى أنّ الأعراف القبلية توفر ضمانات أخرى لتطبيق حرية الزواج سواء لمن وقع عليها "التحجير"، أو الأرملة المرغمة على الزواج من أخ زوجها خصوصاً إذا كان لديها أولاد، ويوضح أنّ تلك الأعراف تقبل لجوء الفتاة أو الأرملة إلى كبير القبيلة، لتعبّر له عن رفضها الزواج من الشخص المعني وتوضيح أسبابها.

تؤكد الناشطة الحقوقية الليبية، بدرية الحاسي، أنّ "التحجير" في تراجع مستمر بسبب تبدل الأوضاع الثقافية لدى شرائح النساء. وتلفت "العربي الجديد" إلى تقرير أعدته ثلاث ناشطات وجّه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية، وهو جزء من مشروع تخرج إحداهن في جامعة "بنغازي" وفيه أنّ قانون الأحوال الشخصية ينص على إمكانية لجوء الفتاة التي يرغب والدها في تزويجها إكراهاً، إلى القضاء للبلاغ، لكنّ العبرة في التطبيق، إذ إنّ "لجوء أيّ فتاة للقضاء للشكوى على والدها ستكون عواقبه وخيمة، ولذلك يجب تطوير دراسات أكثر وعياً بواقع المجتمع تتوجه للأرياف والقرى حيث تتركز الظاهرة". تشير إلى استناد الشابات في تقريرهن على دراسات تكشف عن زيادة الطلاق بسبب زيجات الإكراه، كما التشوهات الخلقية في المواليد من جراء زيجات الأقارب، معتبرة أنّها الأكثر إقناعاً لرفض التقاليد المجحفة بحق الفتيات.

المساهمون