ليبيا: الانتحار وسط تجاهل رسمي

08 يناير 2021
استمرار الحرب في ليبيا هو أحد أسباب الانتحار (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

لا يلقى الانتحار في ليبيا، رغم ارتفاع نسبته، اهتماماً من الجهات الرسمية نتيجة لاستمرار الحرب بالإضافة إلى عوامل أخرى. ومنذ يناير/كانون الثاني الماضي، لم يعلن رسمياً عن أية حالات انتحار في البلاد. إلا أن حسين بن عامر، الأكاديمي في كلية الدراسات العليا للعلوم الأمنية التابعة لوزارة داخلية حكومة الوفاق الوطني، يؤكد استمرار البلاغات بشأن الانتحار، وكان آخرها انتحار رجل أربعيني الأسبوع الماضي في مدينة زليتن (شرق طرابلس)، بعد إطلاق سراحه بساعات من قبل مليشيات مسلحة أقدمت على اختطافه وزوجته في وضح النهار.
ونهاية يناير/كانون الثاني الماضي، تناقلت وسائل إعلامية ليبية نبأ انتحار شخصين، أحدهما فتاة عمدت إلى شنق نفسها، والآخر شاب أطلق الرصاص على رأسه في مدينة البيضاء شرق البلاد. وبحسب التقارير الإعلامية، فإن الحادث أعاد إلى الأذهان حوادث الانتحار الكثيرة التي شهدتها المدينة خلال الربع الأول من عام 2017، والتي وصلت إلى ستين حالة انتحار، من دون أن تكشف الجهات المعنية الأسباب التي تقف وراءها. واكتفت سلطات حكومة الوفاق الوطني بنشر دراسة ترصد الظاهرة في العاصمة طرابلس فقط.
وبمناسبة اليوم العالمي لمنع الانتحار في العاشر من سبتمبر/أيلول الماضي، اكتفت وحدة البحوث الاجتماعية التابعة لمديرية أمن طرابلس بنشر دراسة عن الظاهرة في طرابلس فقط، خلصت فيها إلى أن غالبية ضحايا الانتحار في طرابلس هم من فئة الذكور بنسبة 58.8 في المائة، وتتركز لدى الفئة العمرية ما بين 21 و30 عاماً. كما بينت أن غالبية المنتحرين تسرّبوا من المدارس خلال المرحلة الإعدادية، مشيرة إلى أن معظمهم عاطلون عن العمل ويعيشون في أحياء فقيرة، وقد دخل كثيرون مستشفى الأمراض النفسية في طرابلس.

وأشارت الدراسة إلى أن 35 في المائة منهم يعانون من اضطرابات نفسية واكتئاب، و26 في المائة من العزلة واليأس، فيما يقدم 8 في المائة على الانتحار نتيجة تعاطي الكحول والمخدرات، و17 في المائة نتيجة الضغوط الاجتماعية.
وينتقد بن عامر اقتصار الدراسة على طرابلس فقط. ويقول لـ "العربي الجديد": "يمكن أن يشمل المسح جميع مناطق البلاد"، مشيراً إلى أن الرأي العام يعتمد على إحصائيات يجريها متطوعون، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن السلطات لم تعمل بشكل جيد على بناء قاعدة بيانات وإحصائيات لحالات الانتحار في البلاد. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "وعي المواطن وتوثيق الأسباب يساهمان في توفير معلومات متكاملة لبناء قاعدة بيانات توضح مناطق تركز وجود هذه الظاهرة لدراسة أسبابها". يضيف أن بروزها بشكل كبير خلال عام 2017 وتركزها في مدينة البيضاء "لم يلق اهتماماً لدراستها وتحديد أسبابها في هذه المنطقة تحديداً".

35 في المائة من المنتحرين يعانون من اضطرابات نفسية واكتئاب


ويسخر مواطنون بسبب كيفية تعامل الحكومة الموازية في بنغازي، شرقي البلاد، مع تفشي ظاهرة الانتحار في مدينة البيضاء خلال عام 2017. واعتبرت وزارة الداخلية في الحكومة أن انتشار لعبة "تشارلي" بين الشباب هي من الأسباب الرئيسية لإقدامهم على الانتحار. وقال بيان الوزارة إن "شيطاناً مكسيكياً، كما تروي الأساطير، يتم استحضاره داخل هذه اللعبة"، واعتبرت اللعبة "خطراً على الأمن القومي".
من جهتها، تؤكد الباحثة الاجتماعية حسنية الشيخ، على أهمية دراسة أعدها متطوعون وخبراء حول الانتحار. وتقول إنه في حال لم تهتم الدولة بهذه القضية، سيعتمد الخبراء على أنفسهم، مشيرة إلى أن المعنيين لا يتحرون عن أسباب الانتحار.
وتقول لـ "العربي الجديد" إن قضايا الشرف تعد أحد أسباب الانتحار، مشيرة إلى مساهمة التقاليد الاجتماعية في تغييب الأسباب. تتابع: "هناك أسباب تتعلق بالظروف الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها الشباب نتيجة شعورهم باليأس، خصوصاً في البيضاء"، معتبرة أن تصريحات بعض المسؤولين عن علاقة حبوب الهلوسة بالانتحار غير مقنعة.

وتفيد الدراسة بأن بعض حبوب الهلوسة التي قد تؤدي إلى الانتحار تعرف محلياً باسم "الفيل الأزرق"، إلا أن سعرها مرتفع وليست في متناول الجميع. وتشير إلى أن المتطوعين حاولوا في الدراسة لقاء ناجين من الانتحار بعد إسعافهم من قبل ذويهم، وكانت الأسباب الاقتصادية والعاطفية بالإضافة إلى الحرب دافعاً رئيسياً للانتحار.
وتشير الشيخ إلى أن الشرطة كشفت عن انتحار فتاة في طرابلس نتيجة تعرّضها للاغتصاب من قبل إحدى المليشيات، إلا أن مثل هذه الحوادث تبقى نادرة، لافتة إلى أن ارتفاع نسبة البطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية وتراجع فرص السفر إلى الخارج مع إغلاق الكثير من السفارات في البلاد كلها أسباب تدفع إلى الانتحار.

بعض حبوب الهلوسة التي قد تؤدي إلى الانتحار تعرف بـ "الفيل الأزرق"


الدراسة التي أعدها المتطوعون لم تنشر بعد بسبب عدم إتمامها، نتيجة لتوقف العمل عليها بناء على طلب العائلات التي انتحر أبناؤها وهم في سن المراهقة لأسباب عاطفية.
وتتعدد الأسباب، بحسب بن عامر. ويقول إن سبب انتحار الرجل الأربعيني مؤخراً يعود إلى خوفه من الفضيحة بعد اختطافه وزوجته، علماً أن الخاطفين لم يمسوها. إلا أن الضغوط الاجتماعية دفعته إلى شنق نفسه. كذلك، يتحدث عن تحوّل المدارس إلى بيئة عنفية، ما يدفع بعض التلاميذ إلى الانتحار. يضيف أن "الحرب والنزوح والتشرد والاكتئاب كلها أسباب تقود إلى الانتحار".

المساهمون