لماذا تتخلى طيور عن صغارها؟

16 يونيو 2022
ما زالت هذه الأنثى تهتمّ بتغذية فرخها (ديفيد تيبلينغ/ Getty)
+ الخط -

تتفاوت درجات تخلّي الطيور عن صغارها من حالة إلى أخرى ومن نوع إلى آخر. فثمّة طيور مثل القيقب (الكوكو) تعيش متطفّلة على أنواع أخرى، تاركة لأنثى أخرى العناية بفراخها، وتكون الأنثى الأخرى في العادة أصغر منها حجماً. ومن طبعها أنّها تراقب العشّ الذي وضع فيه للتوّ النوع المستضيف بيضه، فتسارع إلى وضع بيضتها فيه، وذلك في الفرصة الأولى المناسبة التي ترى فيها أنّ الأبوَين الحقيقيَّين قد ابتعدا عن العشّ. فيقوم بعدها صاحبا العشّ بحضن البيضة ظناً منهما أنّها لهما. وعندما تفقس البيضة، تدفع حساسية جلد فرخ الكوكو إلى تخلّصه من كلّ الفراخ الأخرى برميها خارج العشّ لكي يتفرّغ له الأبوان بالتبني ويطعمانه.

ليست فقط طيور الكوكو التي تضع بيضها في أعشاش طيور أخرى، بل كذلك تفعل طيور البقر والبطوط والطيور الدالة على العسل والطيور الكحلية. أمّا الطيور المستقبلة أو المضيفة فعددها يقارب 200 نوع مختلف.

وثمّة تخلٍّ عن الفراخ من نوع آخر، وهو محصور بالعقبان الكبيرة، خصوصاً العقاب الأسود، لا سيّما الأنثى التي لا تكون شرسة بشكل مباشر مع صغيرَيها، إنّما نجدها تتفرّج عليهما يتقاتلان في العشّ من دون تدخّل منها حتى ينتصر أحدهما على الآخر (البقاء للأفضل) أو يموتا معاً من دون أن يرفّ لها جفن.

أمّا النوع الثالث من عملية تخلّي الطيور عن فراخها فيأتي بأشكال مختلفة، ويعود إلى أسباب عدّة مبهمة الدوافع. وهذا أمر لا يُسجَّل فقط لدى الطيور إنّما كذلك لدى حيوانات أخرى. الشكل الأوّل هو سقوط الفرخ من العشّ قبل أن يصير قادراً على الطيران، وهنا لا يجد الأبوان مفرّاً من إطعامه حيث هو. وكثر منّا صادفوا ربّما صغيراً وقع من العشّ من دون أن يروا أمّه أو أباه اللذَين يراقبان من بعيد بلا شكّ، علماً أنّهما سوف يتوليان أمر صغيرهما بعد ابتعاد الناس عن المكان، وذلك لأنّ الإنسان بالنسبة إليهما عدوّ مفترس. وفي كلّ الأحوال قد يتخلّى الأبوان عن فرخهما، خصوصاً إذا أصيب بكسر أو عطب يمنعانه من العودة إلى حالته الأصلية، أو إذا سُجّلت حركة مرور أشخاص في مسار قريب جداً، حينها يقرّران الاحتفاظ بطاقتهما ويمتنعان عن إطعامه على الأرض ويتركان مصيره للحيوانات المفترسة من قطط وكلاب وغيرها.

وقد يعمد أحدهم إلى أخذ الفرخ لتربيته، ظناً منه أنّه وحيد وأنّه ليس له أبوان يطعمانه، وهذا أمر خطأ. وثمّة من يحاول إرجاع الفرخ إلى العشّ وهذا خطأ آخر، ليس لأنّ أبوَي الفرخ سوف يشمّان رائحة الإنسان وينفران منه (حاسة الشم ضعيفة جداً عند معظم أنواع الطيور، باستثناء قلة قليلة ومنها النسور) بل لأنّهما قد يهجران العشّ الذي يكتشفه العدوّ المفترس، كالإنسان مثلاً، خوفاً على نفسيهما.

في شكل ثانٍ، ثمّة إناث من الطيور الكبيرة مثل اللقالق تلتقط الفرخ المريض أو ضعيف البنية وترميه من أعلى العشّ ليصل إلى الأرض ميتاً، وبذلك تستطيع التفرّغ لإطعام الفراخ الباقية. كذلك فإنّ ثمّة فراخاً قد تحمل في أجسامها طفيليات كثيرة تهدّد إخوتها في العشّ، فتقرّر الأنثى أن ترميها خارج ذلك العشّ، منعاً لانتقال تلك الطفيليات إلى الفراخ التي تتمتّع بالصحة.

موقف
التحديثات الحية

في شكل ثالث، قد تعمد الأمّ عند الجوارح من الطيور إلى قتل الفرخ المتهالك من الضعف وإطعامه إلى الفراخ الأخرى في العشّ أو قد تلتهمه بنفسها. وقد ترمي الأمّ من العشّ الفراخ الأضعف من العدد الذي تعدّه فائضاً (نوع من أنواع تنظيم النسل ربّما)، خصوصاً عندما تدرك أنّ جلب الطعام للفراخ صار أمراً صعباً بسبب تأخّر سقوط الأمطار أو عواصف رملية أو أحوال مناخية أخرى.

في شكل رابع، لا يتعلق الأمر بتخلّي الأمّهات عن فراخها بل بتخلّي الفراخ من الإخوة بعضها عن بعض. ويحصل ذلك عندما يكون عدد الفراخ الإخوة كبيراً نسبياً، فيحاول الأقوى من بينها رمي بعضها من العشّ في حين يكون الأبوان مشغولَين ذهاباً وإياباً بجلب الطعام لها. لكنّ هذا الأمر قد لا يحصل إذا كان الطعام وفيراً.

ويبقى في النهاية أمر مهمّ نذكره عن العصفور الدوري المنزلي الذي نعرفه كلنا، وهو أنّ الذكر يتزوّج الأنثى وبعدما تضع البيض أو تفقس وتبصر الفراخ النور يتركها الذكر ليتزوّج أخرى وينتقل معها إلى عشّ آخر. لكنّ الأنثى الأولى التي أصابها الحسد والغيرة تتخلّى مؤقتاً عن بيضها أو فراخها بحثاً عن زوجها وعشّه الجديد مع الأنثى الثانية، وتعمد إلى قتل الفراخ من هذه الأخيرة لعلّ الزوج يتّعظ ويعود إليها وإلى فراخه منها. ويحدث كلّ ذلك من دون أن نعلم شيئاً عن هذه العادة الغريبة لدى الدوري الذي يعيش بيننا وحولنا في ثقوب الأبنية حيث يعشّش أو يبيت على الأشجار بعد مغيب الشمس.

(اختصاصي في علم الطيور البريّة)

دلالات
المساهمون