خطوط أليمة رسمتها لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، بمناسبة مرور أربعين عاماً على تأسيسها، عبر افتتاح معرض "خط زمني" لاستعادة مسار القضية وتوثيق النضال. تضم الخطوط الكثير من القصص، من بينها حكاية امرأة في حالة انتظار لأحبة فقدتهم، فلا الوقت يمر ولا الوجع يندمل، ودولة لم تشأ يوماً البحث عن مفقوديها، بل سارعت إلى العفو عن المجرم وتكريمه.
يضم المعرض 255 وثيقة و 150 محطة، والعديد من قصاصات الصحف حول القضية، إلى جانب صور المفقودين والمدافعين عن القضية خلال أربعة عقود، إضافة إلى عروض مرئية تستعرض معاناة الأهالي عبر الزمن، وهو يتواصل حتى 26 مارس/آذار الجاري، وتتخلله ندوة بعنوان "أربعون عاماً وقضية المفقودين ترفض أن تُفقد".
خلال تجولها في المعرض، تكتشف سوسن الهرباوي (54 سنة) صورة قديمة لوالدتها في خبر لإحدى الصحف. تقف أمام الصورة، وتقول لـ "العربي الجديد": "هذه أنا إلى جوار المرحومة أمي، كنتُ حينها في عمر المراهقة، وكنّا في لقاء لأمّهات المفقودين، فقد كانت تصطحبني معها إلى الساحات منذ كان عمري تسع سنوات. يصادف هذا الشهر ذكرى سبع سنوات على رحيلها، وما زلنا نأمل أن نصل إلى حل كي نزور قبرها ونطمئنها إلى أننا عرفنا مصير أخي".
وتقول سهاد كرم، وهي زوجة مفقود في حرب الجبل عام 1982، لـ"العربي الجديد": "لا نعرف عنه أي شيء. كان عمره حينها 40 سنة، وكنتُ بعمر الثلاثين، واليوم أصبحت سبعينية، ولدي ثلاثة أولاد وخمسة أحفاد. ناضلنا لسنوات ولا نزال نناضل، وسيرث أبناؤنا وأحفادنا القضية، فالبحث عن الحقيقة لن يتوقف. نحن نبحث عن قبر، وعن طريقة صلاة، وعن مكان نضع فيه الورود لأحبّتنا. تنازلنا عن حقنا في التعويضات والمحاكمات، لكننا لن نساوم على حقنا في معرفة مصير كل مفقود".
وتؤكد رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين، وداد حلواني، لـ"العربي الجديد"، أنّ "المعرض محاولة لاختصار مسيرة اللجنة خلال أربعين عاماً منذ تشكيلها في نوفمبر/تشرين الثاني 1982، وأردنا من خلال الخط الزمني الذي يضمه أن نسلط الضوء على محطات أساسية كان لها قيمة كبيرة في دفع القضية، وصولاً إلى انتزاع القانون 105 في عام 2018، والذي تكمن أهميته في تكريسه حق كل عائلة بمعرفة مصير مفقودها من خلال (الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً) التي شُكلت بموجب هذا القانون، ومتى توفر القرار السياسي الحقيقي بتطبيق القانون، سيتمّ تفعيل تلك الهيئة، وستُعطى كل الإمكانات، ولكن على جميع أفراد المجتمع تحمّل المسؤولية عبر احتضانها".
وتابعت: "لن يعاقب القانون على الماضي، لكنه سيعاقب على الحاضر، بمعنى أنّه سيعاقب كلّ من ينكر أو يتنكر لحق الأهالي بمعرفة مصير مفقوديهم، وكل من يخبئ معلومة يعرفها، أو يضلل أو يعبث بمقبرة جماعية".
وخاطبت حلواني المشاركين بافتتاح المعرض، قائلةً: "ربما احتجتم إلى أربعين دقيقة لمشاهدة المعرض، فتخيلوا ما عشناه خلال أربعين سنة من النضال بحثاً عن أحبة خطفتهم الحرب، ولم يُعدهم ما سُمي سلماً. أربعون عاماً نواجه فيها موجات التخويف والقمع والترهيب والتجاهل الحارق والتضامن المزيف. لسنا ملفاً عالقاً من ملفات الحرب في لبنان، بل نحن بشر نشبه الوطن الذي لم يستكمل بعد خروجه من حرب اقترب عمرها من نصف قرن. لقد خلع القتلة والخاطفون ثيابهم العسكرية، ولبسوا بدلات السلطة على عجل، وشهدنا تجميل صورهم بالخطابات الوطنية، وشعارات الدفاع عن حقوق الإنسان. غير أنّنا لن نقبل بمحاولاتهم طمس قضيتنا".
بدوره، يرى النائب إبراهيم منيمنة، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، أنّ "مشكلة هذا البلد تكمن في عدم الوصول إلى الحقيقة لأن نظامنا السياسي لم يقم يوماً على القيم والمبادئ التي تُبنى عليها الدول، فالمسار الزمني للقضية يثير الحزن تجاه المأساة الكبيرة التي لم نصل إلى خواتيمها بعد عبر كشف الحقيقة، وهذا جزء من عدم قدرتنا كلبنانيين على التصالح مع ماضينا، بالإضافة إلى الشلل السياسي، والانهيار الاقتصادي".
يضيف منيمنة: "لأنّنا لم نحاسب أحداً بعد الحرب، نعيش اليوم هذا الواقع. من المفترض المحاسبة، وعدم غض النظر عن أفعال تهدد فكرة بناء الدولة، والنواب مدعوون إلى الضغط على السياسيين في مواقع القرار من أجل دعم الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً، وتأمين مواردها، وتفعيل عملها، وإلا فلن نصل إلى أي نتيجة".