لم يعد لفرحة العيد أيّ وجود في لبنان، بعدما تفاقمت الأزمات المعيشيّة والاقتصاديّة، وانفتحت البلاد على فاجعة تلو أخرى، وآخرها غرق زورق المهاجرين في مدينة طرابلس بالشمال.
أما مظاهره وطقوسه فباهتة كخريف شاحب. لا هدايا، لا أضاحي، لا مشاوي، لا مطاعم، لا زيارات، ولا حلويات سوى المقدور عليها.
في محافظة جبل لبنان، تختصر نهاد السيّد، الأم لشاب وثلاث صبايا، الوضع المزري بالقول لـ"العربي الجديد": "كلّ شيء تغيّر، وبات علينا أن ننسى العيد وأيّامه. ارتفعت أسعار الثياب والشوكولاتة والمَلبن والمعمول والبقلاوة بشكل قياسيّ، وأصبح الفقير عاجزاً عن شرائها". وإذ تستذكر العيد أيّام زمان وتتحسّر على بهجته وروعته المفقودة اليوم، تقول: "كان العيد جميلاً، وكانت العائلات تشتري لأطفالها ثياباً جديدة، تجهّزها ليلاً، وتصحو أول أيّام العيد لتستهلّ نهارها بالصلاة وزيارة المقابر، ثم تتوجّه إلى منزل كبير العائلة لمعايدته. كانوا يتبادلون زيارات العيد ويحملون معهم الهدايا من حلويات وغيرها، لكن كلّ هذه المظاهر تبدّلت اليوم مع ارتفاع الأسعار وتزايد الأعباء، ولا أحد يزور الآخر".
تسرد الوالدة الستينيّة كيف كانت عائلتها تذبح الخراف وتجتمع كلها حول مائدة الغداء، وكيف كان يلهو الأطفال في مراجيح العيد. وتعلّق: "يغيب العيد اليوم مع الأوضاع المعيشيّة الصعبة. كنّا مثل غيرنا ننهمك في إعداد المعمول، لكنّنا لم نعد قادرين على ذلك بسبب ارتفاع أسعار السمنة واللّوز والجوز والفستق الحلبي والصنوبر".
ويأسف إبراهيم صادق، ابن مدينة طرابلس (شمال)، لـ"الوضع السيئ والتعيس"، ويقول لـ"العربي الجديد": "أحوال الناس متشابهة، وما من عيد ننتظره في ظلّ الغلاء المستشري وتفاقم الأزمات المعيشيّة. أضف إلى ذلك فاجعة غرق زورق الهجرة الذي شهدته أخيراً. عاصمة الشمال حزينة، وتغيب البسمة والفرحة عن وجوه أطفالها".
يسأل ابراهيم، وهو أب لثمانية أولاد قرّر العودة إلى وطنه بعدما كان في إحدى الدول الأفريقية ويعمل في تنجيد المفروشات: "عن أيّ عيد نتحدّث، وأنا عاطل عن العمل منذ أن عدت إلى لبنان. كيف أشتري الثياب لأولادي، وأنا أسدد بالكاد إيجار المنزل والمحل وفاتورتَي الكهرباء والاشتراك بالمولّد الخاص. الحركة معدومة، فالناس تلهث خلف الأولويات من طعام وشرابٍ ودواء. لن يزور أحد الآخر لمعايدته، ولا فرحة في لبنان طالما السياسيون الحاليون قابعون في سدّة الحكم".
من جهته، يتحدث صادق حيدر من مدينة بعلبك، لـ"العربي الجديد"، عن أن العيد يغيب عن منزله بسبب حالة وفاة في العائلة، ويقول: "لا حلويات ولا استقبالات، لكنّنا سنشتري ثياباً جديدة لابني الوحيد، فلا ذنب له. الفرحة منقوصة للجميع، فغالبية المواطنين يعانون من المصائب والأوجاع والآلام، ومن الهموم الاقتصاديّة والمعيشيّة".
وتصف الطالبة الجامعيّة لينا العُرّ الوضع بأنه "مأساوي"، وتقول لـ"العربي الجديد": "كنّا نشتري المَلبن والبقلاوة والمعمول وغيرها من حلويات العيد، لكنّنا سنكتفي بالمَلبن والمعمول. كنّا سابقاً نقصد المطاعم والأماكن السياحية، بينما ستقتصر مشاويرنا هذا العيد على المحيط القريب ضمن مدينة صيدا (جنوب)، فأسعار الوقود باهظة. كما كنّا نذبح الخراف ونحتفي بأول أيّام العيد بإقامة مائدة مشاو، لكن أين نحن من ذلك مع ارتفاع أسعار اللّحوم؟".
وتشير الشابة العشرينية التي يعمل والداها لتأمين معيشة أبنائهم الثلاثة، إلى أن العيد سينحصر في زيارة الجدّين، وتروي بضحكةٍ ممزوجة بالحسرة، أنها اشترت ثياب العيد خلال موسم العروض وخبأتها، و"هي اقتصرت على بضع قطع لأخي، علماً أننا كنّا نشتري سابقاً ثياب العيد لثلاثة أيام".
وإذ تحرص على إبقاء مظاهر العيد وطقوسه من أجل طفلَيها الوحيدين، تقول سيليا عيد: "كما زيّنت المنزل احتفاءً بشهر رمضان، سأزيّنه ابتهاجاً بقدوم العيد الصغير. أريد أن يدرك ولديّ ويلمسا معاني العيد وتفاصيله وتجمّعات الأهل وزيارة الملاهي وأماكن الألعاب، ويستمتعا بالمفرقعات النارية، ويرتديا الثياب الجديدة، ويتذوقا المعمول وحلويات العيد، كي يشعرا بفرحة العيد، فالأطفال لا ذنب لهم. يكفي أنّهما حُرما العام الماضي من كلّ ذلك جراء جائحة كورونا، وقد تأزّم الوضع المعيشي، ووالدهما مغترب لتأمين لقمة عيشهما". وتعود سيليا بالذاكرة إلى "أيّام الزمن الجميل، حيث كنّا نزور أقرباء الوالدين جميعهم، ولا نكتفي كما اليوم بزيارة الجدّ والجدّة، وننهمك أيضاً في تحضير معمول العيد ونقيم مائدة مشاو، وهذه أمور باتت بعيدة المنال لكثير من العائلات". وتتوق سيليا لأن يقصد ابنها الصغير الجامع برفقة والده لأداء صلاة العيد، مؤكدة تمسّكها بتقليد زيارة قبور الموتى صباح العيد، لما يحمله من معانٍ روحيّة.
من جهته، يتحدث أحمد السيّد، وهو أب لثلاثة أولاد، لـ"العربي الجديد"، عن تغيّر طقوس العيد، "حيث لم تعد العائلات تزور بعضها بعضاً، ولم يعد يمكن شراء الهدايا والحلويات، ولا ثياب العيد للأولاد، بل الاكتفاء بكنزة أو بنطلون أو حذاء أو هدية متواضعة تُفرح قلوبهم. لقد حرمونا فرحة العيد التي باتت تقتصر اليوم على المقتدرين وأولئك الذين يتلقّون تحويلات ماليّة بالعملة الصعبة".
ويبدي الثلاثيني، الذي يملك محمصة ومحلاً لبيع الشوكولاتة والسكاكر والهدايا، استياءه من "تراجع حركة البيع بشكل كبير"، ويسأل: "كيف سيشتري المواطن اللّحوم والشوكولاتة وخلاف ذلك، أضف إلى ذلك غلاء أسعار البنزين والمازوت والغاز وأقساط المدارس وأجرة باص المدرسة. انهارت العملة، وذهب معها الوطن. فالوجع ذاته أينما كان، ولا أحد يسأل عنّا، وقد رأينا كيف لقيت العائلات حتفها في أعماق البحر".