تشهد الساحة اللبنانية توترات متفرّقة بين لبنانيين وسوريين آخرها، أمس الخميس، في منطقة الدورة شمال بيروت تم على أثرها إطلاق دعوات من السكّان بـ"طرد السوريين" بالتزامن مع الحملة الأمنية والوزارية التي تشنّ ضدّ اللاجئين ولا سيما غير النظاميين منهم والخطاب السياسي الحادّ تجاههم.
ووقع أمس إشكالٌ كبيرٌ بين شبّان لبنانيين وآخرين من التابعية السورية في منطقة الدورة، بالقرب من كنيسة مار مارون، على خلفية حادث سير، تطوّر إلى نزاع بواسطة آلات حادّة، فكان أن تحصّن السوريون في مكان عملهم داخل معمل، بينما تجمّع عشرات اللبنانيين أمامه وحاصروه، وأشعلوا النيران في محيطه، مطلقين دعوات بخروج السوريين من المنطقة، قبل أن تحضر الأجهزة الأمنية وتوقف السوريين.
وقال مختار منطقة البوشرية، شربل خوري، في حديث إذاعي إنّ "الإشكال بدأ بين شاب سوري وفتاة لبنانية إثر حادث سير حيث تهجّم الشاب عليها وفوراً تدخل عددٌ من السوريين يعملون في المعمل في الدورة وهجموا على شقيق الفتاة"، مشيراً إلى أنه "بعد ذلك تجمّع أهالي المنطقة أمام المعمل وحاصروه بانتظار وصول قيادة الجيش حيث تم إخلاء المعمل وتوقيف السوريين".
وأشار أحد أبناء منطقة الدورة لـ"العربي الجديد"، أنّ "الإشكال بدأ فردياً قبل أن يتطوّر على وقع التشنّج الحاصل في المنطقة، وحال الغضب من تكاثر أعداد السوريين غير النظاميين، وقيام أصحاب المحال والمعامل من اللبنانيين بتشغيلهم من دون أوراق قانونية، بطريقة غير مقبولة".
ولفت إلى أن "الأهالي لا يطالبون بطرد كل السوريين، فهؤلاء مواطنون نحترمهم ونعلم أزمتهم، ولكن الاعتراض على وجود أشخاص غير نظاميين، لا نعرف معلومات عنهم ولا تفاصيل حولهم، ليست لديهم إقامات ولا يحملون أوراقا قانونية، من هنا التخوّف على سلامة الأهالي وأمن المنطقة".
وتُكّثف البلديات من إجراءاتها تجاه السوريين تطبيقاً للقرارات الوزارية المتخذة، أخيراً، لمواجهة "اللجوء السوري غير النظامي المستجدّ" إلى لبنان، وذلك في وقتٍ تشهد أكثر من منطقة لبنانية احتقانا بين لبنانيين وسوريين، يُغذيه الخطاب السياسي والإعلامي السائد، والذي يُلقي اللوم على اللاجئين بالأزمة الاقتصادية في البلاد، ويوجّه بوصلة ارتفاع نسب الجرائم المرتكبة على هؤلاء.
وعلى خطى منطقة الدورة، أعلن أهالي عددٍ من المناطق في المتن اللبناني، منها برمانا وبيت مري، وبعبدات، مقاطعة أي مطعم أو محل تجاري يشغل غير اللبنانيين كـ"ديليفري" ممّا لذلك من "تأثير على أمن أهلنا، منع أي وجود على طرقاتنا لأي أشكال غريبة غير مطمئنة لأهلنا، مساعدة الدولة غير القادرة على تطبيق قانون العمل اللبناني، دعوة الدولة اللبنانية إلى ترحيل كل اللاجئين سواء كانوا قانونيين ويحملون أوراقا قانونية أو لا، وذلك لاحتواء كارثة ممكن أن تحصل"، وذلك وفق بيان صادر عنهم.
واتخذت بعض البلديات قرارات بمنع تجوال السوريين ليلاً ووقف الدراجات النارية التي يقودها سوريون والتدقيق بأوراقهم وتوقيف غير القانونيين منهم، فيما كثفت دورياتها على المحال والمؤسسات للتأكد من جنسيات العمّال وأوراقهم.
ووجّه مخاتير منطقة الجديدة، البوشرية، السد، في المتن اللبناني، كتاباً اليوم إلى المديرية العامة للأمن العام، طالبين فيه إقفال كل المحلات التجارية غير الشرعية المشغولة من غير اللبنانيين.
وحذّرت الرابطة المارونية في بيان من أن "يتطور الوضع إلى انفجار اجتماعي شامل، ستكون له انعكاسات أمنية خطيرة وقاتلة في كل لبنان وفي المحيط القريب والبعيد، من شأنها أن تؤدي إلى تهديم لبنان"، معتبرة، أن "استمرار الأمور على ما هي عليه ولا سيما في غياب أي خريطة طريق رسمية واضحة وقابلة للتنفيذ، لتنظيم وجود السوريين أولاً وإعادتهم إلى بلادهم ستؤدي إلى تثبيتهم في لبنان توطئة لدمجهم وتوطينهم".
في السياق، بدأت تخرج دعوات سياسية، ولا سيما من حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، بإنهاء عمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، ومختلف الجمعيات العاملة في هذا الشأن، التي "تعزّز الحضور السوري في البلاد"، وفق تعبيره.
ودعا المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في خطبة الجمعة اليوم إلى "إغلاق أبواب المفوضية ومعاقبة جمعياتها وإنقاذ السيادة اللبنانية من لعبة السفارات".
وقال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إننا نحتاج اليوم إلى إحصاءات لمعرفة عدد النازحين السوريين في لبنان، وكل الأرقام المطروحة هي تكهنات، مطالباً بمعالجة أسباب اللجوء السوري لا النتائج، معتبراً أن المسؤول الأول عن "النزوح الأمني" إلى لبنان هو الإدارة الأميركية. كما لوّح بالسماح لمن يرغب من النازحين بالاتجاه إلى أوروبا، في سفن مجهزة بطرق آمنة، بدل اللجوء إلى طرق غير نظامية عبر الزوارق المطاطية.
في السياق، يقول وديع الأسمر، رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، لـ"العربي الجديد"، إن ما حصل بالأمس خطير، لأن الدولة تدفع المواطنين اللبنانيين الذين هم ضحايا الأزمة الاقتصادية إلى مواجهة مع مواطنين سوريين هم بدورهم ضحايا الأزمة نفسها وأيضا الحرب في سورية.
ويلفت إلى أن ما تم تداركه بالأمس سيكون له نتائج مؤذية على الشارع اللبناني خصوصاً في ظل الخطاب السياسي السائد، معتبراً أن الدعوات التي بدأت تطلق لإقفال مكاتب مفوضية اللاجئين في لبنان، باتت تحدث شكوكاً بوجود قرار من النظام السوري لتأزيم الوضع في لبنان للاستفادة منه وتقوية موقفه بالمفاوضات الدولية لجهة إعادة الاعتراف به.
ويرى الأسمر أنه وإن كانت هناك أخطاء ترتكب من قبل المفوضية ولكنها تقوم بعمل إنساني، والإشكالية الأساسية تبقى مرتبطة بالدولة اللبنانية وطريقة مقاربتها وإدارتها وتعاطيها مع الملف.
ويرى أيضاً أن الأرقام التي يُعلن عنها المرتبطة بالجرائم قد تكون مضخمة وغير دقيقة خصوصاً إذا كان دمج الأشخاص الموقوفين بجنح بسيطة لعدم حيازتهم على أوراق قانونية، ومع ذلك فإن نسبة الثلاثين في المائة تظهر أن هناك توازياً بين كل المقيمين، لافتاً كذلك إلى أن المقاربة العنصرية أيضاً المتبعة من قبل وسائل الإعلام للملف تحدث خوفاً وقلقاً عند اللبنانيين.
وفي مؤتمر صحافي بعد لقائه المحافظين بحضور عددٍ من رؤساء البلديات أول من أمس الأربعاء، أعلن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال، بسام مولوي، أننا لن نسمح بوجود سوريّ عشوائي على الأراضي اللبنانية، ومحاسبة البلديات المقصّرة في أداء دورها.
وقال مولوي، إنّ 30% من الجرائم المرتكبة هي من قبل سوريين، مشدداً على أننا لن نسمح بالانفلات ونريد أن نحافظ على هوية لبنان وديمغرافيته ومستقبله، لافتاً، إلى أن مطلب لبنان ليس تنظيم الوجود السوري، بل الحدّ منه وتطبيق خطة العودة ضمن إطار زمني واضح.
ويوجد في لبنان بحسب آخر إحصاءات أعلن عنها المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، مليونان و80 ألف لاجئ، في حين قال مركز "وصول" لحقوق الإنسان، (ACHR)، إن "عدد ضحايا الترحيل القسري منذ بداية الحملة الأمنية في إبريل/نيسان الماضي، إلى يونيو/حزيران الماضي، بلغ 365، في حين بلغ عدد ضحايا الاعتقال التعسفي 841".