أوقفت الأجهزة الأمنية اللبنانية رجلَين يحملان الجنسية السورية دخلا خلسة إلى البلاد، لتهريبهما مئات الأشخاص من جنسيات مختلفة، وذلك من ليبيا إلى إيطاليا واليونان، في رحلات هجرة غير نظامية، فيما العمل جارٍ لملاحقة شريكَين لهما موجودَين في الخارج.
وأعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي - شعبة العلاقات العامة، في بيان أصدرته اليوم الاثنين، أنّ "في إطار الجهود التي تبذلها لمكافحة تهريب الأشخاص عبر البحر، وبنتيجة المتابعة والرصد التي تقوم بها مفرزة زحلة (محافظة البقاع شرقي لبنان) القضائية في وحدة الشرطة القضائية، توفّرت معلومات لعناصر المفرزة المذكورة حول قيام كلّ من السوريَّين م. ن. (مواليد عام 1975) وم. ح. (مواليد عام 1971) بتهريب أشخاص من جنسيات سورية ولبنانية ومصرية وفلسطينية وأفريقية وغيرها من ليبيا إلى أوروبا، بواسطة مراكب بالتنسيق مع أشخاص لبنانيين في منطقة وادي خالد (محافظة عمار شمالي لبنان)"، مشيرة إلى "غرق مركب منها مقابل سواحل مدينة طبرق - ليبيا، وتوفي من جرّاء ذلك عشرات المهاجرين، وقد تداولت وسائل الإعلام آنذاك حادث الغرق المذكور".
هرّبا مئات الأشخاص من جنسيّات مختلفة من ليبيا إلى إيطاليا واليونان، ومفرزة زحلة القضائيّة تُلقي القبض عليهما وتُلاحق شريكيهما المُتواجدَين في الخارج.#قوى_الأمن #الامن_أمانة
— قوى الامن الداخلي (@LebISF) October 2, 2023
وأضافت مديرية قوى الأمن في بيانها نفسه أنّ الشخصَين المذكورَين "فرّا بعدها من ليبيا إلى سورية بعد تعرّض أحدهما لمحاولة قتل من قبل بعض أهالي الضحايا، ثمّ دخلا لبنان خلسة. واتّخذ الأوّل مكان إقامته في بلدة لالا البقاعية (شرق) والثاني في بلدة برّ الياس (شرق)"، علماً أنّ الثاني "تعرّض للخطف من قبل مجهولين في منطقة وادي خالد، وتمّ احتجازه لمدّة أربعة أشهر وإلزامه بدفع مبلغ 43 ألف دولار أميركي كتعويض للأشخاص الذين كان ينوي تهريبهم إلى أوروبا عن طريق ليبيا، وتعذّر ذلك عليه بعد دفعهم المبالغ المترتّبة لذلك".
وتابعت قوى الأمن أنّ المذكورَين أوقفا في لالا وبرّ الياس، و"بالاستماع إليهما، اعترفا بأنّهما كانا يتقاضيان عن كلّ شخص مبلغ 3500 دولار أميركي"، وبأنّهما هرّبا "مئات الأشخاص عبر البحر من ليبيا إلى إيطاليا واليونان، بواسطة عبّارات سعة كلّ منها تتراوح ما بين 500 و350 و250 شخصاً، من جنسيات متعدّدة، وذلك بالاشتراك مع شقيقَي الموقوف الثاني م. ح. (مواليد عام 1983) المقيم في ليبيا وم. ج. (مواليد عام 1973) المقيم في اليونان".
وبيّنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أنّ "المقتضى القانوني أُجري بحقّهما، وأودعا المرجع المختصّ بناءً على إشارة القضاء، كما تمّ تعميم بلاغَي بحث وتحرّ بحقّ شقيقَي الموقوف الثاني".
وتُعَدّ ليبيا منطلقاً أساسياً لمهاجرين من جنسيات عدّة، لا سيّما سورية ولبنانية ومصرية وفلسطينية، يسعون إلى العيش في إحدى الدول الأوروبية.
وفي التاسع من يونيو/ حزيران الماضي، غرق مركب للمهاجرين يحمل ما يزيد عن 700 طالب لجوء كان قد انطلق من ساحل مدينة طبرق شرقي ليبيا وهدفه الوصول إلى إيطاليا، بيد أنّ خللاً أصابه قبالة شواطئ اليونان، الأمر الذي أدّى إلى انحراف مساره وغرق معظم الذين كانوا على متنه.
كذلك، تمثّل ليبيا نقطة الانطلاق الثانية إلى إيطاليا، إلى جانب تونس. وقد ذكرت وكالة "نوفا" الإيطالية نقلاً عن بيانات لوزارة الداخلية الإيطالية، في أغسطس/ آب الماضي، أنّ المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا حتى 31 يوليو/ تموز الماضي انطلقوا بمعظمهم من تونس، ويبلغ عددهم 54.693 مهاجراً، أي ما يعادل 61.34% من إجمالي عدد المهاجرين، ثمّ تأتي ليبيا في المرتبة الثانية مع نسبة 33.7%، علماً أنّ تركيا تحلّ في المرتبة الثالثة، تليها الجزائر.
وتُسجَّل كذلك حركة هجرة غير نظامية انطلاقاً من لبنان، لا سيّما بحراً من شماله، وسبق أن وقعت في هذا السياق أكثر من حادثة مأساوية راح ضحيتها عشرات الهاربين من الأزمة الاقتصادية، خصوصاً تلك التي تضرب البلاد منذ أواخر عام 2019، وقد مسّت خصوصاً الفئات الأكثر ضعفاً من اللبنانيين واللاجئين السوريين.
واستغلت شبكات التهريب الأوضاع المتردية في لبنان وحاجة أفراد من الفئات الأكثر ضعفاً إلى الهرب من شبح الجوع والفقر والبطالة في اتجاه الدول الأوروبية، وسط صعوبة السفر بالطرق الشرعية. فحققت تلك الشبكات الأرباح الطائلة، من دون أن توفّر للمهاجرين أبسط مقوّمات السلامة، إذ كانت تنقل أعداداً منهم تفوق قدرة المراكب وسعتها على التحمّل، ومن دون تزويدهم بمستلزمات السلامة.
إزاء ذلك، تكثّف السلطات اللبنانية، بأجهزتها الأمنية، جهودها لمكافحة ظاهرة الهجرة غير النظامية بحراً، خصوصاً من سواحل البلاد الشمالية التي تُعَدّ منصّة للتهريب في اتجاه قبرص واليونان، ومنها إلى دول أوروبية، أبرزها إيطاليا. وسبق لها أن أحبطت أكثر من عملية تهريب عبر البحر، علماً أنّ ثمّة جهات سياسية تُتَّهم بدعم شبكات تهريب وتوفير غطاء الحماية لعملياتها، لا سيّما تلك التي تنشط في الشمال.
من جهة أخرى، لا تقتصر الهجرة في لبنان على تلك غير النظامية، إذ سجّل لبنان في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023 الجاري هجرة وسفر 23.621 شخصاً في مقابل 7.096 في الفترة ذاتها من عام 2022، أي بارتفاع مقداره 16.525 شخصاً وبنسبة 232.8 في المائة، بحسب تقرير نشرته "الدولية للمعلومات" (شركة أبحاث ودراسات مستقلة) في يونيو/ حزيران الماضي. ووصفت "الدولية للمعلومات" هذا الارتفاع الكبير بأنّه مؤشّر إلى مدى تردّي الأوضاع في لبنان وسعي اللبنانيين إلى السفر والهجرة هرباً من هذا الواقع.