يزداد التمسك بشجرة الزيتون في لبنان جيلاً بعد جيل، على الرغم من التحديات الناتجة عن زراعتها والعناية بها وتصريف الإنتاج. ويصفها بعضهم بـ "الشجرة المباركة"، إذ تعود إلى أيام السيد المسيح بحسب عدد من المزارعين. ويستخدم البعض تسمية الزيتون الروماني، نسبة الى حقبة الرومان. في هذا السياق، يتحدث رئيس جمعية "أغصان" الاجتماعية كامل مرقص عن "بعثة إسبانية متخصصة جاءت منذ أربع سنوات إلى قرية دير ميماس في قضاء مرجعيون - جنوب لبنان، الشهيرة بزيتونها، كما الجنوب بشكل عام الذي يضم أكثر من مليون ونصف المليون شجرة زيتون في قضائي حاصبيا ومرجعيون (جنوب)، وعمدت إلى دراسة عمر عدد من الأشجار المعمرة، ومن بينها شجرة أسميت دانيال، تبيّن أنها تعود إلى 1937 عاماً".
بدأ موسم قطاف الزيتون هذا العام على الرغم من تراجع الإنتاج. ويبقى لاجتماع العائلة بركته. بركة تخفف عن الأفراد التعب والعرق. فلكلّ فرد من أفراد العائلة دوره في جني المحصول؛ يلملم البعض حبات الزيتون عن الأرض، ويُعبئ آخرون الزيتون في الأكياس أو غيرها، "والأهم هو أن يتعرّف الأبناء على أرض آبائهم وأجدادهم وهذه الشجرة المباركة المتجذرة في الأرض منذ مئات السنين، والتي لم يتخلّوا عنها على الرغم من كل الظروف التي مرّت عليهم، خصوصاً هذه الأيام في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية في لبنان"، بحسب المزارع سليمان الحاصباني. ويقول: "تبقى المشكلة الأكبر في تصريف الإنتاج وتصديره ووقف الزيت المهرّب، في ظل غياب الجهات والوزارات المعنية".
إذاً، وعلى الرغم من كل الظروف وتراجع المحصول، يبقى قطاف الزيتون فرصة لتلاقي الأهل والأقارب حول هذه الشجرة. ويشارك الجميع، من دون استثناء، في جني المحصول. فلكلّ فرد دوره في عملية القطاف، خصوصاً أيام العطلة، وإن كان البعض يعتقد أن "الزيتون بات لا يساوي تعب قطفه والعناية به".
ومع بدء موسم الزيتون، يعود مرقص إلى لبنان ليشارك في قطف ثماره، هو المتمسك في أرضه. يقول: "نفتخر بأجدادنا ووقوفنا أمام شجرة مباركة ونحن نراها تنمو وتزدهر وتتكاثر في العقود الأخيرة بجهود فردية. ونأسف لأن الدولة لا تحمي القطاع الزراعي أو المبادرات الفردية، وتبقى المشكلة في كيفية تصريف الإنتاج وحماية المنتج المحلّي من التهريب. حتى أن بعض المؤسسات الرسمية في لبنان تستورد زيت الزيتون من الخارج بدلاً من شراء الإنتاج المحلي، لا سيما وأن زيت الزيتون اللبناني يصدّر إلى العديد من دول العالم".
يضيف: "نفتخر بهذا الزيت إذ إن مختبرات علمية حول العالم، وتحديداً في إيطاليا وإسبانيا، فحصت هذا الزيت في مختبراتها"، مؤكدة جودته وندرته في العالم.
ويلفت مرقص إلى أن "الشجرة مقدّسة ولا تموت، ويصل عمرها إلى أكثر من خمسة آلاف عام، وهي الوحيدة، التي مهما بلغ عمرها، يمكن اقتلاعها من الأرض وزراعتها مجدداً". ويقول إن "الظروف الاقتصادية وكلفة العناية بالزيتون وصعوبة تصريف الإنتاج تدفع بالبعض إلى بيع الأشجار. لكنّ نحن في القرية التي فيها أكثر من 170 ألف شجرة زيتون معمّر وغير ذلك، اتخذنا قراراً بعدم بيع أشجار الزيتون".
من جهته، يتحدث الإعلامي أسامة القادري، الذي اعتاد جني المحصول مع عائلته وأشقائه في مزرعة حلتا (قضاء حاصبيا)، عن تمسكه بأرض وإرث أجداده بعيداً عن الكمية المنتجة أو البيع.
ولقطاف الزيتون في حلتا نكهة خاصة قلما تجدها في مكان آخر من بساتين الزيتون في القرى والبلدات الجنوبية بشكل خاص، وفيها أكثر من أربعة آلاف شجرة زيتون معمرة ومتلاصقة، تعود ملكيتها إلى غالبية أبناء البلدة. وما يميز هذه القرية أن موسم قطاف الزيتون فيه كان يحدده وجهاء البلدة. واليوم، تحدده البلدية، وعادة ما تكون البداية في أول يوم جمعة من بعد منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول، لاعتقادهم أن الجمعة يوم مبارك وشجرة الزيتون هي شجرة مباركة.
خلية نحل بشرية تتوزع بين أشجار الزيتون في هذا الوادي والتي يعود عمرها الى أكثر من ألف سنة وربما ألفي سنة حسب ما يؤكد الكثير من المعمرين في البلدة، ويقول أحدهم إن "تسميته هي روماني نسبة لأيام الأمبراطورية الرومانية التي كانت في بلادنا قبل الميلاد وأنها هي التي أتت إلينا بهذه الزراعة".
ويشير القادري إلى أن "منطقة الشرق الأوسط تشتهر بالزيتون، من بينها لبنان بشماله وجنوبه. ويشكّل موسم الزيتون مصدر رزق بالنسبة للكثير من العائلات اللبنانية، باعتبار أنّ هناك آلاف الهكتارات المزروعة بالزيتون. ويعدّ الزيتون في لبنان من الأهم والأشهر في العالم"، معرباً عن أسفه "لغياب الدولة والوزارات المعنية، لا سيما الزراعة والاقتصاد، في حماية هذه الثروة المثمرة، وخصوصاً الحرائق التي تقضي سنوياً على مساحات شاسعة من الأشجار المثمرة والحرجية، ناهيك عن التهريب عبر الحدود والزيت المغشوش".
من جهته، يقول المزارع فخري عبدالله: "الزيتون فخرنا، ونأسف لغياب الدولة وعدم اهتمامها بالمزارعين وهذه الثروة الوطنية". أما ابن مزرعة حلتا أحمد العلي، فيؤكد أن "الناس ما زالت تحافظ على هذه الشجرة المباركة جيلاً بعد جيل، ونحن نتشبث بأرضنا كما الزيتون المتجذر فيها، ويجب أن نحافظ عليها بكل قوانا".
الجار لجاره
ليس في مزرعة حلتا بقضاء حاصبيا (جنوب لبنان) أية حدود فاصلة بين أشجار الزيتون، التي يورثها الآباء للأبناء لتحافظ الأجيال المتعاقبة على وجودها. حتى إن بعض الأهالي لا يعرفون الأشجار التي تعود لهم. لذلك، ليس مستغرباً أن يسأل هؤلاء الجيران عن أشجارهم، كي لا يقطفوا ثمار الآخرين. واللافت أن هذه المزرعة ما زالت تحافظ على الكثير من التقاليد الموروثة. ومن ينتهي من قطف زيتون أشجاره، يعاون جيرانه في الحصاد. وحتى إن كان الموسم شحيحاً، يشعر الأهالي بالامتنان.