كوكايين أميركا الجنوبية وعنف الكارتيلات يجتاحان أوروبا

16 يناير 2023
شحنة كوكايين مضبوطة في أحد الموانئ الأوروبية الرئيسية (فرانسوا فولتسيارتس/ فرانس برس)
+ الخط -

يمسك بائع مخدّرات أكياساً بلاستيكية صغيرة معبّأة بالكوكايين الآتي مباشرة من أميركا الجنوبية في أثناء تحدّثه إلى زبونة شابة التقته أمام منزلها في الدائرة السادسة الفخمة جداً في العاصمة الفرنسية باريس. ويوضح لها أنّ "الكيس الواحد بسبعين يورو (نحو 76 دولاراً أميركياً) والاثنَين بـ120 يورو (نحو 130 دولاراً)". تكتفي الزبونة بشراء غرام واحد، وبمجرّد حصوله على 70 يورو يركب حسن (اسم مستعار) درّاجته النارية متوجّها إلى الزبون التالي. ويقول البائع الشاب لوكالة فرانس برس ضاحكاً: "كما هي حال سائر مقدّمي خدمات التوصيل إلى المنازل، أولئك الذين يسرعون حاملين البقالة أو السوشي، أتلقّى الطلبات وأتجوّل في باريس".

ويتدفّق الكوكايين على عاصمة فرنسا كما معظم المدن الكبرى في أوروبا. ولا يتطلب تقديم طلبيّة أكثر من عشر دقائق عبر تطبيقات المراسلة المشفّرة مثل "واتساب" و"سيغنل" فيتسلّمها الزبون في منزله، تماماً كما البيتزا. فقد أحدثت خدمات التوصيل ثورة في سوق المخدّرات كذلك.

تشرح الضابطة فيرجيني لاهاي التي تقود فرقة مكافحة المخدرات في باريس، لوكالة "فرانس برس"، أنّ "المستهلكين يفضّلون استخدام منصّة (للمراسلة) وتسلّم المخدّرات عند أعتاب منازلهم"، فذلك "أسهل بكثير من التوجّه إلى حيّ فقير في الضواحي".

وفي عام 2021، استهلك نحو 3.5 ملايين أوروبي الكوكايين مرّة واحدة على أقلّ تقدير، وفقاً لبيانات المرصد الأوروبي للمخدّرات والإدمان، وهو مستوى "تاريخي" أعلى بأربع مرات من المسجّل قبل عشرين عاماً. ويزيد العرض مع تسارع نموّ الطلب على المسحوق الأبيض. وسجّل حجم المضبوطات في أوروبا، وهو المقياس الرسمي الوحيد في المنطقة، مجدّداً رقماً قياسياً في عام 2021 مع ضبط 240 طناً، بحسب بيانات مكتب الشرطة الأوروبي (يوروبول) في مقابل 213 طناً في عام 2020 فيما كانت الكمية المضبوطة قد قُدّرت بـ49 طناً قبل ذلك بعشرة أعوام (2010).

ويصف مدير الشرطة القضائية الفدرالية البلجيكية إريك سنوك ما يحصل بأنّه "تسونامي". فمذ جعل أباطرة المخدّرات أوروبا أولويّة مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، صارت أرباح هذا السوق التي تُقدَّر بعشرات مليارات اليوروهات تؤجّج على نطاق واسع الفساد والجرائم الوحشية والعنف.

من جهتها، تقول رئيسة المكتب الفرنسي لمكافحة المخدّرات (أوفاست) ستيفاني شيربونييه إنّ "المصالح المالية جعلت المنظمات الإجرامية تستورد أساليب الكارتيلات إلى أرضنا: تصفية الحسابات والخطف والتعذيب".

وينخر الموانئ الرئيسية في شمال أوروبا عنفُ المافيات المحليّة التي تزعزع استقرار ديمقراطيات متجذّرة مثل بلجيكا وهولندا. فمن إلقاء قنابل يدوية وعمليات إطلاق نار في شوارع أنتويرب (كبرى المدن الفلمنكية في بلجيكا) إلى الاغتيالات في أمستردام (العاصمة الهولندية) مروراً بمخططات خطف شخصيات سياسية في البلدَين هذا الخريف، تُهدّد أساليب المهرّبين النظام العام وتهزّ المجتمع بأسره. وقد حذّر المدعي العام في بروكسل جوهان ديلمول في سبتمبر/ ايلول 2022 من تحوّل بلجيكا قريباً إلى "دولة مخدّرات".

الصورة
نبات كوكا المستخدم في تصنيع الكوكايين في كولومبيا (راوول أربوليدا/ فرانس برس)
حصاد نبات الكوكا المستخدم في تصنيع الكوكايين في أميركا الجنوبية (راوول أربوليدا/ فرانس برس)

لا بديل عن الكوكايين

تبدأ رحلة الكوكايين على مسافة آلاف الكيلومترات. تنمو في منحدرات الهضاب المرتفعة في كولومبيا والبيرو وبوليفيا الأوراق التي يُستخرَج منها المخدّر الذي أشاع استخدامه في القرن التاسع عشر أبو التحليل النفسي سيغموند فرويد وعدد من الكيميائيين الأوروبيين لخصائصه العلاجية.

في منطقة كاتاتومبو في شمال شرق كولومبيا، حلّ نبات الكوكا منذ فترة طويلة محلّ المحاصيل الغذائية. وبفضله، يُطعم خوسيه ديل كارمن أبريل أسرته التي تضمّ ثمانية أطفال. ويقول الأب البالغ من العمر 53 عاماً، وهو يعتمر قبّعة من القشّ، لوكالة فرانس برس إنّ "نبات الكوكا... حلّ محلّ الحكومة التي لم تأتِ إلى هنا قطّ... وبفضله تمكّننا من إنشاء مدارس ومراكز صحية وطرقات ومنازل".

في بلد لا يتجاوز الحدّ الأدنى للأجور اليومية فيه سبعة دولارات، يمكن لمن يزرع الكوكا أن يكسب خمسة أضعاف ذلك. ويعمل مئات الآلاف من المزارعين الكولومبيين في مجال هذه الزراعة. ولم تغيّر مليارات الدولارات التي أنفقتها بوغوتا وواشنطن على مدى عقود في "حربهما على المخدّرات" أيّ شيئاً، إذ يستمر الإنتاج في النموّ. وقد بلغ الإنتاج مستوى قياسياً تاريخياً في عام 2021، إذ بلغت الكمية المحصودة 1400 طن في مقابل 1.010 أطنان في عام 2020، بحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة، الأمر الذي يمثّل قفزة بنسبة 43 في المائة.

ويقدّر الخبراء الحجم الإجمالي للكوكايين الذي عُرض في السوق العالمية في عام 2021، بأكثر من ألفَي طن. وقد شارك خوسيه ديل كارمن أبريل في ذلك، فهو منتِج كوكا و"كيميائي" كذلك، بحسب ما يقول، ويخلط هو وآخرون أوراق الكوكا المقطّعة بالبنزين والجير والإسمنت وكبريتات الأمونيوم للحصول على العجين الأبيض الذي يُطحن بعد ذلك في مختبر. لكنّه يرفض أن يُوصَف بأنّه "تاجر مخدّرات". بالنسبة إليه فإنّ المزارعين أمثاله "فلاحون يحصدون... وليس لديهم حدّ أدنى للأجور"، أمّا المهرّبون فـ"كم مليون يجنون من كيلوغرام الكوكايين الواحد؟". يُذكر أنّ في كاتاتومبو، يشتري التجّار كيلوغرام العجين الواحد من المزارعين بنحو 370 دولاراً، وبمجرّد خلطه مع مزيج من الأحماض والمذيبات يتجاوز سعره ألف دولار.

الصورة
عجينة الكوكايين في كولومبيا (راوول أربوليدا/ فرانس برس)
يشتري التجّار كيلوغرام عجين الكوكايين من المزارعين بنحو 370 دولاراً ويبيعونه بألف (راوول أربوليدا/ فرانس برس)

الكارتيلات المكسيكيّة

تُعَدّ كولومبيا وحدها مزوّدة ثلثَي الكوكايين المستهلك في العالم، لكنّ سقوط كارتيلَي "ميديين" و"كالي" في منتصف تسعينيات القرن الماضي واتّفاق السلام المبرم في عام 2016 مع متمرّدي "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك) الماركسيين غيّرا طبيعة السوق. وبعدما كان المكسيكيون مجرّد وسطاء بسيطين في نهاية القرن الماضي، استفادوا من انهيار منافسيهم الكولومبيين فبسطوا سيطرتهم على القطاع بطريقة شبه كاملة؛ من تمويل الإنتاج إلى الإشراف على الصادرات.

ولفترة طويلة، أعطى كارتيلا "سينالوا" و"خاليسكو" الأولويّة لسوقهما "الطبيعيّة"، أي الولايات المتحدة الأميركية. لكنّهما باتا يستهدفان كذلك أوروبا حيث يرتفع الاستهلاك. وبحسب تقديرات الشرطة الأوروبية فإنّ قيمة سوق البيع بالتجزئة السنوية للكوكايين في أوروبا تتراوح ما بين 7.6 مليارات يورو و10.5 مليارات.

ويوضح مدير الاستخبارات الجمركية الفرنسية فلوريان كولا لوكالة فرانس برس أنّ "سوق الولايات المتحدة الأميركية مشبع والكوكا يُباع في أوروبا بسعر أعلى بنسبة 50 إلى 100 في المائة". يضيف أنّ "من الأمور الأخرى التي يستفيد منها التجّار واقع أنّ المخاطر الجنائية قد تكون أقلّ وطأة في أوروبا من الولايات المتحدة الأميركية".

وكما هي حال 90 في المائة من التجارة العالمية، تعبر كميات الكوكايين بمعظمها المحيط الأطلسي في حاويات، وتكون المخدّرات مخبّأة في شحنات من الموز أو مسحوق السكر أو السلع المعلّبة. ويهرَّب جزء آخر منها جوّاً في حقائب أو في أمعاء المهرّبين الذين ينطلقون من كايين عاصمة غويانا الفرنسية متّجهين إلى باريس. كذلك تُهرَّب أحياناً عبر قاع البحر بغوّاصات يُصار إلى التحكّم بها عن بُعد، مثل تلك التي صادرتها الشرطة الإسبانية في يوليو/ تموز 2022.

وفي مطلع العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، أنشأ المكسيكيون جسرهم إلى أوروبا عبر منطقة كوستا ديل سول الإسبانية، أحد محاور تهريب الحشيش المغربي. وبعد سنوات قليلة، مع القبض على عدد من أباطرة التهريب والنموّ الهائل في النقل البحري، وجّه المكسيكيون اهتمامهم نحو موانئ الشحن الرئيسية في شمال أوروبا. ويُشحن الكوكايين من البرازيل (ميناء سانتوس الذي تسيطر عليه مافيا "ساو باولو") والإكوادور (ميناء غواياكيل) وكولومبيا وبنما والبيرو، ليصل إلى موانئ أنتويرب (بلجيكا) وروتردام (هولندا) وهامبورغ (ألمانيا) ولوهافر (فرنسا).

وتشرح نائبة مدير الجمارك الفرنسية كورين كليوسترات أنّ "ثمّة شحنات تتوقّف في جزر الأنتيل، وأخرى تتّجه إلى البلقان أو تمرّ عبر غرب أفريقيا قبل أن تنتهي في أوروبا".

المافيات الأوروبية

وتنظَّم هذه المسارات وفق "خطة عمل" دقيقة. وتبيع الكارتيلات المكسيكيّة منتجاتها لمنظمات الجريمة متعدّدة الجنسيّات الأوروبية، أحياناً عن طريق وسطاء يتولّون توزيع البضاعة وجمع الأموال وتقاسم الخسائر في حال حجز البضاعة. وتشير ضابطة الشرطة ستيفاني شيربونييه إلى أنّ "هذه المنظمات الإجرامية قد تكون متنافسة... لكنّها تنشئ كذلك تحالفات لأنّه يتعيّن عليها توحيد قدراتها ومعلوماتها لجلب المخدّرات".

وتتقاسم مافيا "موركو مافيا" (من أصل مغربي) في هولندا وبلجيكا المهمّات مع منظمات ألبانية وصربية وكوسوفية و"مافيا ندرانغيتا" من كالابريا الإيطالية، وذلك وفق موقعها وتخصصاتها (الخدمات اللوجستية، الحماية، غسل الأموال...). وتشرف هذه المجموعات على استلام المخدّرات في الموانئ، وتعهد بها إلى "الأيدي الصغيرة" المحليّة في تقسيم صارم للمهمّات.

وإمكانات العصابات كبيرة لأنّ تجارة الكوكايين تدرّ أرباحاً لا مثيل لها؛ فالكيلوغرام الذي يُشترى مقابل ألف دولار في أميركا اللاتينية يُباع بـ35 ألف يورو (نحو 38 ألف دولار) في أوروبا. وبمجرّد مغادرتها الموانئ وخلطها بمواد أخرى، تُباع البضاعة للزبون بنحو 70 يورو (نحو 75 دولاراً) للغرام الواحد.

ويموّل هامش الربح المرتفع كلّ أشكال الفساد. فتُدفع رشى لعمّال أحواض الموانئ ووكلاء الموانئ وسائقي الشاحنات وعناصر الجمارك وأحياناً لعناصر الشرطة، بهدف السماح بوصول المخدّرات من الحاويات إلى "الأيدي الصغيرة". ويؤكّد شرطي فرنسي أنّ عمّال أحواض ميناء لوهافر البالغ عددهم 2.200 والذين يشرفون على الحاويات المتراكمة على الأرصفة، صاروا شركاء مفضَّلين للمهرّبين أو مُجبَرين على أن يكونوا كذلك في أحيان كثيرة.

في السنوات الأخيرة، حُكم على عدد كبير من هؤلاء العمّال في فرنسا بالسجن بتهمة "التواطؤ". ووصف أحدهم لمحاميه "الدوامة" التي أغرقته في تجارة المخدّرات، قائلاً "كنت سابقاً أحصل على علب سجائر أو عطور لإعادة بيعها. درّ عليّ ذلك 200 إلى 300 يورو (نحو 217 - 325 دولاراً) شهرياً. ثمّ في يوم من الأيام، طلب منّا رجال إخراج أكياس وعرضوا علينا ألف يورو (نحو 1085 دولاراً) لقاء كلّ كيس. بدأ الأمر على هذا النحو...".

ويمنح بعض عمّال الرصيف المهرّبين شارات لدخول الميناء، فيما ينقل آخرون حاوية محمّلة بالمخدّرات بعيداً عن الكاميرات أو "يأذن" بخروج أخرى. وفي روتردام، أكبر ميناء في أوروبا، فاجأ عناصر من الشرطة والجمارك عدداً من المهرّبين المختبئين في حاويات ومعهم طعام وأغطية في انتظار وصول شحنة كوكايين. يُذكر أنّه من الممكن أن تكلّف "تذكرة خروج" حاوية ما يصل إلى 100 ألف يورو (نحو 108.350 دولاراً) في لوهافر حيث يقرّ عناصر في الجمارك بأنّهم يتحقّقون من "واحد في المائة فقط من الحاويات، لأنّنا لا نملك الإمكانات للقيام بالمزيد".

الصورة
كوكايين مضبوط في البرتغال (هوراسيو فيالوبوس/ Getty)
التحقّق من كوكايين مضبوط في إحدى الشحنات بميناء أوروبي (هوراسيو فيالوبوس/ Getty)

التنفيذ

إلى جانب دفع الرشى للتواطؤ أو الصمت، تغذّي العائدات الهائلة العنف الذي ينتشر على نطاق واسع في شوارع المدن حيث المرافىء. في حيّ دورن السكني في مدينة أنتويرب الفلمنكية البلجيكية، شهد الموظّف في أحد المصارف ستيفن دي فينتر ثلاث موجات عنف على أقلّ تقدير. ففي مايو/ أيار 2022، تعرّض منزل في حيّه تسكنه عائلة معروفة بتورّطها في تجارة المخدّرات، لهجوم بالمتفجّرات، فيما كان الجيران يقيمون حفلة زفاف في حديقة مجاورة. ويقول دي فينتر لوكالة فرانس برس: "هذا يكفي! لم نعد نحتمل". يُذكر أنّه في غضون خمسة أعوام، رصد مكتب المدعي العام في أنتويرب "أكثر من 200 حادثة عنف متعلقة بالمخدّرات"؛ من تهديدات واعتداءات وصولاً إلى إلقاء عبوات ناسفة على منازل.

أمّا في هولندا، فتمادت الجماعات الإجرامية أبعد من ذلك. في 15 يوليو/ تموز من عام 2021، عندما غادر الصحافي الشهير بيتر دي فريس استوديو في أمستردام عند الساعة السابعة والنصف مساءً بعد مشاركته في برنامج حوار تلفزيوني، أُصيب بطلقات نارية قاتلة عند مدخل موقف سيارات تحت الأرض. كان الصحافي المتخصّص في القضايا الجنائية مقرّباً من شاهد الإثبات الرئيسي في محاكمة رضوان تاغي، زعيم منظمة "موكرو مافيا"، الذي أوقف في دبي في عام 2019.

والمهرّبون مستعدّون للقيام بأيّ شيء للدفاع عن تجارتهم، من خطف عمّال موانئ وتعذيب منافسين إلى القضاء على من يعترض طريقهم. وقد فتح تفكيك شبكة المراسلة المشفرة "سكاي/ إي سي سي" في العام الماضي نافذة غير مسبوقة على أساليب تجّار المخدّرات. ويقول الشرطي البلجيكي إيريك سنويك لوكالة فرانس برس: "اكتشفنا عنفاً غير مسبوق... ما من رادع لتعذيب شخص لديه معلومات جيدة أو إعدام شخص لم يحترم اتفاقاً... إنّها أمور يقشعرّ لها البدن". وفي عام 2020، اكتشفت الشرطة الهولندية حاويات حُوّلت إلى غرف احتجاز وتعذيب.

وفي سياق متصل، يبدو أن وليّة العهد في هولندا الأميرة أماليا ورئيس الوزراء مارك روته كانا مستهدفَين في خريف عام 2022. كذلك أحبطت بلجيكا خطّة لخطف وزير عدلها في سبتمبر/ أيلول 2022.

الصورة
كبسولات كوكايين في أمعاء مهرب في غويانا الفرنسية (جودي أمييه/ فرانس برس)
كبسولات كوكايين في أمعاء مهرّب أُلقي القبض عليه في أحد موانئ أوروبا (جودي أمييه/ فرانس برس)

حرب شاملة

وبهدف وقف المدّ الذي يجتاح أوروبا، أطلقت الشرطة والقضاء "حرباً شاملة". ومن خلال تطوير العمل الاستخباراتي و"الاستهداف" وتعزيز التعاون الدولي وأمن الموانئ، تُحطّم المضبوطات أرقاماً قياسية في كلّ عام. وفي عام 2021، صودر نحو 90 طناً في أنتويرب ونحو 70 طناً في روتردام، وعشرة أطنان في لوهافر. وترى ضابطة الجمارك الفرنسية كورين كليوسترات أنّ "ذلك يعني أنّ أساليبنا أكثر كفاءة، لكنّ التدفقات كذلك آخذة في الازدياد".

وتشير التقديرات إلى أنّه يُصار إلى اعتراض 10 في المائة فقط من حجم الكوكايين المتداول، لكنّه يُعتقد أنّ النسبة أكبر بكثير. ويقول مدير فرقة الجمارك المسؤولة عن عمليات الاعتراض في ميناء روتردام: "لدينا عدد متزايد من الأرصفة التي تعمل آلياً، الأمر الذي يجعل المهمّة (التي ينفذها المهرّبون) أكثر صعوبة". لكنّ المهرّبين وجدوا "طرقاً بديلة" عبر موانئ أقلّ حراسة، من بينها مونتوار دو بريتانيه بالقرب من مدينة سان نازير في غرب فرنسا، حيث ضُبط نحو 600 كيلوغرام من الكوكايين الخام هذا العام.

وفي هذا الإطار، أطلقت الشرطة الأوروبية عملية لتعقّب المهرّبين. في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أعلنت تفكيك "سوبر كارتيل" كان يسيطر على ثلث تهريب الكوكايين إلى أوروبا؛ وأُلقي القبض على 49 مشتبهاً فيهم بفرنسا وإسبانيا وهولندا وبلجيكا بالإضافة إلى دبي التي تُعَد واحدة من المدن المفضّلة لديهم.

ويتمركز عناصر الجمارك الفرنسيون في جزيرة مارتينيك عند خطّ المواجهة الأوّل مع المهرّبين. فيراقبون ويفحصون بلا كلل زوارق الصيد والمراكب الشراعية وسفن الشحن التي تبحر في المياه الفيروزية لقناة سانت لوسيا قبالة ساحل أميركا اللاتينيّة. ويقرّ مدير ضباط الجمارك في الجزيرة جان شارل بأنّ "المهرّبين يعرفون أساليبنا... نحن نبذل قصارى جهدنا، لكنّه يتوجّب علينا أن نعرف أنّنا لن نكون قادرين على الإمساك بكلّ شيء... نحن في أحيان كثيرة متخلّفون خطوة عنهم".

(فرانس برس)

المساهمون