الفقر في تونس ليس وليد اليوم، بل يمتد لسنوات خلت، لكنّ كورونا تسبب بتعميق الأزمة، في زمن قياسي، حتى تكاد الطبقة الوسطى تختفي تماماً من البلاد
تؤكد البيانات الرسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية في تونس أنّ نسبة الفقر تُقدر حالياً بـ15.2 في المائة. وبحسب المعهد الوطني للإحصاء، فإنّ عدد التونسيين تحت عتبة الفقر يقدّر بنحو 1.7 مليون تونسي من جملة 11 مليون نسمة. كذلك، كشف المعهد أنّ نسبة الفقر في تونس متغيرة بحسب المنطقة أو الجهة، وتتراوح بين 0.2 في المائة و53.5 في المائة. وهو ما يوضح تباين السلّم الاجتماعي بين الجهات في البلاد.
يتم تعريف الفقر في تونس من خلال عدم كفاية الدخل وعدم الوصول إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الصحة والماء والكهرباء والتعليم. وكشفت دراسة أعدها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية أنّ نسبة الطبقة الوسطى تراجعت في تونس من 70 في المائة عام 2010 إلى 55 في المائة عام 2015، لتصل في عام 2018 إلى حدود 50 في المائة.
أغلب الجمعيات والمنظمات المهتمة بالحقوق الاجتماعية أكدت أنّ نسبة الفقر ارتفعت منذ عام 2010 بسبب ارتفاع نسبة البطالة وتدهور القدرة الشرائية، كما أنّ ارتفاع الأسعار لم يقابله تحسن في الدخل. بالإضافة إلى ذلك، أكدت تلك الجمعيات على مخاطر اضمحلال الطبقة الوسطى في المجتمع والتي كانت تلعب دوراً كبيراً في التماسك الاجتماعي. وأكدت المنظمات أنّ الأزمة التي تسبب فيها وباء كورونا فاقمت الوضع أكثر، لا سيما في العديد من المناطق وأدت إلى انتشار الفقر والقضاء على الطبقة الوسطى أكثر.
يشير المتخصص في علم الاجتماع، مهار حنين، في دراسة نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعنوان "سوسيولوجيا الهامش في زمن الكورونا: الخوف - الهشاشة - الانتظارات" إلى تأثير أزمة كورونا في الطبقة الوسطى وتعمق التفاوت الاجتماعي. قامت الدراسة في الأساس على بحث ميداني واستجواب مواطنين في مناطق نائية تعاني من مشاكل عدة أبرزها البطالة ونقص مياه الشرب وانعدام مشاريع التنمية، مع ما في ذلك من انعكاس إضافي على أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة. وخلصت الدراسة إلى أنّ "وباء كورونا كشف عن قاعدة الهرم الاجتماعية العريضة التي تشكو البطالة وضيق ذات الحال وهي 700 ألف عاطل من العمل، و285 ألف عائلة محتاجة، و70 ألف عامل حضيرة (مؤقت من دون حقوق)، و622 ألف عائلة ذات دخل محدود، و380 ألف متقاعد يقلّ راتبه التقاعدي عن الحدّ الأدنى للأجور، بالإضافة إلى 70 في المائة من اليد العاملة الفلاحية". كذلك "يبلغ عدد التونسيين الذين يعيشون الفقر المدقع 320 ألفاً، وهم عاجزون عن توفير حاجياتهم الأساسية الغذائية قبل حاجياتهم الأخرى من سكن وملبس. وتتربع محافظتا القيروان والقصرين في أسفل قاعدة الهرم، وفي القيروان وحدها يعيش نحو 10 في المائة من السكان تحت عتبة الفقر المدقع، و31 في المائة تحت عتبة الفقر".
وأشارت دراسة عرضتها الحكومة التونسية بالشراكة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة الاستثمار والتعاون الدولي في يونيو/ حزيران الماضي تأثيرات كورونا على الاقتصاد التونسي، إلى أنّ معدل البطالة في تونس سيرتفع إلى أكثر من 21 في المائة مقارنة بـ15 في المائة (في ذلك الحين). وتوقعت الدراسة تسجيل أكثر من 274 ألف عاطل من العمل جديد خلال العام الجاري.
وفي تعليقه على تعمّق التفاوت الاجتماعي في تونس بسبب وباء كورونا، يعتبر رمضان بن عمر، الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أنّ الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لاحتواء كورونا، خلال الموجة الأولى خصوصاً كانت لها تأثيرات كبيرة جداً على البلاد اقتصادياً واجتماعياً، لا سيما مع إغلاق المؤسسات والمصانع الذي أدى إلى فقدان آلاف العمال وظائفهم، بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار وانهيار القدرة الشرائية.
كذلك، يشير رمضان بن عمر لـ"العربي الجديد" إلى أنّ المنتدى أجرى دراسات اجتماعية عدة خلال الفترة الماضية، خلصت إلى فقدان الآلاف مصادر دخلهم بسبب أزمة كورونا، فيما لم يؤدِّ التحسن النسبي في الأجور إلى مواجهة نسق ارتفاع الأسعار، لا سيما أسعار المواد الأساسية والضرورية لكلّ مواطن على غرار الغذاء والصحة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ أغلب المواطنين باتوا غير قادرين على تأمين مسكن، وذلك بشهادة تجار العقارات الذين أكدوا انخفاض مبيعاتهم بسبب تدهور القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع أسعار البناء. ومن المعروف أنّ الطبقة الوسطى هي التي تنشط سوق العقارات عادة. كذلك، يشير بن رمضان إلى أنّ "الاقتصاد التونسي يعاني في الأساس من مشكلة التشغيل الهش (عمل غير ثابت وأجر غير مضمون) مع وجود أكثر من مليوني شخص يعملون في المهن الحرة أي خارج المسالك القانونية ولا يتمتعون بالتغطية الاجتماعية أو الصحية، كما أنّ أجورهم أقل من الحدّ الأدنى للأجور. وقد تضرر هؤلاء أيضاً بسبب الحجر الصحي وتوقف نشاط العديد من القطاعات".