كورونا يصيب المهن الرمضانية في غزة
لم يسلم أيّ كان من تداعيات أزمة كورونا، إنّما تتفاوت الأضرار. في قطاع غزة على سبيل المثال، تبدو الأزمة ثقيلة على أصحاب المهن الرمضانية.
يحلّ شهر رمضان هذا العام أشدّ سوءاً على أهالي غزة، لا سيّما أنّ كثيرين تضرّروا من وباء كورونا، فالتدابير الوقائية المتخذة للحدّ من انتشار فيروس كورونا الجديد عطّلت عمل أسواق شعبية عدّة، وهو الأمر الذي أضرّ بأصحاب المهن الموسمية الذين ينتظرون شهر رمضان في كل عام. بالنسبة إلى عدد كبير من الغزيين فإنّ شهر رمضان هو مصدر رزق مهم، إذ يعملون فيه أكثر عدد من الساعات، محاولين توفير المال لتغطية مصاريف أكثر من شهر، كما هو معروف. وبما أنّ الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها وزارة الداخلية في قطاع غزة قضت بإغلاق الأسواق الشعبية الأسبوعية مع فرض قيود مشدّدة على أخرى، فإنّ عدداً كبيراً من أصحاب البسطات رأوا أنفسهم بلا عمل.
هذا العام، لم يتمكّن أسعد حمد من وضع بسطته بالقرب من مدخل سوق الزاوية في وسط مدينة غزة، نظراً إلى الإجراءات التي تتّبعها الشرطة لتنظيم الأسواق. فاضطر بالتالي إلى بيع منتجاته متنقلاً بين الناس، هو الذي يعرض البقدونس والنعناع والجرجير والجرادة الخضراء. يُذكر أنّ أيّاً من أبنائه لم يرافقه لمساعدته في البيع. ولا يخفي حمد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّه لم يأمل ببيع كثير، بعدما ارتفع عدد الإصابات بالفيروس في قطاع غزة بالتزامن مع دخول شهر رمضان. ويلفت إلى أنّه كان قد أصيب به في نهاية فبراير/ شباط الماضي. ويقول إنّ "كورونا والفقر قضيا علينا في شهر رمضان هذا العام، ولن نعتمد على مساعدات الجمعيات أو غيرها لأنّها مذلة لنا"، شاكياً من أنّ "الإجراءات الاحترازية المتخذة لم تراعِ الأسر التي تنتظر هذا الشهر لتكسب رزقها". لكنّ حمد يؤكد أنّ "الإصابة صعبة جداً بالفيروس. وأنا اختبرتها وسط الفقر"، مشيراً إلى أنّه "كان يتوجب على الجهات المعنية وضع خطة لضمان عمل الكثيرين، لأنّ الناس تخرج بكثرة وثمّة من لا يلتزم بالوقاية من بين البائعين". لكنّه يشدد على أنّ "الجوع أقوى من العدوى بالنسبة إلينا، ونحن نعيش في شبه دولة من دون تعويضات وتأمين، إلا ما يُقدّم من منح من قبل الدول الأجنبية".
من جهته، يخبر أحمد موسى أنّه لم يصنع هذا العام المخللات والزيتون، للمرّة الأولى منذ 13 عاماً. ويوضح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأزمة المعيشية التي أواجها نتيجة تفشي فيروس كورونا في قطاع غزة، كبيرة". يضيف أنّه سُرّح من عمله من أحد متاجر الملابس بسبب الأزمة الصحية، وخسر بالتالي عادة صنع المخللات والزيتون التي ورثها عن والده، علماً أنّه كان يعمد إلى ذلك قبل شهر من حلول رمضان ويخزّنها لبيعها في شهر الصيام. وموسى، الذي يعيش في مخيم الشاطئ في غزة، وهو متزوّج وأب لطفلين، ينتظر "انتهاء أزمة كورونا والعودة إلى الحياة العملية أو إلى المتجر الذي كنت أعمل فيه". وتوقّفه عن العمل في ذلك المتجر، لم يحرمه إنتاج المخللات والزيتون فحسب، إنّما كذلك لم يعد قادراً على سداد ديونه. كذلك لم يستطع الحصول على فرصة عمل مؤقتة في الأسواق الشعبية في خلال شهر رمضان بسبب الإجراءات الاحترازية المتخذة. ويقول موسى: "لم أتوقع استمرار انتشار الفيروس حتى يومنا، والأزمة كانت قاسية جداً عليّ. صحيح أنّني اشتريت فوانيس رمضان للصغيرين، لكنّني لا أعلم إذا كنت سأتمكن من تدبّر ملابس العيد لهما". ويلفت موسى إلى أنّه "في السنوات الماضية، ومهما كانت الظروف سيّئة، كنت أتمكّن من تأمين مبلغ جيّد يكفيني لشهرَين بعد رمضان".
أمّا شعبان السبتاوي، فيشكو من أنّه لم يتمكن من تأمين المال لشراء لوازم القطايف، هو الذي اعتاد وضع بسطته وسط الشارع الثاني من حيّ الشيخ رضوان، غربي مدينة غزة، في كل عام. يقول لـ"العربي الجديد": "حتى أنّني اضطررت إلى بيع أسطوانة الغاز الكبيرة والفرن، لأنّني لا أملك المال، وخوفاً من ملاحقتي بسبب الديون المتراكمة عليّ نتيجة أزمة مالية واجهتها في نهاية العام الماضي". يُذكر أنّ السبتاوي أب لستّة أبناء، واحد منهم يعمل مدرّساً، وبذلك صار معيل الأسرة ويؤمّن حاجيات العائلة، لا سيّما أنّ والده في العام الماضي اضطر إلى الاستدانة لتوسيع المنزل ولم يستطع سداد الديون لأنّه خسر عمله كصانع حلوى في أحد مصانع غزة بسبب الظروف الاقتصادية. يضيف السبتاوي "وهكذا يدخل عليّ شهر رمضان بحزن، وأنا لا أرغب في الخروج في خلال ساعات النهار إلى الشوارع حتى لا أرى ما اعتدته في السنوات الماضية في خلال عملي في صناعة القطايف في هذا الشهر". ويؤكد السبتاوي أنّ "الجميع، في كلّ أنحاء العالم، تعرّضوا إلى نكسات كبيرة في خلال العام المنصرم بسبب كورونا. لكنّنا نحن نعيش في مجتمع يعتمد على المساعدات ولا نستفيد من أيّ تعويضات بسبب الخلافات السياسية بين الأحزاب ومصالحهم". ويتابع "كأنّما نحن نعيش في صندوق صغير، ولن نهرب من المسؤوليات والظروف الصعبة والمطالب الأسرية".