كورونا يزيد عدد المتسولين في باكستان

29 نوفمبر 2020
الظروف المعيشية الصعبة أجبرتها على التسول (بهروز مهري/ فرانس برس)
+ الخط -

أحياناً، يسمح حراس مستشفى "شير باو" الرئيسي في منطقة "سبين جومات" في مدينة بيشاور (شمال غرب باكستان)، للاجئ الأفغاني عجب شاه، الذي بُترت قدمه خلال حرب أفغانستان، بالدخول إليها. أما إذا لم تسمح له بذلك، فيقف عند البوابة الرئيسية للمستشفى بهدف كسب ما يتيسّر من مال من خلال التسول. مشهد يتكرر كل يوم في حياة هذا الرجل الستيني. يخرج في الصباح الباكر ويرجع إلى بيته في منطقة "سبينه وري" عند المساء، وقد جمع بعض المال لأسرته. 
كان يعمل في مطعم في منطقة "كوهات رود"، حيث يتولى غسل الأطباق. لكن بسبب تفشي جائحة كورونا، وإغلاق المطعم، اضطر إلى التسول، إذ لم يبقَ أمامه خيار آخر، فما من معيل لأسرته غيره، وبالتالي يجب عليه تأمين احتياجات زوجته وبناته الأربع. وهو كذلك قد تجاوز الستين، ولم يعد قادراً على تحمّل الأعمال الشاقة.
يقول لـ"العربي الجديد": "لدي أسرة وعشيرة وكرامة لا يمكن الاستهانة بها، لكن الفقر أجبرني على التسول، وخصوصاً أنني لا أستطيع العمل، علماً أن نسبي وعزتي لا يسمحان لي بالتسول. لكن الوضع المعيشي لا يترك للناس أحياناً أي خيار". 
ومثل عجب شاه آلاف المتسولين الذين يملأون شوارع باكستان، يدفعهم إلى ذلك الفقر والبطالة وغياب التكافل الاجتماعي. في هذا الإطار، تقول الإعلامية والناشطة هادية نور، لـ"العربي الجديد"، إن "أعداداً كبيرة من المتسولين يجوبون شوارع باكستان". وترى أنه "يمكن تقسيم المتسولين إلى قسمين: فقراء ومحترفين. والفئة الأخيرة أثّرت سلباً في الفقراء الذين يحتاجون فعلاً إلى المساعدة، إذ يظن الناس أن الجميع يعملون ضمن شبكات منظمة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

توضح نور أنه بالإضافة إلى الفقر والبطالة، زادت أعداد المتسولين في البلاد بعد تفشي كورونا، وإغلاق الكثير من الأعمال. وفي النتيجة، خسر الكثير من المراهقين والشباب أعمالهم، ما اضطرهم إلى التسوّل.  
في السياق نفسه، يقول الناشط زاهد فاروق ملك، في حديثه لـ"العربي الجديد": "لا يخلو شارع من شوارع باكستان من المتسولين، سواء أكانوا رجالاً أم نساءً أم أطفالاً، وقد زاد عددهم بعد تفشي كورونا في البلاد، وخصوصاً في الأماكن المزدحمة كالمساجد والأماكن السياحية والمطاعم وغيرها. ولدى هؤلاء وسائل مختلفة للتسول، بعضها تقليدية وأخرى مبتكرة. وفي الحالتين، هناك استغلال لمشاعر الناس". 

لا يمكن الحكومة أن تفعل شيئاً في ظل الملفات والأزمات الكثيرة 


ويتّهم ملك الحكومة باللامبالاة وعدم تحمّل المسؤولية لمكافحة ظاهرة التسول، مؤكداً أن الحل يكمن في الحد من الفقر والبطالة، بالإضافة إلى التصدي للعصابات التي تستغل الفقراء لجني أرباح طائلة. في الصباح الباكر، عادة ما يأتي بعض أفراد هذه العصابات في سيارات يركنونها هنا وهناك، ليتوزعوا في أماكن مختلفة، أو يكتفون بنشر الأطفال والمراهقين والنساء الذين يستغلونهم في الأماكن المزدحمة.  
وتتحدث نور عن أهمية دور الحكومة في مكافحة هذه الظاهرة. تقول إن "دور الحكومة أساسي، إلا أنها فشلت في الحد من نسبتي البطالة والفقر، بالإضافة إلى تطبيق القانون على العصابات". وتشير إلى أن "عدد المتسولين المحترفين يفوق عدد الفقراء منهم، موضحة أنهم يعتمدون وسائل كثيرة. بعضهم يحمل الأقلام أو المناديل الورقية ويعرضونها للبيع، علماً أن الهدف الأساسي هو التسوّل. آخرون يعمدون إلى تنظيف زجاج السيارات، وغير ذلك". تضيف أن "العصابات تستغل الأطفال في الكثير من الأعمال غير الأخلاقية، فيما الحكومة عاجزة عن التصدي لها، أو ربما كانت تتغاضى عنها". 

كوفيد-19
التحديثات الحية

في المقابل، يرى الإعلامي محمد حسين سيد أن الحكومة لا تتحمل كامل المسؤولية، ملقياً اللوم أيضاً على المجتمع الدولي. ويشير إلى أنه كان لتفشي كورونا دور أساسي في زيادة أعداد المتسولين في البلاد، موضحاً أن "أسباباً كثيرة تقف وراء ظاهرة التسول في باكستان، ولا يمكن الحكومة استئصال جذور تلك الظاهرة بشكل كامل من دون التنسيق والتعاون مع المجتمع الدولي الذي يجب عليه القيام بدوره في هذا الإطار، إذ لا يمكن الحكومة أن تفعل شيئاً في ظل الملفات والأزمات الكثيرة والآنية التي يجب عليها حلّها. ويشير إلى أنه عادة ما يلجأ المتسولون إلى ترديد عبارات الاستعطاف للحصول على المال، فيما يتعمد بعضهم البكاء، ويتظاهر آخرون بأنهم يعانون من إعاقات جسدية. كذلك، يختار البعض التسول على مقربة من المساجد، وينتظرون انتهاء الصلاة لطلب المساعدة من الناس، ويحكون قصصاً مأساوية عن وفاة أحد أفراد عائلاتهم، أو مرض الزوجة والأولاد، وغيرها. وعلى الرغم من منع أئمة المساجد المتسولين من الوقوف أمام المساجد، أو التسول في داخلها، إلا أن طوابير المتسولين أمام المساجد أضحت أمراً روتينياً في الكثير من المدن الباكستانية، خصوصاً بعد صلاة الجمعة.
ويحكي سيد بإيجابية عن بعض الخطوات التي اتخذتها الحكومة أخيراً، خصوصاً مراكز رعاية الفقراء التي تضمّ مئات الأطفال، وتوزيع مطابخ طعام على الفقراء في هذه الظروف الصعبة. ويطالب الحكومة بمواصلة ما بدأت به، واتخاذ خطوات إضافية جادة من شأنها التصدي للعصابات التي تستغل الفقراء بهدف جني الأرباح.  

المساهمون