كارثة في غزة... الصرف الصحي يختلط بمخزون المياه الجوفية

28 نوفمبر 2023
توفير مياه الشرب أزمة كبيرة في غزة (محمد الحجار)
+ الخط -

تعيش مناطق قطاع غزة، خصوصاً القريبة من برك تجمع المياه، مخاطر تداعيات العدوان الإسرائيلي الذي دمر البنية التحتية في القطاع، وأدى إلى تسرب مياه الصرف الصحي إلى الشوارع، واختلاطها بالمياه الجوفية وتلويثها الآبار وشبكات المياه.
وتحذر بلديات غزة من فيضانات قد تغرق المناطق القريبة من برك تجميع المياه، بعد وصول منسوبها إلى مستويات خطرة، فضلاً عن تسرب مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار إلى الخط الناقل للمياه بفعل قصف الاحتلال، ما يعني تلوث المياه الجوفية بالصرف الصحي، مما يهدد صحة آلاف السكان.
تُعتبر بركتا الشيخ رضوان وأبو راشد من بين أهم برك تجميع المياه في محافظتي غزة والشمال، وهي من بين أكثر مناطق القطاع اكتظاظاً بالسكان، وحال استمرار العدوان الإسرائيلي، فإنها قد تتسبب في كارثة مع تضرر المضخات وتدمير موصلات المياه التي تنقل المياه الزائدة إلى البحر. يصل حجم استيعاب بركة الشيخ رضوان في وسط مدينة غزة إلى 600 ألف كوب مياه (يعادل الكوب الواحد ألف ليتر)، ومساحتها 56 دونماً عند القاع، و80 دونماً عند السطح، وتُجَمَّع مياه الأمطار فيها بارتفاع يصل إلى 11 متراً رأسياً، لكن في السنوات الماضية، كانت بلدية غزة تقوم بسحب المياه منها عبر مضخات، حتى لا يتجاوز منسوب المياه فيها 7 أمتار.
وحسب البلدية، فإن البركة تضم خمس مضخات مياه تفرّغ المياه إلى البحر، لكن أياً منها لا يعمل حالياً في ظل عدم توفر الوقود لتشغيل محطة الكهرباء منذ أكثر من شهر، ما يعني إمكان امتلاء البركة، وفقدان السيطرة على المياه المتسربة منها، والتي يمكن أن تغرق المنازل المجاورة. وفي وقت سابق، فاضت مياه بركة الشيخ رضوان لتغرق منازل المواطنين في منطقة النفق، شرقي حي الشيخ رضوان، وذلك خلال المنخفض الجوي "أليكسا" الذي ضرب المنطقة في ديسمبر/ كانون الأول 2013، وأغرق مناطق عدة بسبب كثافة هطول الأمطار، والتي أدت إلى وصول منسوب البركة إلى مرحلة الذروة.
وتقع بركة أبو راشد في وسط مخيم جباليا، وتقدر مساحتها بـ 5 آلاف متر عند السطح، و4600 متر عند القاع، وبعمق يصل إلى تسعة أمتار، وهو نفس ارتفاع غالبية بنايات المخيم، ما يعتبر في الكثير من الأوقات تهديداً بيئياً لسكان المخيم. تضم البركة سبع مضخات، من بينها خمس مخصصة لضخ المياه العادمة، واثنتان لضخ مياه الأمطار، وقد قصف الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان الحالي محيط البركة، وكذلك العديد من المنازل المجاورة لها من الجهة الشرقية، ما خلف عدداً من الحُفر بالقرب منها.

الصورة
طوابير تعبئة المياه طويلة في غزة (محمد الحجار)
طوابير تعبئة المياه طويلة في غزة (محمد الحجار)

وكانت بلدية غزة تنتظر إقرار أيام هدنة إضافية للتعامل مع الأزمة، خاصة بعد هطول الأمطار في اليوم الرابع من الهدنة الإنسانية، وقررت البلدية تشكيل لجنة طوارئ تعمل على مدار الساعة، مهمتها توزيع إمدادات المياه على البيوت، لكنها تواجه مشكلات كبيرة بسبب عدم توفر الوقود لتشغيل محطات ضخ المياه.
يقول رئيس بلدية غزة المهندس يحيى السراج لـ"العربي الجديد": "المشكلة البيئية في قطاع غزة متفاقمة؛ بسبب عدم توفر الوقود، وهو المحرك الأساسي لجميع آليات البلدية التي تغطي أكبر المناطق في القطاع بالخدمات، خصوصاً المياه والنفايات، وحالياً تتصاعد مشكلة المياه كإحدى أبرز تداعيات القصف الإسرائيلي، وأصبحنا غير قادرين على حصر كمية الأضرار في قنوات المياه، ومع دخول فصل الشتاء، وهطول الأمطار، سنكون على أعتاب كارثة".

لا تستطيع جميع بلديات قطاع غزة تجميع مياه الأمطار للاستفادة منها

يضيف السراج أن "بلديات قطاع غزة كانت متضررة من استمرار الحصار الإسرائيلي على مدار سنوات، والذي شمل تقييد دخول المعدات اللازمة لتطوير مشاريع البيئة والبنية التحتية، وخصوصاً مشاريع المياه، والمشكلة الأساسية خلال العدوان الحالي هي عدم القدرة على تجميع مياه الأمطار للاستفادة منها، وبذلك فإنها ستغرق الشوارع في ظل عدم تشغيل المضخات، كما أن مياه الصرف الصحي تغرق الشوارع أيضاً، وتتوغل في داخل التربة مع مياه الأمطار لتلوث المياه الجوفية، ولدينا صعوبات في تحديد الأضرار التي حلت بالبنية التحتية، لكن البلدية رصدت بشكلٍ أولي تضرر أهم موصلات وشبكات المياه، سواء الصرف الصحي أو المياه الجوفية، وبعضها أصيبت بأضرار بالغة، وبعضها تدمرت بالكامل".
وقال مدير مكتب الإعلام الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، الثلاثاء، إن "القطاع يحتاج إلى 1000 شاحنة مساعدات يومياً للتعافي من آثار العدوان الإسرائيلي، ونحتاج إلى معدات وآليات للدفاع المدني، وإلى أجهزة طبية. القطاع الصحي منهار تماماً، ومجمع الشفاء الطبي يحتاج يومياً إلى 12 ألف لتر من الوقود، ونحن أمام كارثة، ونناشد العالم إدخال الوقود".

الصورة
المياه الملوثة تهدد الغزيين بأخطار صحية (محمد الحجار)
المياه الملوثة تهدد الغزيين بأخطار صحية (محمد الحجار)

من جهته، يشير الخبير البيئي أحمد شاهين إلى أن القطاع يواجه مشكلة تسرب مياه الصرف الصحي إلى مخزون المياه الجوفية منذ سنوات، خصوصاً في المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان، وذلك راجع إلى عدم تجديد أو صيانة البنية التحتية منذ سنوات، ما جعلها لا تتحمل الزيادة السكانية، فضلاً عن تضررها خلال تكرار العدوان. يضيف شاهين لـ"العربي الجديد": "خلال معايناتي قبل النزوح إلى جنوبي القطاع، كانت جميع طرق مدينة غزة مدمرة، وهذه الطرق تضم الموصلات الأساسية لمياه الصرف الصحي ومياه الأمطار نحو قنوات التصريف. اليوم، يعيش القطاع أزمة تلوث المياه، ومخاطر بيئية مع اختلاط المياه العادمة ومياه الأمطار بالمياه الجوفية، ما يعني فقدان مصدر المياه الطبيعي، ويعني أن الكثير من الأمراض ستصيب المواطنين، إضافة إلى تلوث المياه والتربة بالمتفجرات التي تمتصها التربة مع مياه الأمطار". يتابع أن "هناك توقعات بتسجيل حالات وفيات بسبب التلوث البيئي، ونحن أمام أقل معدلات المياه توفراً للفرد في العالم، والمواطن الغزي يعيش حالياً صراعاً لتأمين 10 لترات يومياً، ليستخدمها في الشرب والغسيل والاستحمام، وهذه كارثة حقيقية. بعد عدوان عام 2014، نُوقشَت تقارير مهمة حول الأضرار البيئية في بعض المناطق التي تعرضت للقصف، وباتت غير صالحة للزراعة، بينما جميع مناطق القطاع تعرضت للقصف في العدوان الحالي".
ولا يُستثنى جنوب قطاع غزة من الكارثة، إذ تعاني بلديات رفح وخانيونس من عدم القدرة على تشغيل مضخات المياه، خصوصاً في الشوارع التي غرقت، ومنها شوارع قريبة من مدارس الإيواء، فضلاً عن تدمير البنية التحتية، خصوصاً موصلات المياه في شارع البحر في مدينتي خانيونس ورفح، وكذلك مناطق شرقي مدينة خانيونس. وحتى الآن، لم تلبِّ المساعدات الإنسانية التي دخلت إلى القطاع خلال أيام الهدنة حاجة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" من الوقود اللازم لتشغيل محطات المياه، ومع هطول الأمطار بغزارة خلال الأيام الأخيرة، تعاني البلديات من محدودية القدرة على تصريف المياه المتراكمة في الشوارع، في حين حذر المستشار الإعلامي لـ"أونروا"، عدنان أبو حسنة، من أن مياه الصرف الصحي التي غمرت شوارع القطاع ستؤدي إلى تلوث خطير، وانتشار الأمراض.

يقول أبو حسنة: "إدخال الوقود بكميات كبيرة هو الأساس لتوفير مياه نظيفة للمواطنين في غزة، والذين يبحثون بالوسائل كلها عن المياه للاستخدام اليومي، بينما المياه التي يستخدمونها حالياً لا يعرف إن كانت نظيفة أم لا، وهناك مخاوف من مخاطر تسرب مياه الصرف الصحي إلى المياه الجوفية، وهذا أمر غير قابل للإصلاح، وقد رصدناه في المناطق الجنوبية".
ولا تزال طوابير المياه حاضرة في جميع محافظات قطاع غزة، بما فيها مدينة غزة وشمالي القطاع، وقد تمكنت وكالة "أونروا" من إدخال عدد محدود من الشاحنات إلى الشمال، بينما الأمر في جنوبي القطاع أكثر تدهوراً، حيث الاكتظاظ كبير، ما يجعل مهمة الحصول على المياه عسيرة.
من مدينة رفح، يقول عمر أبو غنيمة لـ"العربي الجديد": "هذه المرة الثالثة التي يهطل فيها المطر منذ بدء العدوان، وفي كل مرة نعبئ ونخزن مياه المطر، لكن المطر في الوقت ذاته يغرقنا. مياه الصرف الصحي حاضرة في كثير من الشوارع، والروائح الكريهة منتشرة، لكن الناس تتابع السير فيها". ويقول أنور شمالي لـ"العربي الجديد": "مياه الصرف الصحي والأمطار تغرق الشوارع كلها، ولا توجد مياه نظيفة في مراكز الإيواء، ولا قدرة على سحب المياه من الشوارع، ونرصد الكثير من الأمراض المنتشرة في المدارس التي تحولت إلى مراكز إيواء، خصوصاً بين الأطفال".

المساهمون