كارثة غزة الصحية... الأدوية مفقودة والأهالي يناشدون توفيرها

25 اغسطس 2024
مئات الأدوية مفقودة في قطاع غزة (دعاء الباز/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- يعاني قطاع غزة من نقص حاد في الأدوية بسبب الحصار الإسرائيلي والعدوان المستمر، مما يفاقم معاناة المرضى والجرحى. يعتمد الأهالي على الصيادلة والأطباء والمبادرين لتوفير الأدوية عبر مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي.
- يضطر الأهالي لنشر مناشدات للحصول على الأدوية، ويتعاون الصيادلة والأطباء لتلبية هذه المناشدات. تتفاقم الأزمة بسبب الفقر الشديد وفقدان مصادر الرزق، مما يجعل الوضع الصحي أكثر تدهوراً.
- يبذل الصيادلة والأطباء جهوداً كبيرة لتوزيع الأدوية رغم المخاطر والتحديات، مستخدمين تطبيقات مثل "واتساب" لتنسيق الجهود. ورغم التبرعات، تظل العديد من الأدوية الأساسية مفقودة.

لا تتوقف مناشدات أهالي قطاع غزة لتوفير أصناف من الأدوية في ظل معاناة كبيرة لآلاف المرضى والجرحى بسبب نفاد الكثير من أدوية أمراض الأطفال والنساء والعديد من الأمراض المزمنة.

يعتمد الكثير من سكان غزة على الصيادلة والأطباء والمبادرين لتوفير الأدوية، وقام عدد من هؤلاء بإنشاء مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي لتلقي مناشدات البحث عن الأدوية في أنحاء غزة، بعد أن أصبح الحصول على الدواء مهمة شديدة الصعوبة.
وتتمكن بعض المؤسسات الدولية من إحضار بعض الأدوية المطلوبة، لكن بعد فترة انتظار طويلة، في حين يحصل غالبية المرضى والجرحى على الدواء اللازم لعلاجهم عبر المتبرعين. وفي حصيلة غير نهائية، ارتفع عدد الجرحى منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 93 ألفا و468 مصاباً، بينما يبلغ عدد الشهداء 40 ألفا و405 شهيداً على الأقل.
ولا يمكن اعتبار تلك وسائل البحث عن الدواء جديدة في قطاع غزة، فالقطاع الطبي يعاني من نقص الأدوية منذ سنوات بسبب الحصار الإسرائيلي، لكن فترة العدوان الحالي فاقمت الأزمة، إذ يتم إدخال كميات قليلة لا تكفي الأعداد الكبيرة من الجرحى والمرضى، إلى جانب الفقر الشديد الذي يعاني منه معظم الأهالي، وغالبيتهم العظمى نازحون خسروا وظائفهم وممتلكاتهم.
يحتاج همام أبو شباك (39 سنة) نوعاً غير متوفر من الأدوية، لعلاج أعراض جلدية تظهر على جسد طفلته ريما، فالأدوية والمراهم التي حصل عليها سابقاً من النقطة الطبية لم تجد نفعاً، وأخبره أحد الأطباء أن ابنته بحاجة إلى أدوية متخصصة لمعالجتها من أعراض داخل الجسم تسبب الأمراض الجلدية الظاهرة. 

الكثير من الأدوية الأساسية مفقود في غزة بسبب منع الاحتلال دخولها

واصل أبو شباك نشر المناشدات لأيام على موقع "فيسبوك"، وفي كل مرة كان يؤكد أن طفلته تسوء حالتها مع مرور الوقت بسبب ارتفاع درجات الحرارة ونقص المياه، والأوضاع المتردية داخل خيمة التهجير في منطقة المواصي، وقد تلقى رداً من أحد الصيادلة الذي استطاع أن يؤمن له عدة عقاقير طبية، منها مطهر للمعدة، ومرهم من نوع أقوى من الذي تلقاه من النقطة الطبية. 
يقول أبو شباك لـ"العربي الجديد": "بدأت طفلتي تتحسن بعد أن تلقت العقاقير الطبية التي حصلنا عليها، وكانت تعاني كثيراً بسبب قلة المعدات الطبية وقلة الأدوية، والأطباء يتحدثون بشكل مباشر عن هذا، ويؤكدون أنهم لا يملكون فعل شيء. نشر المناشدات على مواقع التواصل الاجتماعي يؤدي إلى أحياناً إلى نتائج ضمن التكاتف الاجتماعي، حتى أن البعض من خارج قطاع غزة، يقومون بإعادة النشر، في محاولة للمساعدة، أو يتواصلون مع بعض المنظمات الطبية، لكننا محكومون بالاحتلال الإسرائيلي الذي يسمح بدخول القليل من المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم، والأدوية التي تدخل قليلة جداً، ما يجعل كثيرين يتعرضون للموت البطيء". 

تباع الأدوية في الشوارع بعد تدمير الصيدليات (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
تباع الأدوية في الشوارع بعد تدمير الصيدليات (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

والكثير من الأدوية مفقودة في قطاع غزة، من بينها أدوية حساسية الأطفال، والمغذيات والفيتامينات الخاصة بالأطفال المرضى أو الرضع، وكذلك أدوية أمراض العظام والمفاصل، وأدوية التشنجات والصرع، وأدوية الأمراض النفسية، وكذلك أنواع كثيرة من أدوية الأمراض المزمنة، وأمراض القلب، وأدوية مرضى الكلى والغدة الدرقية.
حتى عندما تتم الاستجابة لمناشدات طلب الأدوية، فإن الأهالي يضطرون للمشي مسافات طويلة للوصول إلى مكان توفر الدواء، في ظل عدم وجود أي وسيلة نقل متاحة، وقد تصل مدة تلك الرحلة إلى ساعات رغم أن المسافات متقاربة في قطاع غزة.
يعيش إبراهيم شاهين داخل خيمة تهجير مع والدته هيام شاهين بعد استشهاد شقيقتيه في فبراير/شباط الماضي، ويعيش معهما صديقه محمد العجرمي الذي أخرجه المنقذون من تحت الأنقاض مع زوجته وابنته الوحيدة، لكنه يفتقد منذ ثلاثة أشهر الرعاية الطبية والأدوية.

يعاني القطاع الطبي في غزة من نقص الأدوية منذ سنوات بسبب الحصار

نشر شاهين مناشدة طويلة طلباً للمساعدة في تأمين بعض الأدوية، وقد ساعده أحد الأطباء في الوصول إلى صيادلة يعملون في مستودع أدوية، واستطاع  تأمين عدد من أدوية القلب وهشاشة العظام لوالدته الستينية وصديقه المصاب بالتهابات في المفاصل نتيجة إصابته خلال العدوان.
يقول إبراهيم شاهين لـ"العربي الجديد": "جميعنا فقراء بسبب فقدان كل مصادر الرزق، وأصبحنا نعيش في طوابير لكل شيء، طوابير على المياه، وعلى الغذاء، وطوابير للحصول على المساعدات العينية مثل الفرش، وحتى طابور للعلاج. يضطر المريض أو المصاب للانتظار ساعات طويلة قبل العرض على الطبيب، والأدوية المتوفرة شحيحة للغاية، وما نحصل عليه من أدوية أصناف ضعيفة، ولا تؤدي غرضها العلاجي".  
يضيف: "تعاني والدتي بشدة، وفي كل يوم أشاهدها قبل النوم تنطق الشهادتين، كونها تتوقع أنها ستموت في الصباح، وكذلك يعاني صديقي كثيراً، ويحتاج إلى عملية جراحية، لكن نتيجة اكتظاظ الجرحى، فإنه مضطر للانتظار إلى موعد غير محدد لإجراء العملية، وعليه تحمل الآلام".

استطاع عدد من صيادلة غزة إنقاذ كميات من الأدوية (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
استطاع بعض صيادلة غزة إنقاذ كميات من الأدوية (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)

وحمل عدد من الصيادلة كل الأدوية التي كانت تضمها صيدلياتهم حين قاموا بإخلائها رغم المخاطر، واستطاع بعضهم الحفاظ عليها من التلف قدر الإمكان، كما قام العائدون إلى مناطقهم منهم باستخراج الأدوية الصالحة للاستخدام من بين ركام الصيدليات المتضررة، وقام  الكثير منهم بالتبرع بها إلى المحتاجين.
عاد الصيدلي محمد حبوب إلى صيدليته في بلدة بني سهيلا بعد الانسحاب الإسرائيلي الجزئي من البلدة، وقام فور عودته بإخراج الأدوية التي لم تتضرر، وخصوصا أدوية أمراض الأطفال، ليقوم بمنحها للأسر التي تتواجد بالقرب من نقطة طبية في منطقة المواصي. 
كانت صيدلية حبوب من بين صيدليات قليلة نجت من القصف الإسرائيلي في المنطقة الشرقية، ويؤكد أن العديد من الصيادلة يشاركون في المبادرات الأهلية لتوفير العلاج، في ظل أن العديد من الأدوية غير متوفرة داخل قطاع غزة، وبعض الأدوية التي يتلقاها المرضى ضعيفة المفعول، أو شبه منتهية الصلاحية، ما يجعلهم مضطرين لإيجاد الأدوية بأي طريقة.
يقول محمد حبوب لـ"العربي الجديد": "أزمة الأدوية تسبب فيها توقف استيرادها، وانقطاع دخولها في ظل عدم وجود متخصصين على المعابر، وتوقف إشراف وزارة الصحة عن فحصها وإدخالها. هناك الكثير من الأدوية المفقودة، وما يفعله الصيادلة والأطباء في المبادرات هو نوع من التعاطف والتكاتف مع الأهالي، وباتت مواقع التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الأبرز التي يحاول سكان غزة التواصل فيما بينهم لنشر المناشدات". 
أنشأ الصيدلي أنس أبو كرش مجموعة عبر تطبيق "واتساب" لتوفير الأدوية المفقودة في قطاع غزة، وهو يتلقى يومياً مئات الطلبات من مرضى وجرحى، ومن عائلاتهم، لكن البحث عن الأدوية المفقودة غاية في الصعوبة، إذ يصعب البحث في الصيدليات والمستودعات نتيجة تقييد جيش الاحتلال الحركة، حتى في المنطقة الإنسانية التي جرى تقليصها إلى 35 كيلومتراً، كما أعلن الدفاع المدني في غزة.

صحة
التحديثات الحية

أطلق أبو كرش على المجموعة اسم "أدوية غزة"، ويقوم من خلالها أطباء وصيادلة وعدد من المبادرين والنشطاء الاجتماعيين بنقل مناشدات المرضى والجرحى، وتحديد أنواع الأدوية التي يحتاجون إليها، أو صور للمصابين الذين يطلبون العلاج من أعراض أمراض جلدية، وغيرها من الالتهابات. ويشير إلى أن "العديد من الأدوية نفدت من الصيدليات الخاصة والعامة، ومن خلال العلاقات، نحاول الوصول إلى ما أمكن من أدوية، لكن نعجز في أوقات كثيرة عن توفيرها بسبب توقف دخولها. دمر الاحتلال الإسرائيلي عدداً كبيراً من الصيدليات ومستودعات الأدوية العامة والخاصة، ونعجز عن إيجاد أصناف عدة كانت متوفرة في المستودعات والصيدليات، لكن طاولها التدمير، أو احترقت نتيجة القصف الإسرائيلي". 
ويوضح أبو كرش لـ"العربي الجديد": "ننجح يومياً في تلبية حاجة عشرات من أصحاب المناشدات، ونسعى إلى إيجاد أقرب مكان لاستلام الأدوية، وتوسع تبرع الصيادلة بالأدوية خلال الفترة الأخيرة، والغالبية يتبرعون بالأدوية إلى النقاط الطبية القريبة من مناطق تهجيرهم، أو القريبة من مناطق الخيام، والتي يتوجه المئات يومياً إليها لطلب الأدوية، ما يجعل تلك الادوية القليلة تنفد سريعاً". 
يضيف: "هناك أصناف كثيرة نعجز عن توفيرها، والناس لا يجدونها في المستشفيات، ومن بينها الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، وأدوية القولون، والأمراض التنفسية، وأمراض القلب. نعيش في ظل نقص شديد لجميع أصناف الأدوية، والمتوفر بحوزة بعض الصيادلة والأطباء وبعض المستودعات، كلها أدوية كانت موجودة داخل القطاع من قبل بدء العدوان الإسرائيلي".

المساهمون