- منظمة "هانديكاب إنترناشونال" تعمل على تقييم احتياجات إزالة الألغام وأرسلت خبيرين لهذا الغرض، في ظل استمرار تهديد القنابل غير المنفجرة للمدنيين حتى بعد انتهاء الحرب.
- مؤسسات حقوقية ترصد المئات من القنابل غير المنفجرة منذ عدوان 2014، مع قلق من منع إسرائيل دخول فرق الكشف عن المتفجرات، ما يزيد من خطر وقوع ضحايا.
في ظل القصف العنيف والمستمر على قطاع غزة وسقوط آلاف الصواريخ، يواجه الغزيون مخاطر أخرى تتمثل في عدم انفجار الكثير منها، الأمر الذي يتطلب وجود خبراء متخصصين في إزالتها.
أعلنت منظمة "هانديكاب إنترناشونال" الدولية الإنسانية أن إسرائيل ألقت 45 ألف قنبلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وحتى منتصف يناير/ كانون الثاني، وأن 3 آلاف منها على الأقل لم تنفجر، ما يشكل خطراً يهدد سكان هذا القطاع المحاصر. وقال نائب مدير العمليات الدولية جان بيار ديلومييه، لإذاعة فرنسا الدولية، إن "ثمة 3 آلاف قنبلة من بين هذه القنابل الـ 45 ألفاً، لم تنفجر، وستشكل خطراً إضافياً على المدنيين عند العودة إلى المناطق التي نزحوا منها في وقت يتعين توزيع المساعدات الإنسانية". إلا أن استمرار العدوان على القطاع حتى اليوم وعدم إحصاء جميع القنابل غير المنفجرة يشيران إلى أن الرقم قد يكون أعلى من ذلك بكثير.
وفي بداية شهر مارس/ آذار الجاري، كانت منظمة "هانديكاب إنترناشونال"، التي تُعنى بالدفاع عن الأشخاص المصابين بإعاقات ناجمة عن النزاعات والتي تتّخذ من فرنسا مقرّاً لها، قد أرسلت خبيرَين للشروع في تقييم احتياجات إزالة الألغام في قطاع غزة، وذلك لمدّة 15 يوماً.
من جهته، قال خبير إزالة المتفجرات بالدائرة الأممية للأعمال المتعلقة بالألغام تشارلز بيرش والذي زار غزة في ذروة حملة القصف الإسرائيلية، لصحيفة "واشنطن بوست"، إن "هذه الذخائر غير المنفجرة قد تكون أكثر التهديدات انتشاراً لأنها ستدوم طويلاً بعد الحرب، وتشكل خطراً على المدنيين لأجيال. وحتى أوقات السلم النسبي في غزة، فإن القنابل المتبقية من جولات القتال السابقة كانت تقتل وتشوه بانتظام، والمشكلة الآن أسوأ بأضعاف مضاعفة".
في المقابل، تشير معلومات المكتب الإعلامي الحكومي إلى أن الأرقام أكبر بكثير مما ذكر مرجحاً سقوط أكثر من 50 ألف قنبلة، استناداً إلى المعلومات الأولية المتوفرة حتى الـ20 من الشهر الجاري، لكن الإمكانات القليلة المتاحة تحد من القدرة على مسح عدد الأجسام غير المنفجرة. ويتطلب الأمر الاستعانة بفريق من المتخصصين الدوليين في ظل الإمكانات الصعبة لتحييد المتفجرات، وفي ظل محدودية المساحات أمام الغزيين في ظل استمرار سياسة التهجير القسري، التي تجعلهم يقيمون في بيئة محدودة مع احتمال انفجار الأجسام في أيّ لحظة.
وتشكّل هذه المتفجرات خطراً كبيراً على الغزيين في ظل رصدها في جميع محافظات قطاع غزة الخمس، خصوصاً في المنطقة الشمالية وغيرها، وتحديداً تلك التي كانت تتعرض لحزام ناري.
في منتصف فبراير/ شباط الماضي، وتحديداً في حي الزيتون شرق مدينة غزة، يشير عدد من الأهالي الذين شهدوا العملية العسكرية الممنهجة لتدمير الحي وتهجير سكانه، إلى وجود عدد من القنابل غير المنفجرة بين الشوارع، وخصوصاً في شارع وادي العرايس وكشكو وشارع المنصورة الفاصل بين حي الزيتون وحي الشجاعية.
عصام أبو جمعة كان أحد الذين نزحوا مع بدء العملية العسكرية على حي الزيتون، بعدما دُمِّر منزله جزئياً قبل أن يصيب صاروخ آخر أساسات المنزل، وكاد أن يقتلهم لكنه لم ينفجر. ظن بداية أن الهدف هو مبنى على مقربة منه، لكن الهدف كان المبنى الذين يعيشون فيه، وفي داخله أكثر من 40 فرداً، أكثر من الثلثين من النازحين. نزح مجبراً خشية انفجار الصاروخ في أي وقت، والذي كان كفيلاً بقتلهم جميعاً. ويوضح أن حجم الصاروخ كبير وطوله لا يقل عن مترين، لافتاً إلى أن عدداً كبيراً من الصواريخ لم ينفجر بعد.
ويقول أبو جمعة لـ "العربي الجديد": "حي الزيتون أصبح حي الدماء والمجازر بعدما كان حياً مفعماً بالحياة. وعلى الرغم من الدمار الكبير، هناك عدد من القنابل الموجودة في بعض المنازل التي لم تنفجر، وخصوصاً تلك الحدودية مع حي الزيتون. نعتقد أثناء النزوح أنها انفجرت نتيجة القصف المتواصل". يضيف: "قضينا ليلة واحدة والصاروخ أسفل المنزل، وانتقلنا في اليوم التالي إلى منطقة أخرى خشية انفجاره، وخصوصاً أن القصف لم يهدأ. توجهنا إلى منزل آخر ثم إلى وسط قطاع غزة، وتحديداً في منطقة دير البلح. قلبي لا يزال معلقاً في المنزل ولا أعرف إن كنت سأتمكن من العودة يوماً، وخصوصاً إذا بقي الصاروخ".
أثناء بحث عدد من المواطنين من سكان بلدة بيت حانون الموجودين في منطقة المصريين نسبة لعائلة المصري، وهي من أكبر عائلات البلدة، عن أغراض ومتعلقات خاصة بهم، عثروا على صاروخ ضخم لم ينفجر، كما يقول أحمد المصري وهو من سكان المنطقة. ويروي أنه عندما انسحبت قوات الاحتلال من المكان، لاحظ وجود صاروخ لم ينفجر أسفل الطابق السفلي للمنزل الذي كان يوجد فيه، فسارع مع الآخرين لإخلاء المنطقة خوفاً من انفجار الصاروخ. ويشير إلى أن الصاروخ كانت عليه علامة النسر.
يقول المصري لـ "العربي الجديد": "لا نعلم أين نذهب وأين نهرب. نزحنا وسط مخيم جباليا. لا نعرف ماذا تخبئ الأرض في الأسفل، إذ إن كمية المتفجرات التي أطلقت على البلدة مسحت النسبة الأكبر من المباني فيها". يضيف: "كنا نتنقل من مكان إلى آخر. بعض الناس عملوا على إزالة الركام، لكن لا نعرف ما إذا وجدوا أجساماً غير منفجرة. ننتظر بفارغ الصبر أن ينتهي العدوان لنبدأ البحث في منطقتنا. قررت الإقامة فيها ولو في خيمة. وفي الوقت نفسه، لا أريد أن نهرب من موت إلى موت آخر ينتظرنا تحت الأرض".
من جهته، يقول الحقوقي إبراهيم أبو سلامة، وهو ضمن طاقم من المحامين الذين يتولون رصد الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة، والعمل على إعداد مذكرات قانونية لتقديمها إلى المحاكم الدولية، إنه عمل سابقاً على إعداد دراسات قانونية وأبحاث عن الانتهاكات الإسرائيلية، وخصوصاً الأضرار التي ألحقها بالبنية التحتية، والقنابل التي ألقاها الاحتلال والتي أحدثت انفجارات، بالإضافة إلى مقتل مدنيين بعد انقضاء العدوان الإسرائيلي في السنوات الماضية. ويذكر أبو سلامة أن هيئات رسمية وغير رسمية عمدت إلى إزالة عدد كبير من المتفجرات من مخلفات حربي عامي 2014 و2021، لكن تكمن المشكلة في أن القنابل تكون شبه مخفية في مناطق واسعة من غزة، في حين توجد أخرى ما بين أنقاض المباني المدمرة، أو تكون مدفونة تحت سطح الأرض.
ورصدت مؤسسات حقوقية محلية مثل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، عقب العدوان الإسرائيلي صيف عام 2014، وجود المئات من القنابل التي لم تنفجر. إلا أن بعضها انفجر لاحقاً وأدى إلى وقوع إصابات وقتلى. وقد قتل الصحافي الإيطالي سيموني كاميلي خلال عملية تفكيك صاروخ إسرائيلي في قطاع غزة، والصحافي علي شحته أبو عفش وآخرون.
ويشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" إلى مقتل 17 شخصاً وإصابة 100 آخرين جراء المتفجرات من مخلفات الحرب بعد العدوان الإسرائيلي الذي انتهى في أغسطس/ آب عام 2014 واستمر 52 يوماً، كما أزيل حوالي 3300 جسماً متفجراً.
وتشير البيانات إلى أنه في يوليو/ تموز عام 2016، أنزل خبير متفجرات من دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام نفسه في حفرة عمقها 12 متراً تحت الأرض في حي مزدحم في منطقة وسط غزة لنزع فتيل قذيفة جوية وزنها 925 كيلوغراماً، وهي جزء من مخلفات العدوان على قطاع غزة قبل عامين من إزالتها. ويقول أبو سلامة لـ "العربي الجديد": "نشعر بقلق كبير أن يمنع الاحتلال الإسرائيلي، بعد العدوان، دخول فرق ومعدات للكشف عن المتفجرات، هو الذي كان قد منع عدداً من الوفود الدولية المتخصصة خلال السنوات الماضية من دخول قطاع غزة، ما يشير إلى احتمال وقوع ضحايا كثيرين في حال لم يتم التعامل مع المتفجرات غير المنفجرة أثناء العدوان وبعده على وجه التحديد".