استمع إلى الملخص
- انتقدت مريم الحاج عثمان التعديلات، معتبرة أنها قد تعزز الطائفية والانقسامات، مشددة على أهمية مراعاة التنوع الديني والثقافي وإشراك مختصين من مختلف الخلفيات لضمان مصلحة الأطفال.
- اعتبر تيسير خلف وتيما عيسى أن التعديلات ارتجالية دون استشارة مختصين، مؤكدين على ضرورة تحديد هوية الدولة وإقرار الدستور قبل تغييرات جذرية لتجنب تكوين دولة ذات لون واحد.
أثار إعلان وزارة التربية السورية، مساء أمس الأربعاء، تعديلات جديدة في المناهج التربوية جدلاً واسعاً وقلقاً شعبياً في الشارع السوري، الذي رأى أن القرار ينافي الخطاب اللاطائفي وغير الإقصائي الذي ما فتئت الإدارة السياسية تكرره منذ 8 ديسمبر/ كانون الأول، في محاولةٍ للطمأنة إلى أن سورية الجديدة ستكون للجميع. وأصدرت الوزارة تعميماً يقتضي بتعديل المناهج التربوية بشكل انتقائي للصفوف الدراسية كافة، وحذف جميع الفقرات التي تمجّد النظام البائد، إضافة إلى حذف الكثير من البحوث العلمية وحتى بعض الدروس والشخصيات التاريخية، وتعديل الكثير من العبارات الواردة في المنهاج.
ومن بين أبرز التعديلات التي أثارت الكثير من الانتقادات في الشارع، استبدال تفسير عبارة المغضوب عليهم والضالين باليهود والنصارى بدلاً ممن أضلوا طريق الحق، واستبدال تفسير الصراط المستقيم بطريق الإسلام بعد أن كان صراط الخير. كذلك طلبت التعديلات الجديدة استبدال مبدأ الأخوة الإنسانية بالأخوة الإيمانية، وتغيير مفهوم الشهيد الذي كان كل من ضحى للدفاع عن تراب الوطن، ليصبح كل من ضحى في سبيل الله فقط.
ولم يكتفِ المعدّلون بهذا، بل حذفوا القانون من عبارة "الالتزام بالشرع والقانون"، إضافة إلى حذف عبارة كرّم الله وجهه التي تعقب ذكر اسم علي بن أبي طالب، لتصبح رضي الله عنه. فضلاً عن حذف دروس نظرية التطور في مادة العلوم. كذلك عمّمت الوزارة بحذف شخصيتي زنوبيا وخولة بنت الأزور لكونهما شخصيتين خياليتين.
تعديلات من منظور واحد
وفي السياق، قال وزير التربية والتعليم، نذير القادري، اليوم الخميس، إن المناهج الدراسية في جميع مدارس سورية "ما زالت على وضعها حتى تُشَكل لجان اختصاصية لمراجعتها وتدقيقها، وقد وجهنا فقط بحذف ما يتعلق بما يمجد نظام الأسد البائد، واعتمدنا صور علم الثورة السورية بدل علم النظام البائد في جميع الكتب المدرسية". وأضاف، في تصريحات نقلتها الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، أن "ما تم الإعلان عنه هو تعديل لبعض المعلومات المغلوطة التي اعتمدها نظام الأسد البائد في منهاج مادة التربية الإسلامية، مثل شرح بعض الآيات القرآنية بطريقة مغلوطة، فاعتمدنا شرحها الصحيح كما ورد في كتب التفسير للمراحل الدراسية كافة".
وزير التربية والتعليم نذير القادري: المناهج الدراسية في جميع مدارس سوريا مازالت على وضعها حتى تُشَكل لجان اختصاصية لمراجعة المناهج وتدقيقها، وقد وجهنا فقط بحذف ما يتعلق بما يمجد نظام الأسد البائد واعتمدنا صور علم الثورة السورية بدل علم النظام البائد في جميع الكتب المدرسية.
— الوكالة العربية السورية للأنباء - سانا (@SanaAjel) January 2, 2025
الاختصاصية التربوية مريم الحاج عثمان، ترى في تصريحها لـ"العربي الجديد" أن "هناك الكثير من الأخطاء في تفسير الآيات القرآنية التي وردت ضمن التعديلات، فمثلاً لا يمكن تربية الأطفال على أن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النصارى، وذلك لما فيه من إقصاء وتكفير للكثير من فئات المجتمع التي سيتعامل معها هؤلاء الأطفال في مراحلهم العلمية كافة، وهذا الأمر سيسبب شروخاً كبيرة وأحقاداً مجتمعية ناتجة من الطائفية التي أُدخِلَت إلى عقول الأطفال"، مؤكدة أن "دين الإسلام يرفض مثل هذا الطرح".
وفي السياق، ترى عثمان أنه "ليس لدى القائمين على تلك التعديلات أيّ اطّلاع حقيقي على التاريخ، إذ تتطلّب تلك التعديلات الكثير من المراجع الدينية والتاريخية"، مطالبة بوضع الأسس التي من خلالها أُجريَت التعديلات من قبل الوزارة، ليتسنّى للمختصين مراجعتها ومناقشتها.
إلى ذلك، انتقدت عثمان "حذف قصائد الحب لطلاب المراحل الثانوية من المنهاج، وخصوصاً أن الطلاب من هذه الفئة العمرية يحتاجون إلى مثل تلك الدروس والقصائد، لأنهم يمرون بالكثير من المشاعر والعواطف التي لم يختبروها سابقاً، لذا فإن تعرّفهم إلى هذا النوع من الشعر قيمة مضافة لهم"، معتبرة أن "رأي اللجنة التي قامت بالحذف نابع من معتقدات دينية لديهم".
وحول مفهوم الشهادة وحصرها بأن تكون في سبيل الله بدلاً من سبيل الوطن، أوضحت عثمان أن "للشهادة أنواعاً، فهناك شهيد استشهد أيضاً في سبيل الدفاع عن عائلته، وآخر عن أرضه أو عن عائلته أو عن كرامته أو وطنه، لذا فإن ذكر تلك الحالات يعني إعطاء قيمة حقيقية للشهادة لغرس هذه المبادئ في أذهان الأطفال"، متوقعة أن تكون المرجعية في هذا الطرح دينية ومن زاوية واحدة فقط.
كان من الأجدى أن يتم خلال هذا العام حذف كافة الدروس والفقرات التي تمجّد بالنظام البائد الظالم فقط وترك تغيير المناهج إلى الأعوام القادمة
وحول الفترة اللازمة لتعديل المناهج، رأت عثمان أنه "لم يمضِ على سقوط النظام شهر كامل إلى اليوم، فحتى لو احتُسِب كامل هذه المدة، فلا يمكن خلالها القيام بتدقيق المناهج وتعديلها كاملة وفق أسس صحيحة، لأن هذه المناهج المتعلقة بالأطفال والمراهقين تحتاج إلى سنوات عدة"، معتبرة أنه "كان من الأجدى أن يُحذَف خلال هذا العام الدروس والفقرات كافة التي تمجّد بالنظام البائد الظالم فقط، وترك تغيير المناهج إلى الأعوام القادمة"، لافتة إلى أن "هذه التعديلات تحتاج عقلية منفتحة أكثر، وجهات عدة من مرجعيات دينية مختلفة، ومن الاختصاصات كافة، لتكون مصلحة الطفل هي الأساس بذلك، فلا يجوز اليوم أسلمة المناهج بالوقت الذي تضم فيه سورية الكثير من الأديان الأخرى والطوائف التي تختلف معتقداتها عمّا هو موجود بالمنهاج المدرسي، لذا يجب أن يكون الطرح معتدلاً، وأن تتم مراعاة الشخصيات كافة التي وردت بالتاريخ، سواء كانت إسلامية أو غير ذلك، ليتعرف الطفل إليها ولا يكون منغلقاً على نفسه"، مؤكدة أن "ما يُخفى اليوم عن الطالب سيكتشفه بالطبع من خلال الإنترنت أو المصادر الأخرى المتاحة لديه".
تعديل المناهج التربوية: قفز على المراحل
الباحث التاريخي تيسير خلف صرّح، لـ"العربي الجديد"، بأنه تواصل مع بعض الأشخاص بمحيط الهيئة، وفوجئ بأن لا علم لهم بالتعديلات على المناهج السورية، أي إن "القرار ارتجالي" وصدر من قبل وزير التربية مباشرة من باب اجتهاد شخصي فقط، فهو لم يستشر أحداً بذلك، معتبراً أن "صلاحياته لا تسمح له بتعديل المناهج، علماً أن هذا الأمر يحتاج لجاناً علمية ومراحل عدة وتوجهات عامة، كذلك فإنه يرتبط بالدستور الذي لم يقرّ إلى اليوم، وبهوية الدولة التي لم تحدد، لذا فإن إصدار هذا التعديل هو بمثابة قفز على المراحل، فمهمة حكومة تصريف الأعمال تقتصر على تسيير الأعمال ومنع الانفلات الأمني وتأمين الاحتياجات المادية".
يحتاج لجاناً علمية ومراحل عدة وتوجهات عامة، كما أنه يرتبط بالدستور الذي لم يقر إلى اليوم، وبهوية الدولة التي لم تحدد،
وأشار إلى أنه "إن كان وزير التربية قد اجتهد فعلاً فأخطأ فيجب أن يحاسب أو يُقال على الأقل، لأن القضايا التي قام بتعديلها ليست من اختصاصه"، متسائلاً عن "مؤهلاته الفكرية والثقافية والعلمية لتعديل المناهج"، مؤكداً أن "شخصية زنوبيا هي شخصية تاريخية لا شك بها، أما خولة بنت الأزور فهي شخصية خيالية بالفعل وقد اختُرِعَت بالعصر المملوكي، وهنالك الكثير من الدراسات العلمية الجادة في ذلك، ولا خلاف عليه".
وفي السياق، اعتبر خلف أنه "كان من الأجدى انتظار الإعلان الدستوري المكون من قبل لجان مختصة، وذلك لتحديد أولويات المرحلة، لتتشكل فيما بعد حكومة واسعة تكنوقراط مهمتها التهيئة للمرحلة الانتقالية".
جدل التعديلات
من جهتها، طرحت الناشطة المدنية تيما عيسى، في تصريحها لـ"العربي الجديد"، عدّة تساؤلات عن التعديلات الأخيرة التي طرأت على المناهج السورية، فيما إذا كانت صلاحيات حكومة تسيير الأعمال تسمح بمثل هذا الإجراء، وفيما إذا جرى قبل إعلان هذه التعديلات ملاحظة خطورة وحساسية المرحلة الانتقالية والمنعطف المفصلي والتاريخي الذي تمر به سورية اليوم، معتبرة أنه "لم يتم في هذه التعديلات الارتكاز على الهوية السورية الجامعة للسوريين كأولوية تقود عملية تعديل المناهج السورية".
وأشارت عيسى إلى "وجود تعديلات بالغة الاستفزاز للأطياف والأديان الأخرى، كاستبدال الضالين والمغضوب عليهم بالنصارى واليهود، أو استبدال الأخوة الإنسانية بالأخوة الإيمانية، أو استبدال جملة يقاتل في سبيل الوطن ليصبح يقاتل في سبيل الله"، لافتة إلى "خطورة إسقاط صفة الوطنية أو المعركة الوطنية عن معارك حدثت في السابق، وكان هدفها الأساسي طرد عدو واحد مغتصب للأراضي السورية، فلماذا يجري اليوم الالتفاف على المصطلحات؟"، معتقدة أن "هذه التعديلات وضعت دون العودة إلى القائمين على العملية التدريسية الذين راكموا خبرات طويلة على مدى سنوات عدة، فهي لا تعد مجرد تعديلات لغوية، بل هي تغيير بنيوي في أفكار وثقافة الجيل الناشئ الذي سيقوم غداً بإعمار سورية". واعتبرت أنه "لا يمكن اعتبار هذه العبارات أداة للتعليم وللتلقين المعرفي لدولة تتضمن أدياناً متنوعة وعرقيات وأطياف مختلفة".
وفي الإطار، رفضت عيسى بصفتها ناشطة مدنية تقبّل تلك التعديلات بشكل كامل، إذ "لا يمكن لأي سوري يسعى نحو بناء هوية مشتركة مع الآخر القبول بها، وخصوصاً أنها تسعى لتكوين دولة ذات لون واحد على امتداد مساحات الجغرافيا، مطالبة بالتراجع عن تلك التعديلات وإعادة النظر في اللجنة التي وضعتها".
ليس هناك من يحاسب
وحول شرعيّة الحكومة الحالية بإصدار تعميمات وقرارات مثل تعديل المناهج، يعتبر المحامي عارف الشعال، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الأمر مربك من الناحية الدستورية، فسقوط النظام السابق بهروب رئيسه يعني نجاح الثورة التي قامت ضده، وسقوط الدستور، وبالتالي سقوط السلطات كافة التي نصّ عليها، كالسلطة التشريعية والمحكمة الدستورية والسلطة السياسية التي كانت تدير الدولة، مثل سلطة البعث، لتحل محلها سلطة الثورة، التي أطلقت على نفسها تسمية حكومة مؤقتة، فكان المفروض عليها، وفقاً للفقه الدستوري، أن تصدر منذ توليها السلطة السياسية إعلاناً دستورياً كما حصل في الانقلابات السابقة كافة، لتحديد وظيفة كل سلطة على حدة، ومن يحق له اتخاذ مراسيم تشريعية مؤقتة، لمعرفة كيف تدار الدولة ريثما يقر الدستور الدائم، لذا فلا يوجد اليوم جهة تحاسب سلطة الثورة وتحدد شرعية اتخاذ مثل هذه القرارات التي تصدر بمبدأ الشرعية الثورية، ولكن مع ذلك يجب اليوم على المجتمع الحقوقي والمدني الضغط على هذه السلطة لإصدار إعلان دستوري على الأقل وفق الشروط المحددة لذلك".
ضغط دولي ومدني
أما المحامي رامي الخيّر فيرى، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن "كل طرف يفسّر ويفهم القوانين وفق وجهة النظر التي تناسبه، ولكن هناك وجهات نظر قانونية واضحة وثابتة تنص على أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال يفترض أن تقوم فقط بتسيير الخدمات وتذليل العقبات ريثما تبدأ المرحلة الانتقالية، وألا تصدر تعاميم تتعلق بتعديل المناهج الدراسية على سبيل المثال، لأن تلك القرارات غير شرعية، ولكن ما يحدث اليوم أن الطرف الموجود يعتبر أن هذه المرحلة انتقالية، وبالتالي يحق لهم إصدار القرارات التي يرغبون فيها".
وأشار الخيّر إلى أن "توقّف القضاء ومجلس الشعب قلّص إمكانية المحاسبة لأي تجاوزات بالصلاحيات، لذا فإن الأمر يحتاج اليوم إلى ضغط المجتمع الدولي بشكل فعلي وحقيقي، وقيام مؤتمر حوار وطني يضم شخصيات مختارة من قبل الشعب على أساس انتخابات لكل منطقة شبيهة بانتخابات مجالس الإدارة المحلية لتختار كل منطقة ممثليها". واقترح الخيّر أن يكون هناك "موقف واضح للمجتمع المدني السوري إزاء القضايا المطروحة ليكون هو أداة المحاسبة".