يبدو أنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد وقع في ورطة، نتيجة تسرّعه بتوجيه الشكر للقضاة وموظفي إدارة تنفيذ الأحكام في محكمة جنوب القاهرة، لـ"جهودهم في ضبط إحدى القضايا"، التي قال بيان رئاسي إنها "مهمة وسيعلن عن تفاصيلها بعد الانتهاء من كافة الإجراءات".
وكان مصدر مطلع بوزارة العدل قد قال إنّ القضية التي يقصدها السيسي هي الضبطية التي أُعلن عنها قبل يوم من إصدار البيان الرئاسي، حيث أُعلن عن عثور قوة تنفيذ أحكام على مقتنيات تاريخية ونياشين وأوسمة تعود للعصر الملكي، إضافة إلى كميات كبيرة من المشغولات الذهبية والتحف النادرة، داخل شقة في الزمالك، وذلك خلال تنفيذها حكماً قضائياً صادراً ضدّ نجل مالك الشقة، وهو "كريم. أ. ع"، نجل المستشار "أ. ع".
وكان المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، قد كشف لـ"العربي الجديد" أنّ المتهم في القضية هو المستشار أحمد عبد الفتاح، نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق، وهو مالك الشقة التي عُثِر على الآثار فيها، وهو موجود حالياً في دولة الكويت بسبب ظروف عمله في منصب كبير بالسلك القضائي الكويتي.
وتأكيداً للمعلومات التي نشرها "العربي الجديد" أصدر المستشار بالمحكمة الدستورية في الكويت، أحمد عبد الفتاح حسن، بياناً حول ما أثير عن وجود مقتنيات ثمينة بشقته في منطقة الزمالك في مصر، وما حدث من ملابسات حول الموضوع.
وحمل البيان الذي أصدره عبد الفتاح حسن ما يعتبر تفنيداً للاتهامات التي نشرتها مواقع مصرية نقلاً عن تحقيقات النيابة العامة في القضية، التي شكر السيسي القضاة عليها، وهو الأمر الذي يهدد بنسف القضية من أساسها.
وقال المستشار في البيان الذي نشرته صحيفة "الأنباء" الكويتية: "تصحيحاً لما تمّ تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي من وقائع منبتة الصلة بحقيقة ما يجري بخصوص الشقة الكائنة بمنطقة الزمالك، فإنّ الشقة المشار إليها التي جرى التنفيذ عليها، يشغلها السيد المستشار أحمد عبد الفتاح حسن، والسيدة حرمه، وجميع المقتنيات الموجودة بها مملوكة بالكامل لهما، ولا صلة لابنه کریم بها ولا يوجد في الشقة أي منقولات أو أثاث خاصة به".
وتابع البيان قائلاً إنّ عائلته "لها تاريخها السابق والحاضر، ومعروف لدى الجميع عراقتها، وأن المستشار أحمد عبد الفتاح حسن شغل في وقت سابق نائب رئيس مجلس الدولة حتى عام 2002، وقبلها أعير للعمل مستشاراً للشؤون القانونية لسلطة عُمان، وهو من جيل جهابذة القضاء الإداري والدستوري، فالعائلة العريقة التي ينتمي إليها وما توارثه منها من أملاك ومقتنيات لا تدع مجالاً للشك في مشروعية ما يحوزه ويحتفظ به من مقتنيات، سواء كانت ترجع إلى العصر الملكي أو غيره، فضلاً عن أن المعروف عنه لدى جميع معارفه وأصدقائه أنه يهوى جمع التحف الفنية والمجوهرات، ويتابع بشغف الدراسات الفنية حولها منذ صغره، ولديه خبرة كبيرة في المجالات الفنية".
وأضاف أنّ "الأوسمة والنياشين تخصّ الأسرة، أما المقتنيات الملكية فمعظمها متوارث من الأسرة، وبعضها اشتراه من مزادات أقامتها الدولة في الأزمنة السابقة بطريقة رسمية أو ممن اشتراها بهذا الطريق، ثم قام ببيعها بعد ذلك دون حظر على بيعها، وكذلك المجوهرات والمشغولات الذهبية والفضية واللوحات الفنية وغيرها".
وشدد البيان على أن "أساس الأمر أنه يوجد نزاع مدني بين أحد الورثة من العائلة ونجل المستشار، وتحصل على حكم بإلزامه بأداء مبلغ مالي وبموجبه قام بإجراءات تنفيذ ذلك الحكم على شقة لا تخصه، وليست لها علاقة بنزاع الورثة، خاصة أن المستشار أحمد عبد الفتاح حسن يقيم خارج مصر منذ أكثر من عشرين عاماً، ولا يتردد على الشقة إلّا في الإجازات السنوية القصيرة، وسيرته القضائية المشرّفة تسبق اسمه في تاريخه".
وقال مصدر بمجلس الدولة في مصر، رفض ذكر اسمه، إنه "يثق بالمستشار أحمد عبد الفتاح حسن، كما يثق به جميع القضاة الذين عملوا معه في مصر والكويت"، مضيفاً أنّ "القضاة المصريين الذين يعملون بالكويت سيقفون مع حسن وسيدعمونه بشدة في قضيته، وكذلك السلطات الكويتية التي تثق أيضاً بحسن".
ولفت إلى أنّ القضية "كشفت عن ضعف الأجهزة الأمنية المصرية، وفشلها في إجراء التحريات السليمة في القضية، إذ إنّ ضابط تنفيذ الأحكام الذي قام بالضبطية، "تصور أن المقتنيات التي كانت بالشقة هي آثار غير مصرّح بتداولها".
وأضاف المصدر أنّ الأمر نفسه تكرّر مع وزير العدل، المستشار عمر مروان، الذي تسرّع في إبلاغ رئيس الجمهورية بالواقعة دون الإلمام بجميع أبعاد القضية، وهو ما تسبّب في ورطة لمؤسسة الرئاسة التي سارعت بشكر القضاة و"تنفيذ الأحكام" على القضية دون اكتمالها.
والمعروف أنّ السيسي ومروان يرتبطان بعلاقة نسب، إذ إنّ ابنة شقيقة السيسي، خلود الزملي، هي زوجة ابن شقيقة مروان، أحمد بغدادي، وقد حضر الرئيس وقرينته مراسم عقد قرانهما في مارس/ آذار الماضي.
وقال البيان الرئاسي الذي صدر الأربعاء إنّ عبد الفتاح السيسي اجتمع، الأربعاء، مع المستشار عمر مروان، وزير العدل، ووجه الشكر إلى القضاة وموظفي إدارة تنفيذ الأحكام في محكمة جنوب القاهرة، وذلك لجهودهم في ضبط إحدى القضايا المهمة التي ستُعلَن تفاصيلها بعد الانتهاء من جميع الإجراءات.
وبعد إعلان الرئاسة، سارعت الصحف والمواقع المصرية التابعة للمخابرات العامة، إضافة إلى إعلاميين، مثل مصطفى بكري ومحمد الباز، إلى تناول القضية والحديث فيها، بل وصل الأمر بالباز وبكري إلى وصف شقة المستشار بأنه "مغارة علي بابا".
وقال مصدر قضائي إنه تمّ ندب عدة لجان من جهات متخصّصة لحصر وفحص التحف والمجوهرات تحت إشراف قضائي، على أن يتم إعداد تقرير بما تنتهي إليه هذه اللجان حتى يتم اتخاذ اللازم قانوناً.
وشكّلت وزارة العدل عدّة لجان من وزارات الآثار والمالية والثقافة لفحص كميات كبيرة من مقتنيات نياشين وأوسمة تاريخية تعود للعصر الملكي، بالإضافة إلى المشغولات الذهبية والتحف النادرة التي عثرت عليها الأجهزة الأمنية داخل الشقة.
وتفحص أجهزة الأمن بالقاهرة مصادر الحصول على الكنوز الأثرية، التي عُثر عليها داخل شقة بمنطقة الزمالك منذ عدة أيام، ويقوم رجال المباحث بالتنسيق مع الجهات المختصة بعمل التحريات وفحص القطع الأثرية للوقوف على ملابسات الواقعة التي تشغل الرأي العام، حيث تتخطى قيمة الكنوز مئات الملايين من الجنيهات.
تعود الواقعة إلى حين قيام مباحث تنفيذ الأحكام بمحكمة جنوب القاهرة بتنفيذ حكم قضائي ضدّ نجل مالك الشقة لصالح آخر، بسبب وجود تعاملات تجارية، حصل الأخير على حكم بالحجز على الشقة وعندما وصلت مباحث تنفيذ الأحكام فلم تجد أحداً فيها كسرت باب الشقة فوجدت الشقة داخلها كمية ضخمة من المقتنيات الأثرية والأشياء النادرة والثمينة فتم التحفظ عليها وأخطرت النيابة العامة بالواقعة.
كما تبين أن الصادر بحقه الحكم القضائي والموجود حاليا في دولة الكويت بسبب ظروف عمله بمنصب كبير، وصادر ضده حكم إلزام بسداد مبالغ مالية، للخصم الحاصل على الحكم، هو خال نجل مالك الشقة، إذ فوجئت قوة الشرطة بوجود المقتنيات الأثرية وتم وتحريز المضبوطات من قبل النيابة العامة، وجرى تشكيل لجنة فنية لفحص المضبوطات، وبيان مدى أثريتها من عدمه.