قصور تونس.. عمارات تراثية متاحف ودور ثقافة اليوم

14 سبتمبر 2024
لم تفقد القصور تفاصيلها رغم مرور زمن على تشييدها (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- جمعيات صيانة المدن، بإشراف البلديات والمعهد الوطني لحماية التراث، تقوم بترميم القصور التاريخية في تونس، مما يجذب السياح ويحافظ على تاريخ المدن القديمة.
- قصور مثل دار الأصرم ودار باش حامبة ودار بن عبد الله تحولت إلى دور للثقافة ومتاحف، وتستضيف حفلات موسيقية ومعارض فنية.
- معالم تاريخية أخرى تشمل المتحف الوطني بباردو وقصر السعادة في المرسى وقصر حبيبة مسيكة في تستور، وتتميز بزخارفها الفريدة وتاريخها العريق.

ترمّم جمعيات صيانة المدن بإشراف البلديات والمعهد الوطني لحماية التراث في تونس  قصوراً تمثّل الموروث القديم الذي يجلب السياح، ويحافظ على تاريخ المدن القديمة.

تتميّز المدن العتيقة في جميع محافظات تونس بالعمارة التثراية، والمعالم الدينية، وقصور البايات، والدور التي تنفرد بتصاميم وزخارف تختلف عن العمارة الحديثة.
وفي المدينة العتيقة بالعاصمة تونس هناك دار الأصرم التي شيّدت في القرن التاسع عشر، ودار باش حامبة، ودار بن عبد الله، ودار الدولاتلي، وقصر ابن خلدون، ودار بودربالة، ومدرسة بئر الأحجار، وهي قصور تسمّى غالبيتها بدور، أي جمع دار التي تبنى في تونس بطريقة تختلف عن البيوت العصرية اليوم. 
وتتألف الدار في الغالب من غرف وقاعات جلوس، وتتضمن فسحة كبيرة في المنتصف. وتبنى كل غرف الدار بطريقة مشابهة، ويجري تزيين جدرانها بالسيراميك والجبز المنقوش، في حين تكون فسحتها ذات بلاط رخامي. وكانت غالبية الدور أملاكاً لعائلات حكمت تونس وأعيان البلاد. 
وبقيت هذه القصور مغلقة لسنوات، حين كان يكتفي المارة بمشاهدة أبوابها الضخمة وجدرانها ذات النقوش والزخارف التي لم تفقد تفاصيلها، رغم مرور زمن على تشييدها، ثم تحوّلت غالبيتها اليوم إلى دور للثقافة ومتاحف لعرض منتجات صناعية وتقليدية أو أعمال فنية. 

دور الأعيان

بنى حمودة الأصرم، وهو عسكري من أعيان الحكم الحسيني، دار الأصرم التي تتميّز بالزخارف في كل جدرانها وأسقفها، وغالبيتها معالم مستوحاة من الأنماط الأندلسية والعثمانية. وأصبحت الدار اليوم مقراً لجمعية صيانة مدينة تونس ونادي الطاهر الحداد، وتحتضن حفلات موسيقية وسهرات شعرية في إطار تنشيط الحياة الثقافية للمدينة العتيقة. 

وتتميّز دار باش حامبة بسقف خشبي وزخارف على الجدران والأعمدة والتيجان، وتتضمن ساحة يغطيها الرخام مثل بقية دور الأعيان وقصور العائلات الحاكمة. 
وكان يسكن دار باش حامبة عائلة من أصول تركية، وأصبحت اليوم متحفاً ثقافياً لعرض الأزياء التقليدية التونسية والمنحوتات الطينية والصناعات الخزفية التي جرى جمعها من مختلف مناطق البحر الأبيض المتوسط. كما تُنظّم فيها ملتقيات ثقافية، على غرار معارض للوحات فنية وملتقيات شعر وأدب وندوات فكرية.
وتوجد تلك القصور في المدينة العتيقة بالعاصمة تونس، وتشهد حركة كبيرة طوال السنة من قبل زوار المتاحف والسياح. 
وتوجد أيضاً دار بن عبد الله في باب الجزيرة بالعاصمة تونس. وهي تأسست في القرن الـ18 حين امتلكها الحاج محمد بن علي القسنطيني، ثم انتقلت الملكية إلي سليمان "كاهية"، وهو قائد عسكري في عهد حمودة باشا باي تزوج ابنة محمد باي الذي حكم من عام 1814 إلى عام 1824، وكلّف بقيادة الجيش النظامي. 

تنفرد القصور بتصاميم وزخارف تختلف عن العمارة الحديثة (العربي الجديد)
تنفرد القصور بتصاميم وزخارف تختلف عن العمارة الحديثة (العربي الجديد)

وبقيت "دار الكاهية" ملكاً لسليمان "كاهية" حتى عام 1875، وبيعت بالمزاد العلني بعد وفاته إلى أحد أعيان البلاد، وهو الطاهر بن صالح بن عبد الله الذي يحمل القصر اسمه حتى اليوم. وبعد الاستقلال تحوّلت الدار إلى مركز للفنون والتقاليد الشعبية، وتشهد زيارات يومية وتنظيم أمسيات شعرية ومعارض فنية. 

متحف باردو

وفيما يمثل المتحف الوطني بباردو أبرز المعالم القديمة في تونس، يُعتبر في الأساس قصراً قديماً للبايات شيّد في القرن التاسع عشر، ويضم أكبر مجموعة فسيفساء في العالم. 
وبعد عمليات تهيئة جزئية للمتحف، كي يتناسب مع ثراء المجموعات المعروضة، وتزايد عدد الزوار، انطلق مشروع تجديده وتطويره في ربيع 2009، بعدما وفّر البنك الدولي للإنشاء والتعمير حينها قرضاً بقيمة 30 مليون دينار. وأضيف جناح جديد بتصميم معماري معاصر خلف المعلم التاريخي الموجود، الذي خضع أيضاً إلى إعادة تهيئة. 
وهكذا تضاعفت مساحة المتحف، وبالتالي عدد المعروضات، وصولاً إلى 8000 قطعة أثرية وفنية. وأصبح يحافظ على مجموعات فنية ذات قيمة تاريخية. 

تحتضن قصور حفلات موسيقية وسهرات شعرية (العربي الجديد)
تحتضن قصور حفلات موسيقية وسهرات شعرية (العربي الجديد)

أيضاً لا يختلف قصر السعادة عن بقية القصور أيضاً في قيمته التاريخية، ويقع في مدينة المرسى، وبناه الناصر باي إكراماً لزوجته في عهد محمد باشا، ثم أصبح مقراً لإقامة الملوك والبايات. وهو جديد نسبياً مقارنة بباقي القصور العثمانية.
وبعد الاستقلال أصبح قصر السعادة بالمرسى ملكاً للحكومة التونسية الوطنية، وسكن فيه في مرحلة أولى ولفترة قصيرة الزعيم الحبيب بورقيبة، بعد انتخابه أول رئيس للجمهورية التونسية في 25 يوليو/ تموز 1957، وذلك في انتظار انتهاء أشغال الترميم والتوسيع في قصر قرطاج. وبعدها أصبح مقراً لبلدية المرسى.

حبيبة مسيكة

وفي مدينة تستور، بمحافظة باجة، يوجد قصر حبيبة مسيكة، الأكثر شهرة في المنطقة. وحبيبة مغنية وراقصة شهيرة في النصف الأول من القرن العشرين في تونس، وأدت العديد من الأدوار المسرحية في تونس وخارجها، وتميّزت بجمالها الباهر الذي أسر إلياهو ميموني أحد أكبر التجار في المنطقة. واستغلت حبيبة مسيكة حب ميموني لها، وطلبت منه أن يبني لها منزلاً في تستور باستخدام نوع معين من الرخام، كما فرضت أن يكون لكلّ غرفة نوع مختلف من السيراميك.

ولبّى ميموني كل المطالب، لذا شيّد لحبيبة قصراً اختلف عن كلّ البيوت في منطقة تستور. وتحوّل اليوم إلى معلم مهم للزوار المحليين والسياح الذين يقصدونه لمشاهدة زخارف جدرانه وبلاطه الرخامي، والتفاصيل في كلّ غرفة.
واللافت أن واجهة القصر بسيطة جداً، لكنه لا يختلف في رونقه وجماله عن أي قصر لأعيان البلاد في تلك الفترة. 
ويشير المؤرخ عبد الستار عمامو إلى أنّ المدينة العتيقة في العاصمة تونس تضم أكثر من 850 معلماً تاريخياً، تتوزع بين دينية ومدنية وعسكرية، إضافة إلى قصور البايات ودور أعيان البلاد. وتتميز غالبيتها بالطابع الأندلسي، خصوصاً تلك التي شيّدت في القرنين السابع عشر والثامن عشر، في حين تتميّز العديد من القصور التي شيّدت في القرن التاسع عشر بطابعها الأندلسي والأوروبي.

معالم مستوحاة من الأنماط الأندلسية والعثمانية (العربي الجديد)
معالم مستوحاة من الأنماط الأندلسية والعثمانية (العربي الجديد)
المساهمون