قصة صمود الفلسطينية مرح السطري وشقيقاتها في مصر

20 مايو 2024
تعيش مرح على ذكرياتها مع أمها الشهيدة كاميليا (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- انطلقت مرح السطري وأخواتها من خانيونس إلى مصر حاملين أمل إنقاذ شقيقهن رأفت المصاب بالفشل الكلوي، لكنه توفي بعد يوم من وصولهم، تاركًا إياهن في غربة بلا أب أو أخ.
- في مصر، واجهت مرح وأخواتها تحديات الحياة والغربة بقوة، محاولات التأقلم واستكمال دراستهن عبر المدرسة الافتراضية بمساعدة معلمات من الضفة الغربية، رغم الصعوبات وإنكار العالم لحقوق الفلسطينيين.
- تعيش الأخوات حالة من الحنين لأمهن والقلق على مصير شقيقهن محمود الباقي في غزة، متمسكات بذكرى والدتهن وأمل في مستقبل أفضل، شاهدات على الصمود والأمل في وجه الألم والفقدان.

من مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، فرّت مرح السطري وأخواتها الأربع إلى مصر عبر معبر رفح برفقة شقيقهن رأفت المصاب بالفشل الكلوي، في محاولة لإنقاذه قبل أن يفتك به المرض، تنفيذا لوصية أمهن قبل استشهادها، والتي كانت تخشى أن يلحق بها ابنها قبل أن يبدأ العلاج.
لحق رأفت بأمه بعد يوم واحد من السفر إلى مصر، فبقيت مرح وشقيقاتها من دون أب أو أخ في بلاد الغربة، يحاولن قدر المستطاع التعرف إلى الشارع، والبائع، والحصول على الدفاتر ليستكملن دراستهن بمساعدة معلمات من الضفة الغربية تطوعن لتدريس الطلبة الغزيين عن بعد فيما يعرف بالمدرسة الافتراضية. تحاول الفتيات البقاء قويات، وإثبات وجودهن في مواجهة إنكار العالم على الفلسطيني حقه في الدفاع عن الأرض والعرض.
تشتاق مرح (22 سنة) لرأس أمها التي كانت تتكئ إلى جانبها، وإلى يدها الحانية التي كانت تقبّلها. لا تصدّق بعد مرور نحو سبعة أشهر أنها فقدت أمها جميلة الوجه، ممشوقة القوام، وتتساءل كيف ستعيش بلا أم، وكيف ستعيش أخواتها، وكيف ستكون مسؤولة عن أسرة بهذا العدد في الغربة.
تحاول الفتيات الخمس استكمال عامهن الدراسي بعد أن أتاحت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية التعلم عن بُعد للطلبة الفلسطينيين، والذين بات يطلق عليهم "النازحون إلى مصر".
تظل مهمة عيش الفتيات الخمس اليتيمات بشكل اعتيادي صعبة في ظل إمكانياتهن المحدودة بعد فقد والدتهن، وعدم معرفتهن أي معلومة عن مصير والدهن، وفي ظل قلق دائم على الأخ الوحيد المتبقي محمود (18 سنة)، والذي لم تسمح له الظروف بمغادرة الخيمة للحاق بشقيقاته، وهو على مشارف بدء مستقبله الجامعي كونه في السنة الثالثة من مرحلة الثانوية العامة، وهي مرحلة مفصلية في حياة الطالب الفلسطيني.
تعد مرح الشقيقة الكبرى، بينما شقيقتها فاطمة عمرها 14 سنة، وليان (13 سنة)، وشروق (11 سنة)، ومسك (تسع سنوات)، وقد فقدن والدتهن في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين قصف الاحتلال الإسرائيلي حيّهن السكني في منطقة جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ومستشفى الأمل بوسط مدينة خانيونس.

الشهيدة الفلسطينية كاميليا السطري (العربي الجديد)
الشهيدة الفلسطينية كاميليا السطري (العربي الجديد)

تقول مرح: "كانت أمي في منزل شقيقها قرب صلاة المغرب، وكانت تحتضن شقيقي أحمد (ثلاث سنوات)، في حين كانت شقيقتي ورد (خمس سنوات) تلهو مع ابنة خالي دهب. لم يكن أيهم يعلم أن الفراق الأبدي قد حان. كان أحمد يحمل هاتف والدتي ليشاهد الرسوم المتحركة في مسعى منها لإلهائه عن صوت الانفجارات، فباغتهم قصفٌ مدوٍ استهدف الحي كله، ودمر منزل خالي حيث توجد أمي. دمر القصف 11 منزلاً، وحين هدأ الغبار وخفتت الحرائق، أخذت أبحث عن والدتي، وكنت أناديها (يما. يما)، وكان الجميع يصرخون ويبكون وينادون على أحبابهم، وهناك جرحى يصرخون من الألم".
تضيف: "رأيت آباء وأمهات يحتضنون أطفالهم ويحاولون الخروج من بين الركام والأنقاض، وكنت أنتظر خروج أمي، وحين أتى أفراد الإسعاف، هرعت إليهم ظناً أن أحدهم انتشل أمي، فلم أجدها، وقد قال لي البعض إن أمي على قيد الحياة، فاستبشرت خيراً، وانتظرت طويلاً كي أراها، حتى لو كانت مصابة. كنت أريد رؤيتها واحتضانها".
تتابع: "أخبرني ناجون أن والدتي على قيد الحياة، لكنها تصرخ طالبة تزويدها بالأكسجين، ونقلها المسعفون إلى المشفى من دون أن أتمكن من رؤيتها، وكان القلق ينهش روحي وقلبي. مر الوقت بطيئاً، وحين توجهت إلى المشفى، علمت أن والدتي كانت أول من فارق الحياة بعد أن ناضلت لبضع دقائق من أجل أطفالها، فقد ملأ الغبار رئتيها، وكانت إصابتها في مقتل، لترتقي شهيدة مع أحمد وورد".

تتمتم مرح: "كانت أمي تجلس مع رأفت أثناء تلقيه العلاج على جهاز الغسل الكلوي، وتحاول أن تخفف عنه آلامه، لكنها لم تكن تعلم أن روحها التي ارتبطت به في الحياة سترتبط به في الموت أيضاً، فقد فارق الحياة بعدها بأربعة أشهر فقط. ينتابني حزن كبير لا يفارقني، وأحاول البقاء على قيد الحياة من أجل إخوتي، لكن الحزن يملأ قلبي، ويشعرني أنني فارقت الحياة في ذات اليوم الذي فارقتني فيه أمي".
تضيف: "يعزيني أن أمي نالت الشهادة، والشهادة اصطفاء، فهنيئاً لها شهادة تستحقها، فقد نالت أجمل وسام يمكن أن تناله الأمهات بعد أن أدت رسالتها. أما نحن، فعلى باب الله، نعيش على شعرة الأمل، ونتأمل بالله خيراً. نشتاق لكل وجه تركناه خلفنا حياً فوق الركام، أو شهيداً تحته، ونعلم أن كل حالٍ يمر، وأن المُر أيضاً يمُر، وأن سنّة الحياة أن نفارق، وأن نفتقد الأحباب ويعوضنا الله بآخرين".

المساهمون