قتل الأطفال... جرائم أسرية متزايدة في العراق

29 يناير 2021
الخطر الأكبر يطاول الأطفال الأصغر سناً (زيد العبيدي/ فرانس برس)
+ الخط -

زادت جرائم قتل الأطفال وتعنيفهم في العراق بالترافق مع أزمات عدة تشهدها البلاد، لكنّ المفاجئ هو ارتفاع عدد الجرائم التي يرتكبها أحد الوالدين ضد أطفاله، في انعدام كامل للقيم التي تُبنى عليها الأسرة

تكشف أرقام حصلت عليها "العربي الجديد" من مسؤولَين في وزارة الصحة العراقية، طلبا عدم الكشف عن اسميهما، مقتل 23 طفلاً في مدن متفرقة من العراق، خلال العام الماضي 2020، على يد ذويهم، من جراء العنف الأسري المستشري في البلاد منذ مدة، بينما أدخل نحو 50 آخرين إلى المستشفيات بسبب تعرضهم للضرب المبرح المفضي إلى الكسور أو الحروق. وتصدرت بغداد وديالى والبصرة جرائم العنف ضد الأطفال، وسط استمرار عرقلة كتل وأحزاب دينية في البرلمان العراقي تمرير اقتراح قانون مكافحة العنف الأسري، بدعوى أنّه استنساخ لقوانين غربية تشجع الفتاة والمرأة والطفل على التمرد، لوجود فقرة فيه تنص على إنشاء دور إيواء للمعنفين ومساعدتهم في استكمال حياتهم بالطريقة التي يرغبون فيها ويختارونها.

قضايا وناس
التحديثات الحية

يقول أحد المسؤولين في وزارة الصحة العراقية لـ"العربي الجديد"، إنّ الأطفال الثلاثة والعشرين جرى تسجيل وفاتهم إما في المنازل أو في المستشفيات عقب نقلهم إليها، وأغلب الحالات سببها الضرب العنيف، باستثناء حالات عدة من جراء الطعن بالسكين، وحالتي رمي في النهر، كما رمت امرأة طفليها في خزان ماء كبير. ويرجح أن يكون العدد الحقيقي أكبر "بسبب عدم إحاطة السلطات الأمنية والصحية علماً بكلّ الحالات، خصوصاً في المناطق الريفية، فيما تتراوح أعمار الضحايا بين بضعة أيام و13 عاماً".
كذلك، قال المسؤول الآخر في الوزارة نفسها، إنّ العاصمة بغداد ومحافظتي ديالى والبصرة، تحتل الصدارة في تلك الجرائم "وإذا ما جرى احتساب الأطفال حديثي الولادة الناجمين عن علاقات غير شرعية والذين يجري إلقاؤهم قرب المساجد أو في الساحات الخالية ليلاً للتخلص منهم ويموتون بسبب ذلك، فإنّ عدد الضحايا سيكون أكبر". يضيف أنّ "هذه الظاهرة غير معهودة في المجتمع العراقي، لكن، لا بدّ من التعامل معها كمشكلة اجتماعية مؤذية ومخجلة أيضاً".

جملة أسباب
يعتبر باحثون أنّ المثير في ظاهرة العنف ضد الأطفال هو إقدام الأبوين، أو أحدهما، على تعنيف أطفالهما بدلاً من حمايتهم بشكل لم يسبق حدوثه من قبل. تقول الباحثة الاجتماعية، زينب ناطق لـ"العربي الجديد": "تصاعد العنف ضد الأطفال بصورة مخيفة داخل المجتمع العراقي هو نتيجة للمشاكل الأمنية والاقتصادية والصحية، خصوصاً بعد تفشي فيروس كورونا الذي أجبر الناس على التزام منازلهم وعدم الخروج في فترات الحجر الصحي، ما فاقم من المشاكل الأسرية بشكل لافت وخطير، فكانت للأطفال حصة كبيرة من هذا العنف الذي يؤثر في مستقبلهم ومستقبل البلاد في ظلّ تنشئة أطفال معنفين، خصوصاً أنّ نسبة الذين قتلوا منذ مطلع العام الماضي حتى اليوم لا تقلّ عن طفلين كلّ شهر، بالإضافة إلى جثث الأطفال الرضّع التي وجدت في العراء". 
تضيف ناطق: "لا يكاد يخلو شهر من سماعنا عن جريمة مرعبة ضد الأطفال، والمدهش أنّ أغلب جرائم القتل ارتكبها أحد الأبوين في تطور خطير جداً يشير إلى التفكك الأسري، كما أنّ أغلب الآباء والأمهات الذين قتلوا أو عنفوا أطفالهم هم في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، وهو ما يفسر انعكاس ما يعيشه المجتمع من أزمات على الوضع الأسري وعدم تمكن المتزوجين من تحمل مسؤولية الأسرة والأطفال". وتؤكد ناطق، الباحثة في مركز "حواء للإغاثة والتنمية" (غير حكومي) أنّه لا يمكن أن تصل جميع حالات العنف ضد الأطفال إلى مسامع المحاكم العراقية أو حتى وسائل الإعلام "ومهما لاحظنا من ارتفاع في حالات العنف فهي أقل بكثير من الحقيقة". 

الصورة

وتلفت إلى أنّ "معالجة العنف، خصوصاً عنف الوالدين ضدّ أطفالهما، تكون عبر وقفه عاجلاً ومساعدة الأطفال على الإحساس بالأمان، لأنّ الوالدين هما مصدر الأمان والحنان للأطفال ولا ينبغي أن يكونا غير ذلك، كما يجب تنظيم ندوات توعية للأهل لا سيما المتزوجين حديثاً، لشرح السلوك السليم وكيفية التعامل مع الأطفال، مع تفعيل القوانين التي تعاقب مرتكبي جرائم العنف ضد الأطفال".
حول ذلك، تقول الدكتورة أسماء عبد الجبار، إنّ "العنف الواقع على الأطفال له دوافع عدة، في مقدمها المشاكل الأسرية ومنها العزلة الاجتماعية، وضعف الروابط العائلية بين أفراد الأسرة الواحدة، وغياب التنظيم، وطغيان الفوضى على الحياة اليومية، وهو بحسب ما نراه يؤدي إلى نتائج غير منطقية من الطفل، فضلاً عن امتلاك الأبوين عواطف وأفكاراً تدعو إلى العنف ضد الأطفال، وقلة معرفة الأبوين بطريقة تربية الأطفال والتعامل الصحيح معهم". 
تتابع عبد الجبار، وهي رئيسة قسم الأمومة والطفولة في جامعة "ديالى" شرقي العراق في حديثها لـ"العربي الجديد" أنّ المشاكل والضغوط النفسية التي يمرّ بها أحد أفراد الأسرة تقود إلى العنف ضد الطفل، فقد يُعاني أحد الوالدين من الاكتئاب أو من الأمراض العقلية أو الجسدية الدائمة، ما ينعكس سلباً على أطفاله. تضيف أنّ هناك كذلك أسباباً اجتماعية كانتشار العنف في المجتمع، كما القناعة المجتمعية بملكية الوالدين لطفلهما ومعاملته وفقاً لذلك، فضلاً عن نقص التعليم وانتشار الجهل في المجتمع، وانتشار العنصرية وعدم المساواة. 
تتابع: "لا نغفل أيضاً عن الأسباب الاقتصادية كالفقر وتراجع الوضع المعيشي للأسرة، والبطالة، والسكن غير الملائم". وتلفت إلى أنّ هناك ما لا يقل عن 40 في المائة من الأطفال في العراق يتعرضون لعنف أسري داخل منازلهم، فيما 60 في المائة منهم يتعرضون للعنف عموماً من مصادر أسرية وغير أسرية. وتؤكد عبد الجبار أنّه يمكن أن يكون للمجتمع بصورة عامة والمجتمع المدني بشكل خاص دور في إعادة تأهيل الأطفال المعرضين للعنف، لكنّها تبقى جهوداً فقيرة، لأنّ هذه المنظمات والجمعيات لا تمتلك البيانات الحقيقية لأطفال تعرضوا للعنف، مما يحدّ كثيراً من عملها. تؤكد في المقابل، أنّ مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الحكومة، لوضع ضوابط توفير الحماية الجنائية للأطفال من الإساءة والإهمال والاستغلال بأشكاله كافة، مع فرض العقوبات على جميع أشكال الاستغلال القسري لهم، ومتابعة تنفيذ التدابير التشريعية اللازمة لحماية الطفل من العنف، والتعاون والتنسيق مع الأجهزة الأمنية المعنية بشؤون الطفل، والإبلاغ عن حالات إساءة معاملة الأطفال أو تعنيفهم.

أثر الحروب
وفي الإطار نفسه، يوضح أستاذ علم النفس، البروفسور عدنان محمود، أنّ المجتمع العراقي يعيش في حروب دائمة منذ أربعة عقود، وهي حروب تؤثر سلباً في المجتمع، خصوصاً في أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر وهم نسبة كبيرة. يتابع أنّ الحروب المتواصلة أدت إلى الطلاق والانتحار واليأس والملل كما الفقر المدقع، وكلّها أسباب تؤدي إلى نتائج خطيرة مثل قتل الأبوين لأطفالهما بدافع الخلافات الأسرية، أو حتى تعنيف الأطفال بشكل مفرط. ويؤكد محمود، العميد السابق في جامعة "ديالى" أنّ الأنانية وعدم القدرة على التحكم بالغضب، لهما تداعياتهما الخطيرة على الأطفال خصوصاً من هم دون السادسة، فلا ذنب لهم غير أنّهم ولدوا لأبوين يعيشان أزمات نفسية أو اقتصادية أو خلافات زوجية. يتابع: "نجد أنّ ما بين 1 إلى 2 من بين كلّ خمسة أطفال معرض لأحد أنواع العنف كالضرب، والإهانة، والتعنيف والقتل، والعنف المدرسي، والتنمر، والاغتصاب، والعنف في مكان العمل". ويلفت إلى أنّه "لا يمكن إغفال دور المخدرات المنتشرة، وغياب البيئة الآمنة للأسر العراقية التي تحولت منازلها إلى ساحات عنف بجميع أشكاله". أما بالنسبة للحلول فمن أبرزها، كما يقول "نشر العدالة المجتمعية، وتوفير بيئة آمنة مطمئنة، وتعزيز الاقتصاد، وخلق فرص العمل التي تشغل الفرد بعمله ولا تجعله يفكر بإيذاء نفسه أو أطفاله أو الآخرين".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

من جهته، يقول الحقوقي أحمد عبد الخضر الجاسم، لـ"العربي الجديد": "قانونياً، أوضح قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، وكذلك قانون رعاية الأحداث العراقي، أهم العقوبات التي تخص ذلك، فقد أكد قانون رعاية الأحداث على عقوبة سلب الولاية من الأب أو الأم في حال تعرض الطفل للإساءة أو الاعتداءات، كما تطرق قانون رعاية القاصرين رقم 97 لسنة 1980 في بعض مواده إلى حماية حقوق الطفل. وأشار قانون العمل رقم 35 لسنة 2015، في بعض فقراته إلى مسألة حماية حق الطفولة". يضيف أنّ "للشرطة المجتمعية دوراً بارزاً في التقليل من حوادث العنف عن طريق ردع المخالفين".

حوادث بارزة
بلغ عدد القضايا الخاصة بتعنيف الأطفال أمام المحاكم العراقية 1606 خلال العام ما قبل الماضي 2019، بحسب مجلس القضاء الأعلى. وقبل نحو شهرين، ضج الشارع العراقي بحادثة إلقاء أم لطفليها في نهر دجلة وسط بغداد، لكنّه سرعان ما صدم بجريمة نحر أب لابنه البالغ من العمر 3 أعوام فقط بسكين جزّ بها رقبته، في الخامس من الشهر الجاري، وذلك في شرق بغداد. كذلك، ألقى أب ابنته من شرفة المنزل في الدور الثاني، قبل أيام، ما تسبب بنقلها إلى المستشفى، لتفارق الحياة هناك عن عمر 6 أعوام فقط.
ومنذ بداية العام الماضي 2020، وفي أول أيامه عثر في محافظة ديالى على طفل رضيع داخل أسواق مدينة بعقوبة ميتاً، ثم توالت الأحداث بالعثور على أكثر من 10 أطفال رضّع في مختلف المحافظات بعضهم توفي نتيجة تعرضه للبرد والجوع.

الصورة

وفي مايو/ أيار الماضي، شهدت منطقة الزبير بالبصرة، ارتكاب أب يعمل شرطياً، جريمة تعذيب ابنته حتى الموت. وكشفت الأم عن التعذيب بعد موت ابنتها. وفي الشهر نفسه تناقلت وسائل الإعلام خبر العثور على جثمان طفل عمره ثمانية أعوام يدعى شاهين وسام، مهشم الرأس تحت أحجار كبيرة، في أحد المساجد المهجورة في محافظة نينوى، بعد تعرضه لجريمة اغتصاب وقتل بشعة. وفي مدينة الناصرية، جنوبي العراق، اغتصب رجل (50 عاماً) طفلاً عمره 9 أعوام وقتله، ليُلقى القبض عليه لاحقاً.
في الثاني من يوليو/ تموز الماضي، صدم الشارع العراقي بإقدام أب على حرق أطفاله الأربعة في كربلاء، وذلك بإضرام النار داخل غرفة نومهم، وتتراوح أعمارهم بين 6 أعوام و13 عاماً، متذرعاً بخلافات مع زوجته. في الشهر نفسه، ألقت شرطة العاصمة القبض على رجل من مدينة الصدر، عذب طفله، ويدعى سجاد رسول سالم (18 شهراً)، قبل أن يخنقه، مما تسبب بنزيف في الدماغ أدى إلى مقتله، من دون معرفة دوافع الجريمة. وفي الشهر نفسه عثر على جثماني طفلين توأمين يبلغان من العمر خمسة أشهر، في خزان للماء في منزلهما، وبعد التحقيقات اعترفت الأم، بأنّها هي من رمت طفليها في خزان الماء بسبب خلاف مع أهل زوجها.
في 20 أغسطس/ آب الماضي ألقي القبض على رجل (24 عاماً) داخل منطقة الحميدية في بغداد، بعدما نحر طفله (6 أشهر) بسكينٍ حادة. وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، قُتلت طفلة (12 عاماً) بعد اغتصابها، جنوب شرقي بغداد. الكشف الأولي أثبت تعرضها للاغتصاب، ثم القتل خنقاً، وذلك بعدما ضربها الجاني بآلة حادة، داخل منزلها.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان لنهر دجلة نصيبه من الأطفال، إذ أقدمت أم على رمي طفليها بعمر ثلاثة أعوام، وعامين، من جسر الأئمة في بغداد، وقد رصدت كاميرات المراقبة الحادثة.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ألقت شرطة محافظة دهوك، في كردستان، شمالي العراق، القبض على امرأة أقدمت على تعذيب وقتل ابنتها الرضيعة (4 أشهر) بسبب خلاف مع زوجها. وفي 28 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عُثر على رضيع في مدينة الصدر، قُتل خنقاً ورمي عند زاوية في حيّ سكني.

المساهمون