في الوقت الذي تُكافح فيه السلطات الهندية لمحاربة انتشار فيروس كورونا في المناطق والمدن الكبرى، تعيش القرى النائية، خاصة في منطقة جبال الهيمالايا، وضعاً كارثياً، مع غياب أي رعاية طبية تُذكر.
يُترك القرويون لمصيرهم، يحاربون الوباء بوسائل أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها شبيهة بالوسائل التقليدية للغاية، بحسب شهادة أدلت بها فالغين ديفي (51 عاماً)، لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية.
يترك القرويون لمصيرهم، يحاربون الوباء بوسائل أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها شبيهة بالوسائل التقليدية للغاية
ديفي أصيبت بفيروس كورونا، وهي لا تزال أسيرة المرض منذ أسبوعين تقريباً، ويزداد وضعها سوءاً. انتقلت من منزلها إلى حظيرة للماشية بعد ظهور الأعراض الخاصة بالفيروس لديها بعد فترة وجيزة من تلقيها الجرعة الأولى من اللقاح، إذ اكتشف زوجها وابنتها إصابتها، وقد خشيا انتقال الأعراض إليهما، فقررا عزلها بعيداً.
تتشارك ديفي الحظيرة مع بقرة وقطتين. ولم تنجح الخلطات العشبية أو زيارة الصيدلي في قرية قريبة في وادي نجمولا، حيث تعيش في جبال الهيمالايا، في تحسين حالتها الصحية.
تعمل ديفي في مركز "مجتمع أنجادوادي"، الذي تموّله الدولة، وهو متخصص في تقديم الحصص الغذائية للسكان. وعلى الرغم من عدم تقاضيها راتبها لثلاثة أشهر متتالية بسبب حالات الإغلاق، إلا أنها لم تترك وظيفتها، وتمكنت من خلال اقتراض الضروريات من المحال التجارية، كالدقيق والزبيب، من توفير الحصص للسيدات الحوامل.
تقول ديفي لصحيفة "ذا غارديان": "كان زوجي ينوي اصطحابي إلى قرية مجاورة تضم مركزاً صحياً"، إلا أن هذا المركز، بحسب كلامها، لا يضم أي كادر طبي، باستثناء ممرضة، تأتي شهرياً لإجراء التطعيمات الروتينية للأطفال، ومع انتشار فيروس كورونا، بدأت الممرضة في إعطاء اللقاحات ضد الفيروس.
أمام غياب الكادر الصحي في المركز، قرر زوج ديفي اصطحابها إلى صيدلي قريب يعمل في قرية مجاورة، إذ وصف لها المسكنات، كـ"البراسيتامول"، ومسكنات للألم الحاد في ظهرها، إلا أن الأدوية فشلت في توفير الراحة، وزادت الأوجاع والأعراض.
مشاكل جوهرية
لا تعاني القرى النائية في الهند من الافتقار إلى المرافق الطبية وحسب، بل أيضاً تفتقر إلى البنى التحتية. تقع القرية، حيث تسكن ديفي، على بعد 12 ميلاً (20 كم) من الطريق السريع الرئيسي المؤدي إلى "بادريناث"، أحد الأماكن المقدسة الأربعة في مناسك الحج الهندوسية الهامة.
مع عدم وجود طرق مناسبة، ووجود مركزين للرعاية الصحية فقط يعملان بشكل جزئي في جميع القرى العشر في الوادي، تفاقم الوباء الذي اجتاح الهند في هذه القرى البالغ عدد سكانها 16000 نسمة.
بحسب البيانات، يقع أقرب مستشفى لمعالجة السكان على بعد 24 ميلاً في مدينة جوبيشوار. للوصول إلى هناك، يجب نقل ديفي عبر نهر جليدي سيراً على الأقدام ثم إلى أعلى التل للوصول إلى الطريق، والسير على الأقدام نحو 9 أميال في طريق متعرج، قبل أن تتمكن سيارة الأجرة من نقلها إلى المستشفى. وحتى مع توفر سيارة الأجرة، فإن تكاليفها قد تصل إلى 50 جنيهاً، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى سكان القرية نظراً لانخفاض مداخيلهم.
تشير التقديرات إلى أن أكثر من 80 في المئة من السكان الذي يعيشون في الوادي يعانون من أعراض شبيهة بالحمى، بدأت معظمها بإصابات خفيفة، وعلى الرغم منذ ذلك فإن التوتر قد يبدو سيد الموقف في القرية.
في أوائل شهر مايو/أيار الماضي، عندما كان المرض في ذروته، كتب بريم سينغ (36 عاماً)، وهو ناشط في قرية دورمي - من القرى النائية في جبال الهيمالايا - إلى كبير المسؤولين الطبيين في المنطقة يطلب منه إرسال فرق اختبار للكشف عن الفيروس. ورغم المناشدات، فقد وصل فريق الاختبار الأول بعد أسابيع من النداء. في حينها، كانت الأعراض قد بدأت بالفعل في الانخفاض، إذ قرر الجميع البقاء في المنازل وشرب الخلطات العشبية. ولحسن الحظ، لم تسجل إصابات، وتمكن الشباب في القرية من مراقبة كل منزل لمنع السكان من الخروج والاختلاط. وعلى الرغم من أن هذه النتيجة كانت إيجابية، ولم يفتك المرض بالسكان، إلا أن سينغ يرى أن اللامبالاة من قبل السلطات أمر لا يوصف، ولا يحتمل، ويهدد معيشتهم.
يصف الدكتور ماهيندرا سينغ خاتي، كبير المسؤولين الطبيين في مستشفى جوبيشوار، الوضع بالصعب، ويقول إنه "في العام المنتهي، في مارس/آذار الماضي، سجلت في المستشفى نحو 15 حالة وفاة فقط بسبب كورونا، لكن في الشهرين الماضيين ارتفع العدد إلى 40 حالة". ووفق الطبيب، فإن المرض فتك أيضاً بالممرضين. ويؤكد أنه على الرغم من التحديات، قام العاملون في مجال الرعاية الصحية وفرق الاختبار المتنقلة بعمل هائل لإنقاذ المرضى.
في فبراير/شباط الماضي، زار تريفندرا سينغ راوات، رئيس وزراء ولاية أوتارانتشال - التي تضم قرية ديفي - كانت هذه الزيارة الأولى لمسؤول إلى المدينة منذ أكثر من 70 عاماً، وهو ما يشير إلى مدى الإهمال الذي تتعرض له القرية وغيرها من قرى من قبل المسؤولين.