- المنطقة، التي تسيطر عليها قوات الجيش الوطني المعارض والحليف لتركيا، تعاني من فلتان أمني وفوضى سلاح، مؤديًا إلى اقتتال عشائري وفصائلي يخلف ضحايا مدنيين.
- سكان المنطقة يطالبون بإجراءات حاسمة للحد من الفلتان الأمني، مشددين على أهمية استتباب الأمن لتحسين الأوضاع المعيشية والحد من العنف الذي يعيق الحركة الاقتصادية ويسبب التوتر.
من قرية السويدة بريف مدينة جرابلس شمال محافظة حلب، شمال شرقي سورية، انطلقت آية الزيدان ذات الـ14 ربيعاً، رفقة جدها قاصدة مدينة جرابلس، الاثنين الماضي، للتسجيل في امتحان الشهادة الإعدادية، لم تكن تعلم أن فوضى السلاح المنتشر في ظل اندلاع اقتتال عشائري، سيجعلها ضحيه إثر إصابتها برصاص المتقاتلين، لتنتهي أحلامها وحياتها معاً.
تخضع مدينة جرابلس، شمال حلب، لسيطرة الجيش الوطني المعارض والحليف لتركيا، بعد أن سيطر الجيشان التركي والوطني على المنطقة ضمن ما يعرف بعملية "درع الفرات" ضد تنظيم داعش، إذ تشمل المنطقة أيضاً مدينة الباب وريفها إضافة لجرابلس ومحيطها، ثم توسعت السيطرة للجيشين على عفرين شمال حلب ومحيطها ضمن عملية "غصن الزيتون" ضد قوات سوريا الديمقراطية – قسد" وكذلك عملية "نبع السلام" في منطقة تمتد بين مدينتي رأس العين بريف الحسكة وتل أبيض بريف الرقة.
فوضى السلاح والفلتان الأمني
القاسم المشترك بين جميع تلك المناطق هو الفلتان الأمني فضلا عن فوضى السلاح المنتشر بين المدنيين، فعلاوة على الاقتتال بين مجموعات الجيش الوطني، التي لا تزال تتمسك بتكتلاتها الفصائلية دون قبولها التماهي ضمن "مؤسسة" الجيش، يكثر الاقتتال العشائري والعائلي في تلك المناطق، والذي يبرز فيه استخدام السلاح والرصاص وأحياناً الأسلحة المتوسطة والثقيلة، حيث يرافق فوضى السلاح الضعف الأمني الكبير، كما يدفع الكثير من المدنيين الثمن في حياتهم وأجسادهم.
يقول محمد هلال الزيدان، عم الطفلة آية، إن القتال اندلع فجأة حيث كانت آية وجدها موجودين. مضيفاً لـ"العربي الجديد": "ركنوا في مكان ما ريثما تهدأ الأمور، لكن رصاصتين ضربتا السيارة، أصابت إحداهما رأس آية، فقتلتها على الفور"، "ما ذنب هذه الطفلة؟ كل ذنبها أن وضعها القدر بينهم، فدفعت حياتها الثمن"، هكذا يسأل ويجيب عم آية، مشيرا إلى تقدمهم بشكوى لدى السلطات المختصة، وأنهم لم يستطيعوا إلى الآن تحديد الجهة التي ارتكبت الجريمة. في الاقتتال العشائري ذاته الذي نشب في مدينة جرابلس بين أفراد من عشيرتي "الجيسات" و"طي"، قتل شاب نازح ينحدر من ريف مدينة منبج، وضعه القدر كذلك بين الطرفين المتقاتلين، كما وقع العديد من الجرحى سواء من الطرفين أو من خلال الرصاص الطائش.
وتندلع الاشتباكات المسلحة في مدن وبلدات شمال سورية لأسباب متعددة، وغالبا ما تتكرر بصور مأساوية، كونها تتسبب بسقوط ضحايا وحالة من الهلع والتوتر بين السكان، وتستمر أياما حتى بعد توقف هذه الاشتباكات، التي بات إيجاد حلّ جذري لها مطلباً من أولويات مطالب الأهالي.
وفق محمود العلي، النازح من حمص إلى مدينة جرابلس، فإن السكان يطالبون بحملة لنزع السلاح من أيدي الفتيان، خاصة من لم يبلغوا من العمر 18 عاما، كونهم بطيشهم يتسببون في تأجيج أي خلاف أو اشتباك بين أي طرف. ويضيف لـ"العربي الجديد": "يجب فرض عقوبات صارمة بحق من يحمل سلاحه في الشارع، ويجب أن يكون هناك دوريات دائمة تلاحق كل من يشهر سلاحه في الشارع أمام الناس"، مشيراً إلى أن الأوضاع المعيشية في المدينة مقبولة لحد كبير بحال استتباب الأمن فيها وعدم وجود مشاكل، خاصة تلك التي تحدث إثر خلافات عشائرية ويسقط خلالها قتلى وجرحى، حيث تستقر الحالة في المدينة ويتجول الناس بكل حرية دون أي خوف أو تردد.
ويشير يوسف الخرفان أحد النازحين المقيمين في المدينة بحديث لـ"العربي الجديد" إلى أن الاقتتال في جرابلس يؤثر كثيرا على الأهالي حيث تتوقف الحركة في المدينة، وتغلق المحلات والأسواق، مضيفاً: "جميع المحلات مغلقة بسبب حظر التجوال، حيث تدخل (الجيش الوطني) لإيقاف الاقتتال وملاحقة المطلوبين". وأضاف أن "ضبط الأمن صعب بسبب الاقتتال بين العشائر الكثيرة في المدينة، فكل فترة هنا قتال، وهناك ثأر، وضبط الأمن بحاجة لقبضة من حديد".
العام الماضي، قتل شاب نازح من ريف دمشق، خلال اقتتال فصائلي في مدينة عفرين؛ لم يشأ ذووه ذكر اسمه أو معلومات عنهم لأسباب أمنية تتعلق بالخشية من الفصائل، رغم أن رصاص تلك الفصائل أودى بحياة ابنهم مخلفا خمسة أطفال أيتام، وتمكن ذوو الشاب من التوصل إلى هوية الطرف الذي أطلق النار على ابنهم، وبعد مدة حصلوا على دية بقيمة حوالي عشرة آلاف دولار، لكن ذلك لم يعوضهم آلام الفقد. ورغم عدم وجود إحصاء دقيق بالمدنيين ضحايا الاشتباكات الفصائلية أو العشائرية في مناطق سيطرة الجيش الوطني، لكن نشطاء إعلاميين في تلك المنطقة يعتقدون بأن الأرقام بالمئات.
وعلاوة على السلاح، الذي بات في متناول حتى القصّر في تلك المناطق، شمال غربي البلاد، فإن آفة المخدرات تدفع الشبان نحو العنف والجريمة، وأحياناً الجريمة المنظمة دون رادع، وفق الكثير من السكان الذين تحدث إليهم "العربي الجديد".