فلسطينيون يعيشون على أطراف قراهم المهجرة بـ"النكسة": سنعود

05 يونيو 2023
لم يفقدوا إيمانهم بالعودة (العربي الجديد)
+ الخط -

أقل من 100 متر فقط وأسلاك شائكة تفصل مسكن حسن يوسف ريان (68 عاماً) الحالي، عن أراضي قريته بيت نوبا غرب رام الله وسط الضفة الغربية، إحدى قرى معدودة هجرت وهدمت بالكامل في العام 1967.

الأسلاك الشائكة تشكل جدار الفصل الذي يقيمه الاحتلال، هنا لا يفصل المناطق المحتلة عام 1948 عن تلك المحتلة عام 1967 كما معظم ما يفصله الجدار، بل منطقتين احتلتا في العام 1967، فهناك خلف هذا الجدار، ثلاث قرى عرفت بقرى اللطرون نسبة إلى دير اللطرون، وهي بيت نوبا، وعمواس ويالو، هجر الاحتلال أهلها في نكسة حزيران أو ما تعرف بحرب الأيام الستة، ودمرها بعد انتهاء الحرب.

الصورة
فلسطينيون يعيشون قبالة قراهم المهجرة بـ"النكسة" العربي الجديد"

 

على أطراف بيت نوبا

في الثمانينيات وبعد أن تنقلت عائلة ريان لمناطق عدة في الضفة الغربية، اختار ريان أن يشتري أرضاً ويبني بيتاً على حدود قريته، هنا في (حوض ظهر حسين) في بلدة بيت لقيا غرب رام الله، وكان سبقه إلى هناك العديد من أهالي قريته بيت نوبا في السبعينيات.

"اختار الناس حتى بعد سنوات من الترحيل مكاناً قريباً على بلدهم، وبقي عندهم أمل العودة، أنا حين بنيت بيتي هنا، جاءني شعور أنني سأعود إلى بيت نوبا، وإلى الآن لا يزال هذا ما أشعر به وأنا على أطراف قريتي.

كلما ينظر حسن ريان "أبو يوسف" نحو قريته المهجرة، يرى مستوطنة "ميفو حورون" التي أقيمت على أراضيها، والتي بدأت على شكل "كيبوتس"، قبل أن تتحول لاحقاً إلى مستوطنة تحوي منطقة صناعية.

الصورة
فلسطينيون يعيشون قبالة قراهم المهجرة بـ"النكسة" العربي الجديد"

"أرى قبالتي الكيبوتس، وأرى أرضنا وأراضي أهالي قريتي، لكنها اليوم مزروعة لصالح المستوطنين بكروم العنب واللوزيات، أرى مقابلنا أيضاً نقطة مراقبة لجيش الاحتلال، أشاهد أرضي، ولكن لا أستطيع أن أفعل أي شيء، لكن من داخلي أكرر دائماً لا بد من العودة يوماً"، يقول ريان، الذي يؤكد أن قرابة 200 من أهالي قريته يقطنون معه في هذا الحي إضافة لعائلتين إحداهما من يالو المهجرة والأخرى من بيت لقيا.

صمود بحي الكرامة

لريان 73 من الأبناء والأحفاد، لكن من يقطن معه في ما يسمونه بحي الكرامة، فقط أسرة واحد من أبنائه، ليكون هو وزوجته وابنه وأحفاده قرابة ثمانية قرب أراضي قريتهم، يلاحقهم الاحتلال كما يلاحق باقي الأهالي ليمنعهم من البناء في هذا الحي، بحجج التراخيص، ولا يمكن الإضافة إلى البناء القائم، أو إقامة بناء جديد.

ملاحقة كما يقول ريان ليست حديثة، فقد هدمت سلطات الاحتلال لابن عمه بيتاً قيد الإنشاء قبل عشرين عاماً، ليضطر أبناؤه للسكن في قرى عدة، كخربثا المصباح، وبلعين.

ذكريات التهجير

لا تزال بعض مشاهد التهجير عالقة في ذاكرة ريان، حينها كان ابن 13 عاماً، يقول مستذكرا: "أصبحنا نشاهد مركبات عسكرية تذهب إلى منطقة اللطرون، واعتقدنا أن حرباً قد اندلعت، قيل لنا إنها مركبات للجيش العراقي والمصري، لكن بعد منتصف الليل صرنا نرى انسحاب المركبات العسكرية الأردنية، سألهم (الختيارية) عما يحصل، فأجابوا بوجود هجوم".

يوضح ريان أن الأهالي خرجوا مع مواشيهم، وصاروا مع الوقت يبحثون عن مصادر المياه، ليصلوا إلى عين جريوت قرب قرية بيت عور الفوقا، ثم إلى قرية عين عريك حيث توجد عين مياه.

الصورة
فلسطينيون يعيشون قبالة قراهم المهجرة بـ"النكسة" العربي الجديد"

لأيام أصبح الأهالي يجلبون ما يحتاجون من دقيق وغذاء من مدينة رام الله، قبل أن يعلن جيش الاحتلال عن انتهاء الحرب بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري وسيناء، وإمكانية عودة كل إلى بلدته التي خرج منها، لكن أهالي بيت نوبا وعمواس ويالو؛ حين وصلوا إلى إحدى النقاط العسكرية منعوا من الوصول إلى قراهم، التي بدأ الاحتلال تدميرها، ويقول ريان: "كانت الجرافات الضخمة تقوم بهدم البيوت، سرقوا الحجر القديم الجيد وأخذوه ليستخدموه في مناطق أخرى مثل المتنزهات الإسرائيلية، وأزالوا بيوتنا".

يؤكد رئيس جمعية بيت نوبا الخيرية أحمد زايد الذي يقطن بيتونيا غرب رام الله لـ"العربي الجديد" أن الأهالي مكثوا في مكان الحي الذي يقطن به ريان بعد التهجير (ظهر حسين)، لكن الاحتلال لاحقهم ليطلق النار ويحرق المزروعات، ويضطر الناس للخروج إلى مناطق عدة كبيت دقو شمال غرب القدس، وبيتونيا غرب رام الله، ومدينة رام الله.

يقدر زايد من يتواجدون حالياً في الضفة الغربية من قريته بما يقارب 1500، بينما تهجر أكثرهم إلى الأردن، ليصل عددهم هناك بعد 56 عاماً إلى قرابة 23 ألفاً.

إثر الحرب يقول زايد إن عائلته التجأت إلى بيت كبير اسمه "البد" وهو موقع روماني أثري، وبعد أعمال ترهيبية من جيش الاحتلال من اقتحام الجيبات العسكرية وإطلاق النار، وتفجير للبيوت؛ أجبر الناس على المغادرة كما يروي زايد الذي كان بعمر 15 عامًا.

بوابة القدس

لم تكن تلك المرة الأولى لمحاولة السيطرة على القرى الثلاث، إذ سبقتها محاولة أخرى عام 1964، يقول زايد إنه تم صدها باستبسال من الجيش الأردني والمقاومين الفلسطينيين، وقبل ذلك محاولات أخرى في عام 1948 باءت بالفشل.

ولم ينتظر الاحتلال طويلًا حتى بدأ في 17 حزيران 1967 بهدم نفس البيوت بطريقة وصفها زايد بالمؤلمة والتي تدلل على كمية الحقد، ضد قرى بيت نوبا ويالو وعمواس.

يفسر زايد هذا الإصرار على السيطرة على تلك القرى، وكونها من القرى المعدودة التي هجرت عام 1967 بشكل كامل، ومسحت بيوتها، حيث يعد موقعها استراتيجيا، إذ تحد القدس من الجهة الغربية، موضحا أن تاريخ هذه القرى وموقعها الاستراتيجي لا يعود إلى حقبة النكبة عام 1984 أو النكسة عام 1967 فقط، بل منذ أن كان القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي قد جعل منها مركز ثقل وانطلاق لجيش الإسلامي إلى الساحل.

بحسب زايد، فإنه من ناحية عسكرية لا يستطيع أحد الوصول إلى القدس إلا بعد احتلال بيت نوبا وقرى اللطرون، إضافة لنواح اقتصادية مرتبطة بالسهول الواسعة، التي تعد سلة غذائية، وتربعها على الحوض الغربي للمياه.