تفقّد فلسطينيون ما تبقّى من منازلهم في مخيم المغازي للاجئين وسط قطاع غزة، اليوم الاثنين، حيث انتشر الركام في كلّ مكان غداة قصف إسرائيلي مزلزل أودى بحياة العشرات.
في مخيم المغازي المنكوب، بدت أسطح المنازل وأبوابها ونوافذها مدمّرة تماماً، في حين غطّى الدمار الأزقّة الضيقة. ووسط الركام، وقف رجل يواسي آخر أجهش بالبكاء، فيما راح آخرون يبحثون عن أشخاص تحت الأنقاض على وقع هدير طائرات الاحتلال الإسرائيلي المسيّرة التي لا تفارق أجواء القطاع المحاصر.
زياد عوض من بين الفلسطينيين الناجين في مخيم المغازي، يؤكد: "نجوت من المجزرة". ويخبر عوض: "كنت جالساً مع أولادي في أمان، وأستمع إلى الأخبار المتعلقة بطلب تحييد المدنيين، عندما قصفوا منزلاً في جوارنا. صار طفلي يقول لي: احمني، وأنا لا أستطيع حماية نفسي". يضيف: "فوجئنا بقصف البيوت من دون إنذار"، واصفاً ما حصل بأنّه "زلزال في المنطقة".
وقد أدّت الغارات الإسرائيلية إلى تدمير مبانٍ عدّة في مخيم المغازي للاجئين الفلسطينيين في غزة ليلة عيد الميلاد، التي وُصفت بأنّها واحدة من الليالي التي شهدت القصف الأعنف خلال الحرب المتواصلة على غزة. وتحوّلت أربعة مبانٍ سكنية طاولها القصف إلى كومة ركام، فيما تعرّضت منازل كثيرة لدمار كلي أو جزئي، وتضرّرت عشرات الوحدات السكنية بصورة جسيمة.
وفي هذا المخيم المستهدف، فقدت مبانٍ عدّة واجهاتها، وبدا الأثاث مبعثراً داخل المساكن، فيما تناثرت قطع من الأثاث في الأرجاء من جرّاء عصف الانفجارات، وكان من الممكن رؤية كنبات وفرشات إسفنجية وملابس وأوراق قد تبعثرت.
وحتى صباح هذا اليوم، كانت جثة أحد الشهداء، الذين قُدّر عددهم بالعشرات، ما زالت على الأرض في أحد أزقّة المخيم، وقد غطيت ببطانية من الصوف.
كذلك، لحقت أضرار بمحل بقالة صغير من الصفيح كُتب عليه "دكان الشهداء".
نحو 100 شهيد في مجزرة مخيم المغازي
وبعد ظهر اليوم الاثنين، أعلنت وزارة الصحة في حكومة غزة أنّ نحو 100 شهيد سقطوا في مجزرة مخيم المغازي، معظمهم من الأطفال والنساء، في حين كانت وزارة الصحة في غزة قد أفادت، أمس الأحد، بعيد وقوع المجزرة، بمقتل 70 شخصاً على أقلّ تقدير.
وبينما نجت روان مناصرة من المجزرة، فقد ارتقى أفراد عائلتها. وتخبر المرأة الثلاثينية التي نزحت من بيت حانون إلى المغازي: "قاموا (الإسرائيليون) بتدمير المبنى علينا. عائلتي ذهبت". أضافت لوكالة فرانس برس: "قتلوا إخوتي الخمسة، لم يتبقَّ لي أيّ أخ. قتلوهم مع أولادهم". وتابعت مناصرة: "كلّ يوم ضرب (قصف). لا مكان آمناً. قالوا لنا انزحوا من الشمال إلى الجنوب وضربونا (قصفونا). يلحقون بنا ويضربوننا. كنّا في أمان الله".
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، طلب جيش الاحتلال من سكان شمالي قطاع غزة النزوح جنوباً بعيداً من مناطق العمليات العسكرية. لكنّ الاحتلال، الذي يشنّ قصفاً جوياً وهجوماً برياً في القطاع، وسّع في الأيام الأخيرة عملياته في الجنوب، علماً أنّ مختلف مناطق القطاع المحاصر لم تسلم من القصف منذ ثمانين يوماً.
يُذكر أنّ حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على قطاع غزة ارتفعت إلى 20,674 شهيداً و54,536 جريحاً، بحسب البيانات الأخيرة التي أعلنت عنها وزارة الصحة في غزة بعد ظهر اليوم الاثنين.
مفاضلة بين جرحى مخيم المغازي
ونُقلت جثث شهداء مخيم المغازي الى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح. ووُضعت العشرات منها على الأرض في ساحة المستشفى مقابل قسم الطوارئ الذي غصّ بالجرحى. هؤلاء عانوا لإيجاد سرير أو طبيب يقدّم لهم الرعاية الطبية اللازمة.
وأكّد المتحدّث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة، لوكالة فرانس برس، أنّ "ما حدث مجزرة بهدف الإبادة". أضاف أنّ "عشرات الجرحى استشهدوا لعدم توفّر إمكانيات لعلاجهم فوراً"، مشيراً إلى أنّ "الأطباء اضطرّوا إلى المفاضلة بين الجرحى".
وتابع القدرة أنّ "أطراف عشرات الجرحى، من بينهم أطفال ونساء وكبار في السنّ، بُترت لعدم توفّر غرف للعمليات الجراحية ولنقص الأدوية والأجهزة الطبية، بالإضافة إلى نقص عدد الأطباء والممرّضين الذين يعملون ليلاً نهاراً".
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، تحذّر منظمة الصحة العالمية من تدهور نظام الرعاية الصحية في القطاع المحاصر. وتبيّن الوكالة التابعة للأمم المتحدة أنّ "من بين مستشفيات غزة، البالغ عددها الإجمالي 36 مستشفى، ثمّة تسعة فقط تعمل الآن بصورة جزئية، وكلّها في الجنوب".
(فرانس برس، العربي الجديد)