- مصطفى وشروق، فلسطينيان في القاهرة، يشاركان في الشعور بالعجز والألم، حيث يعيش مصطفى في عزلة مركزًا على تدريس التاريخ، بينما تنشغل شروق بمتابعة الأخبار والمشاركة في الأنشطة الداعمة لفلسطين.
- العرب والمسلمون في أوروبا، مثل خالد وروان، يواجهون تحديات وعواقب بسبب دفاعهم عن فلسطين، من فقدان العمل إلى التهديد بالترحيل، مما يسلط الضوء على التحديات والإسلاموفوبيا التي يمكن أن يتعرضوا لها.
يحارب فلسطينيون غادروا غزة بعد اندلاع حرب 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عجزهم بالصمت الطويل حيناً، والعزوف عن العالم أو الوحدة حيناً آخر. ويدور مصريون وعرب كثيرون في الفلك نفسه حالياً لأنهم يعتبرون أن غزة كل عالمهم.
"كنا نخجل في البداية أن نقول إن بيتنا هُدم، وأن ممتلكاتنا دُمرت، وأن أهلنا شُتتوا، لأنها خسائر لا تساوي شيئاً في الحرب، ثم بتنا نحمد الله أن شهداءنا ارتقوا في أول أيام الحرب ودُفنوا على الأقل، وهو ما يحصل لكثيرين لأن حرب الإبادة حرمت الأحياء من تكريم موتاهم أو حتى جمع أشلائهم ومواراة رفاتهم التراب".
هذا ما تقوله هند رداً على سؤال "كيف حالك؟" بعدما غادرت غزة أخيراً إلى القاهرة. جواب صعب جداً وبالغ التعقيد لهند وباقي فلسطينيي غزة الذين لا يعرفون كيف يمكن أن يعودوا إلى حياتهم الطبيعية.
واللافت أن سؤال "كيف حالك؟" العابر والبسيط والبديهي في بداية أي لقاء يجمع البشر حول العالم بات يحتاج إلى جهد نفسي كبير، ويحدث غصة في القلوب، ويجعل الدموع تنسكب من العيون، ويقلب أكواماً من الذكريات المتناثرة بين الحطام والدمار، لذا ترفض هند مواجهة أسئلة تتعلق بالأوضاع في مدينتها الحبيبة غزة فتتفادى أن تكون في أي تجمعات منذ أن وطأت قدماها القاهرة، وذلك حتى تضع الحرب أوزارها.
ويختلف الأمر قليلاً بالنسبة إلى عند مصطفى، وهو باحث فلسطيني في العلوم السياسية، يُقيم في القاهرة منذ أن انتقلت أسرته إليها بعد نكبة عام 1948.
في الصباح، يدرّس مصطفى مادة التاريخ لصفوف المرحلة الابتدائية في مدرسة دولية، وكان حتى وقت قريب يشارك مع أكثر من جهة بحثية وجامعات عدة في إعداد أبحاث وأوراق أكاديمية وحقوقية في مجال العلوم السياسية، لكنه أوقف هذا العمل منذ أن بدأت الحرب على غزة، واعتزل الحياة الاجتماعية طوعاً لأن طاقته باتت لا تكفي إلا للساعات التي يقضيها مع التلاميذ في الصباح، ثم يبقى في منزله حتى صباح اليوم التالي، ويتعاقب الليل والنهار عليه خلال عطلات الأسبوع من دون أن يبرح منزله.
وكما هند يجد مصطفى صعوبة في الإجابة عن سؤال "كيف حالك؟"، لكن المشكلة الكبرى بالنسبة إليه هي إحساسه بأنه عاجز عن فعل أي شيء بخلاف متابعة أخبار الحرب، وانتظار رسائل نصية مقتضبة من باقي عائلته في غزة، والتي تحتوي جملاً من نوع "نزحنا"... "عمك مصاب"... "لا نزال أحياء"، أخوالك استُشهدوا".
أيضاً يرفض مصطفى أن يكون في أي تجمعات إلا إذا كانت تتعلق بوافدين من غزة أو حملات تبرع أو مساعدة لاجئين، وهو حال شروق التي درست الإعلام قبل نحو 18 عاماً وعمِلت مراسلة في فلسطين، فهي انكفأت عن المجتمع منذ 7 أكتوبر، وباتت تلاحق الأخبار وتبحث في تقارير وتصريحات عن بارقة أمل لنصر ينهي الحرب، كما تشارك في نشاطات شعبية لنصرة قضية فلسطين، مثل تلك التي تدعو لها نقابة الصحافيين في مصر.
وتدأب شروق منذ سنوات على حضور ندوات أو لقاءات أجرتها الأديبة والروائية الفلسطينية رضوى عاشور في مصر، وأيضاً زوج رضوى الراحل مريد البرغوثي وابنها تميم، وشخصيات فلسطينية أخرى شكلت فكر ووجدان شروق الشغوفة بالقضية الفلسطينية.
وتناصر شروق هذه القضية حالياً بالانضمام إلى حملات مقاطعة المنتجات الأميركية، وتلك التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي. وتدوّن ما يشبه مذكرات يومية منذ 7 أكتوبر، وتشارك في الوقفات والتظاهرات الشعبية المناصرة لفلسطين، وتتبرع بالمال والجهد لقوافل الإغاثة، في حين تنعزل عن العالم الخارجي لأنها حزينة من تكرار المشاهد الحزينة التي أوردها كتاب "الطنطورية" لكاتبتها المفضلة رضوى عاشور، لكن ذلك لا يمنعها أيضاً من انتظار إعلاء راية النصر.
ولأن للحرب من أجل فلسطين وجوهاً كثيرة، تفتحت عيون المهندس المصري خالد على حقيقة "ازدواجية المعايير لدى الغرب"، بحسب ما يقول، بعدما عاش في مدينة برلين أكثر من ثلاثة أعوام طالباً للماجستير والدكتوراه في علوم الهندسة الإلكترونية.
في صباح نهار عادي وخلال مشاركته في حوار هادئ مع عدد من طلاب الجامعة، حاول خالد تصحيح بعض المعلومات عن القضية الفلسطينية، وعن حق الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم، ثم فوجئ في اليوم التالي بأنه أحيل إلى التحقيق داخل الجامعة التي فصلته نهائياً بعدما اتهمته بـ"العنصرية"، ثم تطوّر الأمر، وأبلغته السلطات الألمانية بأنه يجب أن يرحل بشكل عاجل بعد إلغاء إقامة الدراسة التي كانت سبباً في وجوده للدراسة والعمل معاً في دول منطقة "شنغن".
وكما غادر خالد القارة الأوروبية، غادرت روان، وهي كاتبة محتوى أردنية، عملها بعدما تلقت تهديداً مبطناً من مديرها بسبب نشرها تدوينات ناصرت القضية الفلسطينية على موقع "إنستغرام"، والتي أزعجت رعاة ومعلنين في الشركة الدولية التي تعمل فيها.
ورغم أن روان نشرت التدوينات عن قضية فلسطين عبر حسابها الشخصي على منصات التواصل الاجتماعي، ورغم أنها لا تسجل على تلك الحسابات الشخصية أماكن أو أسماء الشركات التي تعمل لحسابها، كما هو متبع في غالبية الأحيان، جرى فصلها من عملها، وتبلغت من إدارة الشركة أنه "من الأفضل بعد سنوات من العمل لحسابنا أن تستقيلي قبل إصدار قرار رسمي بالفصل قد يعرقل عملك في شركات أخرى".
وفي تقرير سابق نشرته "العربي الجديد"، حذّرت مديرة مركز الحماية ضد التمييز في مدارس برلين (آداس)، عليا ييغانيه أراني، من تزايد شكاوى الإسلاموفوبيا في مدارس ألمانيا بعد 7 أكتوبر.
وأوضحت أنّ "حالات عنصرية وإسلاموفوبيا تظهر استناداً إلى مظاهر الأشخاص أو أسمائهم أو أصولهم، علماً أنّهم لا يكونون متديّنين على الإطلاق"، لافتةً إلى أنّ أشخاصاً يتعرّضون لممارسات تمييز من دون أن يكونوا مسلمين في الأصل.