على سطح إحدى بنايات مدينة غزة، تجتمع عِدّة فتيات فلسطينيات، لتركيب وإصلاح الألواح الشمسية والأنظِمة الخاصة بـ"الطاقة البديلة"، وقد وجدن لأنفسهن فرصة في مجال عمل تقني، كان خلال الفترات السابقة حِكراً على أقرانهن من الرجال.
وتمكنت الفتيات اللواتي اقتحمن عالم الطاقة المتجدّدة، من اجتياز العديد من التدريبات العملية، بعد الدراسة الأكاديمية، والنجاح في الاختبارات الخاصة بتلك المهنة، وقد بتن يُتقِنّ تركيب وتشغيل الألواح الشمسية.
وتمر عملية تركيب الألواح الشمسية بالعديد من الخطوات، تبدأ بتجهيز الأحجام المطلوبة من تلك الألواح وفقاً للمساحة المُستهدفة، إلى جانب ما يتناسب معها من أنظمة ومعدات تشغيل، كذلك يتم تجهيز المعدات اللازمة للعمل، بعد إتمام عملية تحضير "الطبلونات"، وهي القاعدة الأساسية لتركيب النظام.
تقول خريجة الطاقة الشمسية، من كلية مجتمع تدريب غزة التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أنوار عزام، وهي حاصلة على دبلوم تركيب وصيانة الأجهزة الكهروضوئية، إنها رغبت في دراسة هذا المجال، على اعتبار أنه يساهم في حلّ أزمة حقيقية يمرّ بها قطاع غزة منذ سنوات طويلة، وهي أزمة الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي.
وتشعر عزام وزميلاتها بسعادة حين يقمن بتركيب خلايا شمسية وأنظمة إضاءة من الألف إلى الياء، وذلك لمساهمتهن في تخفيف الأعباء عن الناس، خاصة حين يتم تركيب الألواح والأنظمة داخل المستشفيات، أو البيوت الخاصة برعاية المُسنين أو الأطفال.
وتخرّجت الفلسطينية عزام وزميلاتها بمشروع ناقش "المزرعة الذكية" والتحكم في الري وتفاصيل الرعاية الزراعية إلكترونياً، بهدف تطوير القطاع الزراعي، وعملن بعدها بشكل منفصل في شركات، ولم يواجهن أي إشكالية خلال عملهن، وذلك لتلقّيهن دورات تدريبية، وتدريبات متنوعة تُحاكي العمل الميداني.
وكان انتهاء فترة العمل المؤقت، عاملاً مُحفزاً للفتيات للتفكير في افتتاح مشروعهن الخاص، بعد حالة الفراغ التي شعرن بها. بعد عمل امتد لأشهر، شعرن خلالها بقدرتهن على العمل، وعلى التميّز فيه، ما دفعهن إلى الاجتماع مجدداً وطرح فكرة استئجار مكتب، للعمل بشكل خاص بِهِن.
وتشاركت الفتيات اللواتي فزن ضمن مسابقة نظمتها مؤسسة GIZ وهي الراعية لدفعة فتيات الطاقة الشمسية، في افتتاحهن شركتهن الخاصة في مدينة غزة، وقد بدأن بالحصول على أعمال خاصة بهن، فيما يقمن بتوزيع الأدوار على بعضهن بعضا، لإنجاز العمل باحترافية كبيرة، في وقت أقل. ساعدهن على ذلك المعدات الخاصة بالعمل، التي حصلن عليها كهدية لحظة تخرجهن من الكلية، وقد وضعن نصب أعينهن مبدأ ضرورة الاستمرار في العمل وتطويره على مدار الوقت.
ولم تنكر عزام تعرّضها وزميلاتها لبعض الانتقادات، على اعتبار أنّ مجال تركيب الألواح الشمسية خاص بالرجال، وأنه مجال صعب على الفتيات، خاصة في ظلّ مجتمع محافظ، مثل المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، إلاّ أنهن تمكنّ من التغلب على تلك النظرة عبر تشجيع الأهل والمُحيط والمدربين والمختصين، وتقول: "لا يوجد في مجالنا فرق بين شاب وفتاة".
أما زميلتها سلسبيلة بصلة، خريجة الطاقة الشمسية من كلية مجتمع تدريب غزة، والتي بدت مندمجة في تركيب اللوحة الخاصة بتشغيل النظام، فتوضح أنها عملت برفقة زميلاتها لمدة ثلاثة أشهر، بعد تخرجهن من الكلية بمعدلات عالية.
وتوضح بصلة، خلال حديثها مع "العربي الجديد"، أنها ورفيقاتِها قررن استغلال فوزهن بمشروع إدارة المزرعة الذكية بشكل كامل عن طريق الجوال والطاقة الشمسية، عن طريق الجمعية الألمانية للتعاون الدولي، لافتتاح شركتهن الخاصة، وذلك لتجاوز عقبة انعدام فرص العمل في قطاع غزة المُحاصر، وانخفاض فرصهن للالتحاق بعمل في مجالهن، على اعتبار أنهن حديثات العهد بمجال يسود الاعتقاد فيه أنه خاص بالرِجال. وترى بصلة أن العقبة الحالية تكمن في إغلاق المعابر، وتوقف دخول المعدات الخاصة بعملهن.
وتوافقها الخريجة رهف حسنين، فنية الطاقة الشمسية، والتي التحقت بالعمل بعد حصولها على دبلوم في المجال، وتقول: "لم أكن على دراية بأي من تفاصيل العمل، لكنّ عامين من الدراسة والتدريبات العملية، كانا كفيلين بإتقان العمل، والتعرف على مختلف تفاصيله، ومميزاته ومخاطره".
وتوضح حسنين أنها كانت تدرس تخصص الرياضيات، إلى أن صادفت التخصص الجديد، والذي دفعها فضولها وتشجيع من حولها إلى الدخول فيه. وتقول عن تجربتها إنها كانت تجربة مميزة ومثيرة، تعرفت خلالها على عِلم وعَمل جديدين، وقد شعرت بأنه "اختيار صحيح، لم تندم عليه".