فلاحات تونس... حرقة ودموع لتأمين القوت

24 أكتوبر 2022
عمل مجهد وأجر زهيد (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

تتشابه قصص الفلاحات في تونس. تعيش غالبيتهن وسط ظروف اجتماعية قاسية، ويضطررن إلى الإنفاق على عائلاتهن. يعملن في البرد والمطر وتحت الشمس الحارقة، وتشكل أيديهن المتعبة من العمل وأقدامهن الملطخة بالوحل الشاهد الأكبر على معاناتهن من جمع مزروعات الطماطم والبصل بلا توقف، ومن دون أن يسمح لهن بالشكوى أو بالتوقف عن العمل، والحصول على راحة. بحرقة ودموع تكاد تحبس أنفاسها، تتحدث الستينية نورة، المتحدرة من سيدي بو زيد، لـ"العربي الجديد"، عن عملها وحياتها اليومية، وتقول: "لدي 5 أبناء يدرس 4 منهم في الجامعة. وأؤمن شخصياً مصاريف دراستهم واحتياجاتهم، في ظل غياب وفقدان مواد أساسية عدة وغلاء الأسعار، علماً أن ثمن قارورة زيت يعادل أجري اليومي، ما يجعلني عاجزة عن مواجهة الظرف الاجتماعي الصعب"، تضيف: "لا تتوقف معاناتي مع باقي زميلاتي الفلاحات الكادحات عند هذا الحد، إذ نتعرض إلى عنف لفظي من صاحب الأرض والمشغلين، ونواجه معاملة مهينة واستغلالاً في قيمة الأجر المحدد المدفوع لنا، وساعات العمل الطويلة، في هذه المهنة، فنحن نتقاضى 10 دنانير (3 دولارات) يومياً، وأحياناً أقل رغم أننا نعمل بجهد كبير لمدة 9 ساعات، ونعود عادة إلى بيوتنا في الريف بعد رحلة تستمر ساعات عدة. وقد أمضيت أكثر من 30 عاماً في العمل بالفلاحة، بعدما أجبرتني الظروف في منطقتي على هذا العمل في ظل غياب مصانع، وأي فرص عمل أخرى".

وتوضح أن "الوسيط الذي يرسلنا للعمل في الفلاحة هو صاحب الشاحنة التي تنقلنا إلى الموقع، وهو قد يمنعنا أحياناً من الصعود إلى شاحنته ويحرمنا من العمل رغم أننا ننتظر ساعات، بسبب التعبير عن رأينا. وقد نظمنا وقفة احتجاج أخيراً، وتحدثنا عن مشاكلنا لأننا نشعر بوطأة المعاناة، وهشاشة القطاع، ما حرمنا 3 أيام من لقمة عيشنا، وزاد الأحمال الثقيلة علينا. وأنا شخصياً أستخدم المبالغ الصغيرة التي أتقاضاها لشراء سميد لإعداد الخبز وقوت أولادي، لكن في كل الأحوال إذا استمر الوضع على هذا النسق لن أقوى على الصمود، وأطالب جميع المسؤولين بالالتفات إلى حال الفلاحات".
بدورها، تؤكد صابرين حسني، وهي فلاحة متحدرة من بلدة جبناينة بصفاقس، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "مطالب الفلاحات بسيطة، وتشمل توفير وسائل نقل آمنة للوصول إلى العمل في القرى والحقول، فوجود 40 امرأة في شاحنة مغامرة وأمر محفوف بالمخاطر. وقد فقدت صديقات كثيرات لي حياتهن من أجل جني لقمة العيش. والفلاحات يردن فقط تجنيبهن ظروف العمل المهينة"، علماً أنهن لا يتمتعن بتغطية اجتماعية وأي حقوق أخرى، في حين يعملن في ظل هطول المطر والطقس الحار، ولا يحق لهن التوقف إلا حين يجري التخلي عنهن. ويضاف الى ذلك سوء معاملة بعض المشغلين لهن"، تتابع: "قضيت 15 عاماً في العمل المتواصل بلا راحة أو عطلة، لأن اليوم الذي أقضيه في البيت يعني عدم حصولي على أجر. وأنا أحب العمل في الفلاحة، ومنطقتي زراعية في الأساس، ولا أملك خيارات أخرى للعمل لأن مستواي العلمي محدود، فيما تطلب المصانع شهادات لا أملكها"، وتوضح أنه يجري تكليف الفلاحات بمهمات شاقة عدة تعتبر عادة حكراً على الرجال، بينها حمل منتجات ونقلها، علماً أن "أجور هذه الأعمال مضاعفة مقارنة بما تتقاضاه النساء، ما يؤكد غياب المساواة".

الصورة
يجبر غياب المصانع والوظائف النساء على العمل في الفلاحة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
يجبر غياب المصانع والوظائف النساء على العمل في الفلاحة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

أما جميلة جبارة (61 عاماً)، المتحدرة من جندوبة (شمال غرب)، فتجزم في حديثها لـ"العربي الجديد"، بأن "ظروف العمل الفلاحي شاقة ومتعبة للمرأة، علماً أنه كان يمكن تحمّل بعض الأعباء لو توفرت أدنى الحقوق، لكن المرأة مهمشة في مجال الفلاحة"، وتوضح أنها شخصياً تعيش تحت ضغط الظروف الاجتماعية الصعبة التي تجبرها على العمل، "فوضعي المعيشي صعب، ولدي ابن انقطع عن التعليم والتحق بمعهد خاص أؤمن نفقات الدراسة فيه، لكنني قد لا أحصل على عمل أحياناً، أو قد أعمل أسبوعاً وألازم المنزل أسابيع. أما التداعيات الصحية الكثيرة الناتجة عن العمل في الفلاحة، فتجعل العديدات منا يعانين من أمراض لا يملكن ثمن معالجتها أو الحصول على أدوية".

الصورة
تعمل الفلاحات في المطر والحر ولا يحق لهن التوقف (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
تعمل الفلاحات في المطر والحر ولا يحق لهن التوقف (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

وتقول عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية المكلفة بشؤون المرأة العاملة في الفلاحة حياة العطار، لـ"العربي الجديد"، إن "وضع المرأة في القطاع الفلاحي سيئ، في وقت يشهد صعوبات بسبب التغيّرات المناخية"، وتشير إلى أن "غياب الأسمدة ونقص بعض المواد أثرا سلباً على وضع الفلاح، ما أدى إلى تدني أجور الفلاحات"، وتلفت إلى أن المشاكل السابقة لا تزال مطروحة حتى اليوم، وبينها النقل والضمان الاجتماعي. واحتجت فلاحات كثيرات للتعبير عن الصعوبات التي يواجهنها، فيما تحركت جمعيات محلية كثيرة لتوفير التوعية المناسبة لهن في محافظات عدة، بعدما تلقت شكاوى عدة من ظروف العمل السيئة التي يتعرضن لها"، وتكشف أن مسؤولي الجمعيات نفذوا زيارات ميدانية إلى ولايات ومناطق عدة بينها شمال غربي تونس ووسطها حيث اطلعن على مطالب المحتجات الخاصة بمساندتهن لوجستياً، والتنسيق مع بعض مسؤولي المحافظات من أجل إيصال أصواتهن".

وتكشف العطار أيضاً أن أكثر من نصف مليون امرأة يعملن في القطاع الفلاحي في تونس، ما يعني أن غالبية الأيدي العاملة في المجال من النساء، وتقول: "وضعية الشغل الخاص بعاملات القطاع خطرة، ما يكرر تعرضهن إلى حوادث خلال العمل. وبحسب إحصاءات أجراها المنتدى بين عامي 2015 و2022، جرى تسجيل 54 حادثاً خلّفت 50 وفاة و710 جرحى. وتحتل ولاية سيدي بوزيد المرتبة الأولى في نسبة الحوادث، وتليها ولاية القيروان".

المساهمون