فضيحة "قرية المحبة والسلام" تلفت النظر إلى الاتجار بالبشر في لبنان

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
24 يوليو 2023
اتجار بالبشر واستغلال جنسي.. إغلاق جمعية أطفال خيرية في لبنان
+ الخط -

تتوالى الانتهاكات المروّعة التي يقع ضحيتها أطفال في لبنان، في ظلّ انعدام الرقابة الجدية على عمل المؤسسات والجمعيات، وهشاشة نظام الحماية الاجتماعية.

ولعلّ أحدث الانتهاكات فضيحة الاتّجار بالبشر، القصّر تحديداً، والتحرّش الجنسي بقصّر كذلك في جمعية "قرية المحبة والسلام" التي تؤوي أطفالاً بناءً على قرارات قضائية بهدف حمايتهم من الخطر اللاحق بهم من قبل أهلهم أو نتيجة التخلّي عنهم.

وقد أُقفلت الجمعية وخُتم مقرّها بالشمع الأحمر ونُقل القصّر الذين تؤويهم إلى مراكز أخرى، بقرار من القضاء البناني، فيما أُوقفت مديرتها وشخصان آخران متورّطان بجرمَي التزوير والاتّجار بالبشر.

وتضجّ الساحة اللبنانية في الآونة الأخيرة بأخبار تحمل عناوين مؤلمة لحوادث في مختلف أنحاء البلاد، من قبيل العثور على رضّع على الطرقات، وممارسة عنف في حقّ أطفال في إحدى دور الحضانات، ومقتل طفلة بعد اعتداء جنسي متكرّر عليها من قبل أحد أفراد عائلتها، وتحرّش جنسي بطفلتَين.

وقد دفعت تلك القضايا وغيرها ناشطين ومنظمات ومواطنين لبنانيين إلى رفع الصوت عالياً من أجل تأمين الحماية الاجتماعية للأطفال.

وفي نهاية الأسبوع المنصرم، أصدرت القاضية المنفردة الجزائية في قضاء بعبدا، بمحافظة جبل لبنان إلى الشرق من بيروت، الناظرة في قضايا الأحداث جويل أبو حيدر، قراراً بإقفال الجمعية وختمها بالشمع الأحمر وإخلائها من جميع نزلائها، بعد ثبوت ارتكابها جملة جرائم وانتهاكات في حق قصّر، من بينها الاتّجار بالبشر واستغلال القاصرات جنسياً، إلى جانب مخالفات جسيمة أخرى، يقف خلفها إلى جانب مديرة الجمعية نورما سعيد، عضو الرابطة السريانية جبران كالي، ومختار بلدة الهلالية في قضاء صيدا (جنوب لبنان) جو صليبا.

وأوضحت القاضية أبو حيدر، في نصّ قرارها، أنّ نورما سعيد كانت على علم بتحرّش المدعوّ جبران كالي الجنسي بقاصرتَين وحثّهما على ممارسة الجنس وتعاطي المخدّرات وممارسة العادة السرية، من دون أن تتّخذ أيّ تدبير بشأنه، وعدم إعلام المحكمة بكلّ ما تقدّم، الأمر الذي يجعلها متواطئة مع كالي ومشاركة بفعله الجرمي.

وأضافت أبو حيدر أنّ إحدى الفتيات أفادت أمام المحكمة بأنّها رغبت في الموت كون كالي متزوّجاً وهي وقعت في حبّه. وتابعت القاضية أنّ سعيد اصطحبت قاصرات إلى ملهى ليلي للاحتفال بعيد مولدها، وسمحت لهنّ باحتساء الكحول حتى الثمالة، وقد حاولت إحداهنّ الانتحار (على أثر ذلك)، وغيرها من الانتهاكات الفاضحة والمخالفات الجسيمة.

وجمعية "قرية المحبة والسلام"، التي تأسّست في عام 2020، بناءً على علم وخبر رقم 927، كانت قد أعلنت أنّها تهتمّ برعاية الأطفال المهمَلين والمشرّدين، وقد اتّخذت مقرّاً لها في قضاء المتن الشمالي بمحافظة جبل لبنان إلى الشرق من العاصمة بيروت. كذلك، شدّدت على أنّ غايتها إنسانية وتنموية واجتماعية، وأنّها تسعى إلى إيواء واستقبال وتأهيل المعرّضين للخطر من كلّ الأعمار، لا سيّما من هم في سنّ السابعة وما دون.

ويفيد مصدر في المجلس الأعلى للطفولة، الذي يرأسه وزير الشؤون الاجتماعية في لبنان هكتور حجار المنتهية ولايته، لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذه الجمعية نالت العلم والخبر من وزارة الداخلية والبلديات، وهي غير متعاقدة مع وزارة الشؤون"، شارحاً أنّ "ثمّة جمعيات متعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وهي بالتالي من ضمن مسؤولياتها، وثمّة أخرى غير متعاقدة معها، إذ إنّ الوزارة لا تستطيع بالقدرات المادية واللوجستية مراقبة أو الإشراف على عمل كلّ الجمعيات في لبنان".

في السياق، تقول الناشطة الحقوقية والمحامية موهانا إسحق، لـ"العربي الجديد"، إنّ "لا إحصائيات رسمية حول جرائم الاتّجار بالبشر، من ضمنهم الأطفال، إذ يُصعَب ضبطها. لكنّ هذا لا يعني أنّها غير موجودة بصورة كبيرة في المجتمع اللبناني". وتضيف أنّها "تحدث في أماكن خاصة. ومن خلال أخبار تردنا أو نتيجة متابعاتنا، نسجّل حالات بيع رضّع خلال عمليات وضع من قبل نساء لا يرغبنَ في الإنجاب، أو عبر عيادات طبية تقف وراءها بالطبع شبكات ومجموعات تسهّل هذه الأفعال".

وتوضح إسحق أنّ "الجمعيات في لبنان هي من مسؤولية وزارة الداخلية، إذ يتطّلب تأسيسها الحصول على علم وخبر منها، وذلك بعدما تكون الجمعية قد تقدّمت إليها بالمستندات اللازمة لتسجيلها مع نظامها الداخلي لدى الوزارة. وبدورها ترسل الأخيرة نسخاً عن طلب التأسيس والمستندات مع النظام الداخلي إلى الوزارات والجهات المختصة، من وزارة الشؤون الاجتماعية إلى المديرية العامة للأمن العام وغيرهما، بحسب موضوع الجمعية. وهي لا تُمنَح العلم والخبر إلا بعد القيام بالإجراءات المطلوبة للتأكّد من قانونية عمل الجمعية وأهدافها والاستقصاء عنها وعن مؤسّسيها".

وتتابع إسحق أنه "يتوجّب على وزارة الداخلية إرسال ممثلين، بشكل دوري، لمراقبة عمل الجمعيات والتثبّت من نظام العمل، علماً أنّ ثمّة دوراً رقابياً لوزارتَي المال والشؤون الاجتماعية ومختلف المراجع التي لديها علاقة بعمل جمعية بحدّ ذاتها".

وتلفت إسحق إلى أنّ الانتهاكات في حقّ الأطفال "مشكلة قديمة في المجتمع اللبناني، لكنّ الضوء اليوم يُسلَّط بقوة عليها. فنحن في الأساس نعيش في مجتمع عنيف لجهة التربية التقليدية، وثمّة تساهل كبير في ما يتعلق بتعنيف الأطفال أو بالتربية القائمة على العنف. كذلك فإنّ لا رقابة مشدّدة من قبل الدولة في هذا المجال، من هنا أهمية أن تضع الدولة قوانين حازمة في موضوع التعنيف، الذي للأسف هو مقبول اجتماعياً، ليبدأ تطبيقها من المنازل وعلى الأهل مثلما يحصل في الدول المتطوّرة".

وترى إسحق أنّه "عندما يُسلَّط الضوء على قضايا العنف ضدّ الأطفال، يتحرّك المجتمع الذي بحسب ما يظهر بات جاهزاً للانتقال إلى مرحلة متقدّمة في هذا الشأن، وعلى الدولة أن تلاقيه من خلال إقرار القوانين ومراقبة تنفيذها ومدى التقيّد بها، مع وضع القدرات اللوجستية والمادية والمهنية اللازمة لتحقيق هذا المسار. لكنّ المؤسسات الرسمية، حتى اليوم، تعاني من اهتراء يشمل المؤسسات الاجتماعية، وقد زاد ذلك بفعل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، علماً أنّ من شأن هذه المشكلات أن تسهّل العنف وتزيد حالاته، لا سيّما في ظلّ غياب الرقابة والمحاكمات والقضاء الجدّي الذي يمسك بهذه الملفات بصورة كاملة ويذهب بها حتى النهاية".

ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
المساهمون