استمع إلى الملخص
- تسببت الغارات في تدمير مراكز الإسعاف والمعدات، حيث تضررت 41 سيارة إسعاف، وسجلت خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات لدى فرق الدفاع المدني وكشافة الرسالة الإسلامية.
- أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على ضرورة حماية الوحدات الطبية، لكن الانتهاكات الإسرائيلية تعيق تقديم الرعاية الصحية، مما يبرز الحاجة لاحترام القوانين الدولية.
كما هو الحال في العدوان على قطاع غزة، تستهدف إسرائيل فرق الإسعاف في بيروت وجنوب لبنان مخلفة شهداء وجرحى، في انتهاك جديد للقوانين الدولية والإنسانية.
كانوا على أهبّة الاستعداد لتلبية نداء الاستغاثة في خضم العدوان الإسرائيلي على لبنان، قبل أن يتحوّلوا إلى شهداء وجرحى في قلب مراكزهم الصحية والإسعافية. لم تشفع المهام الإنسانية للهيئات الإغاثية اللبنانية في ردع إسرائيل عن ضرب طواقم الإسعاف والإنقاذ التي تهرع كعادتها إلى أرض الميدان وخطوط المواجهة. فسقط حتى الساعة 97 شهيداً و188 جريحاً من مسعفين ومنقذين ورجال إطفاء، نذروا حياتهم لتلبية النداء الإنساني وتأدية الواجب الوطني فور وقوع الغارات والانفجارات والكوارث الطبيعية.
مرة جديدة، عاش اللبنانيون ليلة عصيبة دفعت بأهالي مناطق الباشورة وزقاق البلاط والخندق الغميق والمناطق المجاورة لوسط بيروت إلى النزوح، بعد الغارة الإسرائيلية التي ضربت ليل الأربعاء مركز الدفاع المدني - الهيئة الصحية الإسلامية في منطقة الباشورة، ما أدّى إلى سقوط سبعة شهداء من المسعفين وشهيدين من المدنيين وإصابة 16 مدنياً بجروح واثنين من قادة الهيئة ومسعفيها وإلى أضرار مادية جسيمة، وفق الهيئة الصحية الإسلامية.
وقبيل الغارة بساعات، كان جيش الاحتلال قد استهدف مركز الهيئة ومستوصفها في بلدة عيترون (جنوب لبنان)، حيث سقط تسعة شهداء وسُجّلت إصابة واحدة.
ليست المرة الأولى التي يخرق فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي الاتفاقيات والمواثيق الدولية، في انتهاك فاضح للخطوط الحمراء وتجاهل مُطلق لأية معايير أخلاقية أو إنسانية. وجرى تداول فيديوهات بشأن الأضرار التي لحقت بالمدافن المواجهة لمركز الهيئة الصحية الإسلامية في الباشورة، وتداول ناشطون فيديوهات لمواد مجهولة تتناثرعلى الأرض عقب الاعتداء الإسرائيلي.
في هذا السياق، تُحذّر أستاذة الكيمياء التحليلية في الجامعة الأميركية في بيروت والنائبة في البرلمان اللبناني نجاة صليبا، خلال اتصال مع "العربي الجديد"، من "احتمال كبير بأن تكون تلك المواد فوسفوراً أبيض، لكن لا يمكن الحسم إلا بعد إجراء فحص دقيق". تضيف: "في كل الأحوال، إنها مواد سامة وخطيرة، سواء كانت فوسفور أبيض أو لا، ومن الضروري عدم كنسها أو نفخها أو تنشقها أو ملامستها الجلد أو العيون. يجب وضع كمامة وارتداء قفازات وإذا أمكن نظارة، ورش المياه على كل المكان الذي تنتشر فيه هذه المواد، وغسل الثياب التي كنا نرتديها بالمياه، والاستحمام فوراً". تضيف أن الوقاية ضرورية لتفادي عواقب خطيرة.
استهدافات مباشرة
يكشف مسؤول الملف الإعلامي في الدفاع المدني - الهيئة الصحية الإسلامية محمود كركي أنه ومنذ بدء الاشتباكات مع جيش الاحتلال في أكتوبر 2023 وحتى اليوم، سُجّل سقوط 53 شهيداً (بمن فيهم شهداء الباشورة وعيترون) من المسعفين وإصابة 136 جريحاً، كما استُهدفت عشرة مراكز من مراكزنا بشكل مباشر، وتضرّرت 41 سيارة بشكل جزئي أو كلي". ويقول لـ"العربي الجديد": "تعرّضنا لـ29 استهدافاً مباشراً وغير مباشر. والاستهداف المباشر يعني إصابة مراكزنا وسياراتنا وآلياتنا خلال قيامنا بمهام الإطفاء والإنقاذ والإسعاف، في حين أن الاستهداف غير المباشر يعني الأضرار أو الإصابات التي تلحق بنا جراء القصف المجاور".
ويوضح كركي أن "الغارة الإسرائيلية الغاشمة ليل الأربعاء على مركز الهيئة الصحية الإسلامية في منطقة الباشورة خلّفت سبعة شهداء وجريحين في حالة حرجة، في حين أدّت الغارتان المتتاليتان على مركز الهيئة الصحية الإسلامية في بلدة عيترون (جنوب البلاد) وعلى مستوصفها الملاصق للمركز إلى سقوط أربعة شهداء وجريح في حالة حرجة من مسعفي الهيئة، بالإضافة إلى خمسة شهداء من الجرحى والطاقم التمريضي في المستوصف". ويشرح أن "الغارة الإسرائيلية الأولى استهدفت المستوصف. وبعدما هرع مسعفو الهيئة لأداء مهامهم الإنسانية وإسعاف المصابين، استُهدفوا بغارة ثانية".
ويؤكد أن الأرقام آيلة للارتفاع في أي لحظة، مضيفاً: "لا يمكن الحديث عن مواثيق دولية، فهذا العدو لا يحترم أدنى الحقوق الإنسانية المتفق عليها في كل الاتفاقيات. لكن إذا كان العدو يقصد من استهدافنا بشكل مباشر أن يضعف عزيمتنا وإرادتنا، فهو مخطئ، لأن استهدافنا يزيدنا قوة وشجاعة وصبراً لمتابعة الطريق إلى جانب أهلنا وناسنا، والوصول معاً إلى النصر المحتّم".
الدفاع المدني اللبناني
استشهد ستة من عناصر ومتطوّعي الدفاع المدني اللبناني أثناء تنفيذ مهامهم، بالإضافة إلى 29 جريحاً تعرّضوا لحوادث عمل منذ بدء بدء اندلاع الاشتباكات عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023 وحتى 29 سبتمبر/ أيلول عام 2024. ويكشف بيان المديرية العامة للدفاع المدني أن "الشهداء الستة قضوا خلال تنفيذهم مهام إنقاذ وإسعاف وإخماد حرائق، وأثناء استجابتهم للحالات الطارئة، خصوصاً عقب اشتداد العدوان الإسرائيلي على لبنان مؤخراً. وتنوعت إصابات الجرحى بين حروق في الوجه والرقبة واليدين، وحالات اختناق جراء تنشق كميات كبيرة من مادة الفوسفور وغاز ثاني أوكسيد الكربون، وبين جروح ورضوض وكسور وكدمات، وإصابات في العيون وضربات على الرأس".
وعن الأضرار المادية التي لحقت ببعض مراكز الدفاع المدني اللبناني وآلياته، يتحدث رئيسا المراكز الإقليمية في بعلبك والهرمل (البقاع الشمالي) بلال رعد وإبراهيم العاشق، لـ"العربي الجديد"، عن أضرار جانبية في نطاق مركزيهما، والتي اقتصرت على تضرّر سيارة إسعاف جراء قصف قريب، وتضرر الإطارات في ثلاث آليات، وإصابة آلية أثناء إخماد حريق ناجم عن غارة، بالإضافة إلى تضرر بعض خراطيم المياه نتيجة الشظايا الناجمة عن الغارات".
من جهته، يوضح الرئيس الإقليمي لمركز الدفاع المدني اللبناني في الضاحية الجنوبية لبيروت سعد الأحمر أن "آلياتهم لم تتضرر، لكن وصلت إلينا تهديدات إسرائيلية أكثر من مرة بقصفنا واستهدافنا، فاضطررنا أحياناً إلى الانسحاب من الموقع المستهدف بالغارات حيث كنا حاضرين لإغاثة الجرحى وإخماد الحرائق، وإخلاء مراكزنا في أحيان أخرى، والانتقال إلى أماكن آمنة". ويؤكد في حديثه لـ"العربي الجديد" أنهم يواجهون في هذه الحرب "صعوبات عديدة نتيجة الكارثة الحقيقية التي نتعرض لها، حيث إن حجم الدمار الكبير الذي يسببه العدوان الإسرائيلي يعرقل أعمالنا الإغاثية، إذ يجرى تدمير مناطق وأحياء بأكملها ومبان عديدة قد تصل إلى 14 مبنى، كما حصل في منطقة حارة حريك (الضاحية الجنوبية للعاصمة)". ويقول: "العدو الإسرائيلي معروف بهمجيته وعدم اكتراثه لأي اتفاقيات دولية أو مواثيق إنسانية".
كشافة الرسالة الإسلامية
من جهته، يكشف مفوض الدفاع المدني المركزي في جمعية كشافة الرسالة الإسلامية ربيع عيسى أن "عدد شهداء الجمعية بلغ حتى تاريخ كتابة التقرير 19 شهيداً، في حين سُجّلت إصابة 59 جريحاً، كما أن 56 آلية إسعاف وإطفاء وإنقاذ خرجت عن الخدمة، ولحقت الأضرار بـ11 مركزاً"، مشيراً إلى أن هذه الإحصاءات تشمل بمعظمها مناطق جنوبي لبنان. ويقول في حديثه لـ"العربي الجديد": "عادة ما كان العدو الإسرائيلي يستهدف فرقنا الإسعافية في كل الحروب السابقة، لكن هذه المرة نسبة الاستهداف أعلى بكثير. كما أن كثافة الغارات على نفس المكان وبفارق في التوقيت تجعلنا نتريث قبل التوجه لإنقاذ المصابين. لا يمكن أن نغفل أن عدد الغارات كبير وتدميري ويطاول المدنيّين بشكل أساسي. لكن رغم كل الانتهاكات، سنبقى إلى جانب أهلنا في جميع المناطق اللبنانية، نمدّ لهم يد العون ونبلسم جراحاتهم وننقلهم إلى أماكن أكثر أمناً".
القانون الدولي الإنساني
تقول متحدثة من اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان، لـ "العربي الجديد"، إنه "مع اشتداد حدّة النزاع والتغيّرات التي طرأت على سير العمليات العدائية، تذكّر اللجنة الدوليّة جميع الأطراف بالحماية الخاصة التي تتمتّع بها كلّ الوحدات ووسائل النقل الطبية والعاملين في المجال الطبّي، وبضرورة تحييدهم وعدم تعطيلهم عن أداء عملهم. أيّ ضرر يلحق بالعاملين الطبيين والمرافق الصحية غير مقبول. هم محميون بموجب القانون الدولي الإنساني ويجب تجنيبهم العنف. العاملون الإنسانيّون وفي المجال الطبّي يعملون لإنقاذ الأرواح، وتدعو اللجنة الدولية جميع الأطراف إلى احترامهم وحمايتهم في كلّ الظروف".
تضيف: "تلعب اللجنة دور الحارس للقانون الدولي الإنساني، وهي جهة حماية ووسيطٍ محايد مع ولاية خاصة بموجب معاهدات القانون الإنساني التي امتدّت على مدى عقود. بموجب هذه المهمّة، طوّرت مجموعة من الأنشطة التي تهدف إلى تعزيز احترام القانون الدولي الإنساني خلال أوقات السلم وأوقات النزاعات على حدّ سواء، كعملها في مجال الوقاية الهادف إلى نشر القانون الدولي الإنساني بين مختلف الجهات الفاعلة. وتدعو اللجنة جميع أطراف النزاع إلى الامتثال بالقانون الدولي الإنساني الذي يبقى مهمّاً بقدر ما كان دائماً. فعندما تحترم الأطراف القانون، تُنقذ الأرواح".
إلى ذلك، يستنكر عاملون في المجال الإسعافي والإغاثي، في حديثهم لـ "العربي الجديد"، ما يختبرونه من "استهدافات إسرائيلية غير مقبولة أودت بحياة زملائهم من عناصر الطواقم الإسعافية الذين يقومون بواجبهم الإنساني، حيث يخرق العدو كل القوانين الدولية المتعلقة باتفاقيات جنيف والبروتوكولات التي تفرض حماية الطواقم الإسعافية العاملة في الميدان، والحفاظ على مسار آمن يمكّنها من الوصول إلى الضحايا أو المصابين، خصوصاً المدنيين الذين هم خارج النزاع أو الذين أصبحوا عاجزين عن القتال.
وتنصّ القوانين كذلك على ضمان توفير الرعاية الصحية أثناء النزاع المسلح، لكن الواقع على الأرض يؤكّد أن العدو الإسرائيلي لا يمتثل لأي قوانين دولية، بل تبقى تلك القوانين حبراً على ورق.