"صارت أفغانستان سجناً لنا"، هذا ما تؤكده ملاحات وأديبة ونرجس اللواتي كنّ قد سُررن بالعودة إلى صفوفهنّ والالتقاء برفيقاتهنّ، قبل أن تقرّر حركة طالبان إغلاق المدارس مجدداً. حدث ذلك أوّل من أمس الأربعاء، في 23 مارس/ آذار الجاري، بعد قرار غير متوقّع أمرت من خلاله "طالبان" بإغلاق المدارس الثانوية وبإعادة آلاف التلميذات إلى منازلهنّ، بعد ساعات قليلة من إعادة فتح المؤسسات التربوية بإعلان كانت قد أصدرته وزارة التعليم الأفغانية قبل فترة طويلة.
تخبر ملاحات حيدري (14 عاماً)، في اليوم التالي لمغادرتها على عجل مدرسة "الفتح" للبنات في العاصمة الأفغانية كابول: "بكيت كثيراً"، وهي تمسح دموعها في خلال مقابلة أجرتها معها وكالة "فرانس برس" في منزل عائلتها بمنطقة راقية من العاصمة، تضيف: "نُعامَل معاملة المجرمين فقط لأنّنا فتيات. ولهذا السبب طردونا من المدرسة".
#UPDATE Taliban orders secondary girls schools in Afghanistan to shut just hours after they reopened, an official confirms, sparking confusion.
— AFP News Agency (@AFP) March 23, 2022
An @AFP team was filming at Zarghona High School in Kabul when a teacher entered and ordered everyone to go home pic.twitter.com/8JeLAYvTkP
وكانت الحركة قد عزّزت بقرارها الأخير مخاوف المراقبين الذين يخشون أن يحظر قادة البلاد الجدد مرّة أخرى تعليم الفتيات، مثلما فعلوا في خلال فترة حكمهم الأولى بين عامَي 1996 و2001. يُذكر أنّ عودة الفتيات إلى المدارس الثانوية أتت في أعقاب عودة الفتيان والفتيات إلى المدارس الابتدائية فقط، وقد سُمح لهؤلاء باستئناف الدراسة بعد شهرَين من سيطرة "طالبان" على كابول في أغسطس/ آب الماضي. ولم تقدّم الحكومة الأفغانية أيّ تفسير واضح يتعلّق بتغيير توجّهها بشأن الفتيات في التعليم الثانوي، لكنّ معلومات مسرّبة من اجتماع سرّي لكبار قادة "طالبان" في معقلهم الجنوبي في قندهار عُقد مساء الثلاثاء الماضي، أشارت إلى أنّ الأسباب تراوح ما بين الحاجة إلى زيّ موحّد والرفض الصريح لحاجة الفتيات إلى التعليم. وتكرّر وزارة التعليم أنّ المدارس سوف تفتح أبوابها، إنّما فقط عندما تُحدَّد توجيهات جديدة.
من جهتها، تقول أديبة (13 عاماً)، شقيقة ملاحات، لـ"فرانس برس"، إنّه "حتى أمس، لم أكن وحدي التي اعتقدت أنّ طالبان قد تغيّرت، بل كلّ من يتمّ سؤاله". وتتدخّل ملاحات لتضيف: "عندما أرسلوا الجميع إلى المنزل، أدركنا أنّ طالبان ما زالت نفسها... مثلما كانت". وتؤكد أديبة أنه "نفتقد حريّتنا. نفتقد زملاءنا في الدراسة والمعلّمين". تجدر الإشارة إلى أنّ الشقيقتَين من عائلة ثرية ووالدَيهما متعلّمان، وهما حظيتا بتشجيع دائم على الدراسة.
خوف من النساء المتعلمات
من جهتها، ترى نرجس جفري (14 عاماً)، التي تسكن في ناحية أخرى من المدينة وتنتمي عائلتها إلى الأقلية الشيعية "الهزارة"، أنّ النساء المتعلّمات يُشعِرن "طالبان" بالتهديد، وتقول لـ"فرانس برس": "يظنّون أنّنا إذا درسنا سوف نكتسب المعرفة ونحاربهم بالتالي"، مضيفة "إنّهم خائفون من ذلك". ونرجس كانت تبكي وهي تجلس خلف طاولة مليئة بكتبها في منزل العائلة، وتؤكد أنّه "من الظلم أن أرى الفتيان في مثل سنّي يذهبون إلى المدرسة، فيما أُجبَر على البقاء في المنزل... إنّه أمر صعب حقاً".
وتتذكّر نرجس، التلميذة في مدرسة "معرفات" الثانوية في كابول، قصصاً روتها لها والدتها حميدة عن فترة حكم طالبان السابقة، فتخبر أنّه "في السابق، كان ينتابني شعور غريب عندما كانت أمّي تحكي كيف ارتدت البرقع أو الشادور، وكيف لم يكن يُسمح للمرأة بالخروج من دون مرافقتها من قبل رجل". تضيف المراهقة أنّ "كلّ هذه الأخبار تعبر مخيلتي حالياً".
وكانت حركة طالبان قد فرضت في خلال سبعة أشهر من الحكم، منذ صيف 2021، مجموعة قيود على النساء، فتمّ استبعادهنّ من وظائف حكومية عديدة، مع مراقبة لباسهنّ ومنعهنّ من مغادرة مدنهنّ بمفردهنّ. كذلك اعتقلت الحركة ناشطات عديدات تظاهرنَ من أجل حقوق النساء. يُذكر أنّ حميدة (والدة نرجس)، كانت في العاشرة من عمرها عندما أُجبرت على ترك المدرسة في خلال حكم "طالبان" السابق، وهي قلقة حالياً على مستقبل ابنتها، وتقول بحزن: "سوف تتحطّم أحلامها".
مناشدة لمراجعة قرار الحركة
في سياق متصل، لم تخفِ 16 وزيرة خارجية حول العالم، اليوم الجمعة، أنّه "بصفتنا نساء ووزيرات للخارجية، نشعر بخيبة أمل كبيرة وقلق عميق من حرمان الفتيات الأفغانيات من الالتحاق بالمدارس الثانوية في هذا الفصل الدراسي في الربيع". وجاء ذلك في بيان مشترك لوزيرات خارجية كلّ من ألبانيا وأندورا وأستراليا وبلجيكا والبوسنة وكندا وإستونيا وألمانيا وأيسلندا وكوسوفو وملاوي ومنغوليا ونيوزيلندا والسويد وتونغا وبريطانيا.
أضافت الوزيرات في بيانهنّ، أنّ القرار "مقلق خصوصاً بسبب إعلان التزام طالبان المتكرّر بفتح كلّ المدارس للجميع"، ودعونَ الحركة إلى "التراجع عن قرارها الأخير ومنح المساواة في الوصول إلى كلّ مستويات التعليم في كلّ ولايات البلاد"، وتابعنَ "نراقب عن كثب وفاء طالبان بالتزاماتها، وسوف يتمّ تقييمها من خلال إجراءاتها، وليس من خلال تصريحاتها"، مؤكدات أنّ "نطاق ومدى مشاركة بلداننا في أفغانستان في أكثر من المساعدات الإنسانية مرتبطان بإنجازات الحركة في هذا المجال"، كذلك ذكّرنَ أنّ "الحصول على التعليم هو حقّ من حقوق الإنسان لكلّ فتاة وامرأة".
(فرانس برس، أسوشييتد برس)