خيمت فاجعة وفاة مرضى "كوفيد-19" في مستشفى السلط الحكومي، السبت، على الأردنيين، بعد أن تسبب نقص الأوكسجين في المستشفى المخصص لعلاج مصابي كورونا، في سبع وفيات على الأقل، ما أدى إلى إقالة وزير الصحة، واعتقال خمسة أشخاص بعد فتح تحقيق في الواقعة، إضافة إلى زيارة الملك عبد الله الثاني المستشفى.
وصدر مرسوم ملكي، مساء السبت، بإقالة وزير الصحة من منصبه، وتكليف وزير الداخلية بإدارة وزارة الصحة، اعتباراً من اليوم.
من جهته، أعلن نائب عام عمّان، السبت، توقيف خمسة أشخاص من قبل مدعي عام السَّلط وإسناد تهمة التسبب بالوفاة بالاشتراك مكرر 7 مرات، وفق وكالة الأنباء الرسمية (بترا)، وأشار مدعي عام عمان إلى توقيف مدير مستشفى الحسين في السلط وثلاثة من مساعديه ومسؤول التزويد في المستشفى لمدة أسبوع، في أحد مراكز الإصلاح والتأهيل، وأضاف مدعي عام عمان أن التحقيق في قضية مستشفى الحسين بالسلط ما زال مستمراً وجارياً لتحديد من تسبب بهذا الجُرم.
وقال رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، عقب اجتماع طارئ، إن "الحكومة تتحمّل كامل المسؤولية عن الحادث، وتمّت إقالة وزير الصحّة، ومدير مستشفى السلط الحكومي، كما تقرر إيقاف مدير صحّة البلقاء عن العمل لحين استكمال التحقيقات".
وأضاف في إيجاز صحافي أن "الحكومة لن تجنح إلى التبرير، ولا إلى التقليل من شأن ما حدث، فما حدث هو أمر جلل، ولا يمكن تبريره، ولا التواري عن تحمل المسؤولية الكاملة حياله. وفاة أردني واحد بسبب التقصير لا يمكن قبوله، والخطأ الذي يمسّ حياة الأردنيين بسبب التقصير لا يوجد ما يبرّره، ويؤلمنا أنّ ثقة الأردنيين بكفاءة الإدارة العامّة تعمّقت، وهذا تطلّب القيام بإجراءات جادّة وفوريّة. تقرّر إعلان الطوارئ في مستشفيات الأردن للتأكّد من سلامة الإجراءات لحماية صحّة المواطنين".
ويقول الأردني محمد الزعبي لـ"العربي الجديد"، إنّ كثيرين من أهالي المرضى وصلوا إلى المستشفى، في وقت مبكر من صباح السبت، عقب نهاية حظر التجول الشامل للاطمئنان على ذويهم بعد توارد الأخبار حول انقطاع في الأوكسجين استمر لمدة ساعة تقريباً.
وطوّق مواطنون غاضبون المستشفى، وانتشروا في الطرقات القريبة، مطالبين بإقالة الحكومة، ومتهمين السلطات بالتقصير، في الوقت الذي انتشرت فيه قوات الأمن بكثافة للسيطرة على الجموع الغاضبة، والحيلولة دون وقوع أحداث شغب.
وقال المواطن أحمد الحياري، من مدينة السلط، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة بمختلف أطرافها تتحمل مسؤولية الوفيات التي وقعت في المستشفى. "ما حدث كان نتيجة إهمال وتقصير في المنظومة الصحية، وليس حادثاً طارئاً، والحكومة ووزراؤها يهتمون بالاستعراض، مع عدم القيام بواجباتهم الأساسية المتعلقة بصحة وسلامة المواطنين".
من جانبه، يقول رئيس لجنة الصحة والبيئة في البرلمان، النائب عن محافظة البلقاء، أحمد السراحنة، لـ"العربي الجديد": "المقصّر يجب أن يحاسب، ونحن نتابع القضية، فالحفاظ على أرواح الناس هو الهدف الأسمى. أجريت اتصالات بمختلف الجهات المعنية، وهناك متابعة من نواب المحافظة مع رئيس مجلس النواب، عبد المنعم العودات، ومجلس النواب سيقوم بدوره الرقابي، وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها".
ويؤكد الخبير في الأخلاقيات الطبية وحقوق المرضى، الطبيب هاني جهشان، لـ"العربي الجديد"، أن "وزير الصحة يتحمّل مسؤولية جزائية عن التسبب بالوفاة، وليس فقط المسؤولية الأدبية، لأنّ الإشراف على علاج مرضى الوباء أوكل إلى الوزير بحسب قانون الصحة العامة الذي ينص على أنه: إذا تفشى مرض وبائي في المملكة، فعلى وزير الصحة أن يتخذ جميع الإجراءات بصورة عاجلة لمكافحته، ومنع انتشاره، والإعلان عن هذا الوباء بوسائل الإعلام المختلفة، ويكون الوزير مخولاً باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للقضاء على الوباء".
ويضيف جهشان: "يجب التحفظ على مدير المستشفى، وعدم منع النشر لنتائج التحقيق، فالقضية واضحة، ولا تحتاج إلى تسويف. هناك احتمال كبير أن يتسبب نقص الأوكسجين بتلف في الدماغ للمرضى الذين لم يتوفوا في الحادث، وهذا يستدعي إجراء فحص سريري عصبي لجميع من كانوا في المستشفى لتقييم حالتهم، وبيان أثر نقص الأوكسجين عليهم".
في الإجراءات العامة، قال مدير المركز الوطني للطب الشرعي في وزارة الصحة، الطبيب عدنان عباس، إنّه جرى تشكيل فريق طوارئ لتشريح جثث المتوفين في مستشفى السلط الحكومي، وهم أربعة رجال وثلاث نساء، وجميعهم كانوا نزلاء داخل المستشفى، وإصابتهم بفيروس كورونا مثبتة، وكانوا على أجهزة الأوكسجين.
وفي ردود الفعل، قال حزب جبهة العمل الإسلامي، أكبر الأحزاب المعارضة، في بيان، إن ما شهده مستشفى السلط فاجعة تتطلب إجراء تحقيق فوري وعاجل في هذا التقصير والإهمال الفاضح تجاه أرواح المواطنين، وأن تتحمل الحكومة مسؤولياتها وتقدم استقالتها وترحل، مع محاسبة المسؤولين عن هذا الملف، فأرواح المواطنين أغلى من أيّ مسؤول عاجز أو إدارات فاسدة.
ووصفت الملكة رانيا العبد الله ما حدث في مستشفى السلط من انقطاع للأوكسجين بالإهمال المؤلم الذي لا يمكن تبريره، لافتة في منشور عبر "فيسبوك" إلى أنّ "ما حدث لأهلنا في مستشفى السلط فاجعة. رحم الله الأرواح التي فقدناها، وألهم ذويهم الصبر والسلوان".
يذكر أنّ مستشفى السلط الحكومي الجديد افتتح في أغسطس/ آب الماضي، وهو مؤلف من 11 طابقاً. وبلغت كلفة إنشائه وتشغيله نحو 110 ملايين دينار أردني (154 مليون دولار أميركي). وتصل سعة المستشفى إلى 350 سريراً، مع إمكانية التوسعة إلى 500 سرير.