وسط الازدحام الذي تعيشه مدينة إدلب في شمال سورية، لم تعد المساحات الخضراء وتلك الآمنة التي تمثّل متنفّساً للأهالي والأطفال قادرة على استيعاب عدد السكان الكبير الذي تضاعف أربع مرّات على أقلّ تقدير، بحسب ما تشير منظمات تعمل في الشأن الإنساني.
ويتنقّل خلدون الإبراهيم على دراجته النارية مصطحباً معه أطفاله، بحثاً عن حديقة يلعبون فيها بمناسبة عيد الأضحى. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه قصد ثلاث حدائق من دون أن يتمكّن من إطلاق أطفاله فيها. ويؤكد أنّ "كلّ الحدائق في إدلب مزدحمة بصورة كبيرة، وبالتالي لا يمكن للطفل أن يحصل على فرصته في اللعب، الأمر الذي دفعني إلى البحث عن مكان أقلّ ازدحاماً".
يضيف الإبراهيم: "أقيم في شقة في مبنى ولا أستطيع اصطحاب أطفالي للعب في الساحات إلا في العطل الطويلة"، ولا يخفي أنّ "بعد أطفالي عن الساحات والأماكن المخصّصة للعب خلق لديهم حالة من العزلة، وبات الهاتف الخلوي رفيق طفولتهم الوحيد". ويتابع: "لا أتمنّى استمرار هذا الأمر، غير أنّ الواقع الذي نعيشه يفرض علينا هذا النمط من الحياة".
على مقعد معدني في حديقة الجلاء وسط إدلب، تجلس أم خالد وتراقب أطفالها وهم يلعبون بإحدى الأراجيح. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها لا تستطيع تركهم بمفردهم، "فالحديقة مزدحمة كثيراً، وفي هذه الأوضاع تكثر المشاجرات بين الأطفال على الألعاب. فالجميع يريد اللعب فيما أعداد الألعاب قليلة جداً".
تضيف أم خالد أنّها سمحت لهم بالترويح عن أنفسهم في هذه الحديقة لمدّة نصف ساعة فقط، و"سوف نعود إلى المنزل. الأجواء غير مناسبة للعب". وفي حين تؤكد أنّه "من حقّ الأطفال أن يستمتعوا بألعاب العيد"، تقول "لا أرغب في دخول أطفالي بشجارات مع أطفال آخرين".
وتشير أم خالد إلى أنّ "إمكانات زوجي المادية لا تسمح لأطفالي بارتياد مدن الملاهي التي تتطلّب بدل دخول، وهي تنتشر عند أطراف المدينة وكذلك في حديقة التحرير". وتتابع أنّ "الأطفال يشاهدون تسجيلات الفيديو والصور على الموبايلات، ويرغبون في التجربة. لكنّ مثل هذه الرحلة قد تكلّف الكثير، وهو أمر يصعب على العائلات متوسطة الحال".
وفي ظلّ حاجة الأطفال إلى اللعب وغياب المساحات الآمنة، راح صغار كثيرون يلهون في الطرقات، الأمر الذي يمثّل خطراً على حياتهم، لا سيّما بسبب الازدحام المروري الذي تشهده إدلب.
ويقول محمد العمر وهو شاب مقيم في إدلب لـ"العربي الجديد" إنّ "انتشار الأطفال في الشوارع يخلق لديّ حالة من الرعب المستمر في أثناء القيادة. وقبل أن أتحرّك بسيارتي، أتفقّد محيطها بشكل كامل خوفاً من وجود طفل مختبئ من رفاقه خلفها مثلاً. وفي أثناء تنقلّاتي، أرى وجوب استنفار تركيزي بصورة كلية، فأنا لا أعرف متى يعبر طفل أمامي بصورة مفاجئة ليلتقط مثلاً كرة مرّرها له صديقه، أو يجتاز الطريق أمامي آخر على درّاجته".
ويؤكد العمر أنّ ذلك "يعرّض حياة الأطفال للخطر، لكنّ الأهل في الغالب مجبرون على السماح لصغارهم بالنزول إلى الشارع للعب فيه، لا سيّما في المناسبات حين تضيق المنازل بالضيوف ويكثر ضجيج الأطفال".