غلاء الغاز يحرم غزيين الطهي خلال رمضان
تتفاقم أزمة غلاء أسطوانات غاز الطهي التي بدأت قبل سنوات خلال شهر رمضان الجاري في قطاع غزة، الأمر الذي أجبر العائلات على الحد من وجبات الطعام التي كانوا يعدونها على موائد الإفطار في محاولة للتأقلم مع هذا الواقع الجديد، بعدما ارتفع سعر أسطوانة الغاز الواحدة إلى 22 دولاراً أميركياً، وهو أعلى سعر للأسطوانة.
ويعيش الغزيون ظروفاً اقتصادية وسياسية صعبة تتفاقم خلال رمضان، كونهم يترقبون الأحداث السياسية بحذر وخوف من اندلاع حرب إسرائيلية جديدة على غرار ما شهدوه خلال عامي 2014 و2021. ويزداد الغلاء في وقت تبدو فيه الأسواق الشعبية فارغة من الزبائن في أحيان كثيرة. إلا أن غلاء أسطوانة الغاز زاد الأمر سوءاً.
ووضع كثيرون أسطوانات فارغة على مقربة من منازلهم من دون تعبئتها بسبب الفقر وعدم استطاعتهم تأمين هذا المبلغ، فيما أرجأ آخرون الدفع للموزعين في مناطق ومخيمات غزة، واضطر آخرون من الذين يستخدمون آلات كهربائية لإعداد مشروبات ساخنة أو غسل الأطباق إلى انتظار التيار الكهربائي في محاولة لتوفير الغاز، على الرغم عن الاستهلاك الإضافي للكهرباء.
ومنذ التاسع من شهر رمضان وحتى اليوم، لم يتمكن رامي العبيد (50 عاماً)، من تعبئة أي من أسطوانات الغاز الثلاث في منزله. وغالباً ما يضع الناس في بيوتهم أسطوانتي غاز على الأقل، وقد تصل إلى أربع أسطوانات في البيوت التي تعيش فيها عائلات ممتدة، لتعبئة الأسطوانة التي تفرغ مباشرة. واضطرتهم ظروف الحصار إلى أخذ احتياطاتهم خشية انقطاعه تماماً.
إلا أن غلاء الأسطوانة جعلهم عاجزين عن تأمين المال لشراء الغاز. ويذكر العبيد أنه عام 2006، كان سعر أسطوانة الغاز يبلغ 35 شيكلاً (نحو 10 دولارات)، وكان الغزيون يطالبون بتخفيض سعرها في ذلك الوقت، حتى أن أحد الأحزاب التي نافست في الانتخابات التشريعية قدم وعداً بتخفيض سعرها إلى النصف في حال فوزه، لكن الوضع ظل يزداد سوءاً.
ويقول العبيد لـ"العربي الجديد": "كنت أعمل في مجال النجارة، ثم توقفت الكثير من المصانع عن العمل. بعدها تنقلت في مهن عدة قبل أن أصبح عاطلاً من العمل. لم يتخيل الفقير في غزة أن يعجز عن شراء غاز للطهي. عدنا سنوات كثيرة إلى الوراء فيما كان علينا أن نتقدم. بالفعل، لا أستطيع في معظم الأيام حتى شراء طعام للعائلة. لدي سبعة أبناء، وبتنا نطهو بعض الأطباق الرمضانية في منزل جيراننا لعدم قدرتنا على تأمين غاز الطهي".
بدوره، اضطر بلال العطا (46 عاماً)، إلى الاستدانة للمرة الثالثة على التوالي لشراء أسطوانة غاز بعدما أصبح عاطلاً من العمل منذ العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في مايو/ أيار من العام الماضي، من جراء تدمير أحد المصانع الذي كان يعمل فيه على الحدود الشرقية للقطاع. في الوقت الحالي، يعتمد وأسرته المؤلفة من ستة أفراد على المساعدات الإنسانية منذ عام على الرغم من بحثه المستمر عن أي فرصة عمل.
ويقول العطا لـ"العربي الجديد": "كان أجدادنا يعتمدون على الحطب. ولن نموت إذا ما توقفنا عن تناول الشاي والقهوة أو بعض الوجبات. يريدوننا أن نعود إلى العصر الحجري. نحن مطالبون بالصمود، لكن لماذا؟ هل ليقول العالم إننا صامدون؟ صمدنا بما فيه الكفاية على مدار 15 عاماً"، ويشير إلى أنه دخل السجن في نهاية العام الماضي لعجزه عن سداد بعض الديون، وبقي فيه مدة شهر، يضيف: "نصارع لتأمين الحد الأدنى من الحقوق، كالكهرباء وغاز الطهي والمياه والهواء".
ويقول صاحب محطة غاز الأسطل في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة مفيد الأسطل إنه يلاحظ مدى تراجع القدرة الشرائية لدى المواطنين داخل المحطة، إذ يتولى توزيع الغاز في محافظات جنوب قطاع غزة، ويشير إلى أن القدرة الشرائية لدى الموزعين تقلصت بنسبة 30 في المائة، كما أن أكثر من 50 في المائة من الموزعين عاجزون عن سداد استحقاقات بدل غاز الطهي، كما يوضح، الأمر الذي يشير إلى عدم قدرة الناس على دفع المقابل المالي واضطرار بعض الموزعين إلى تسجيل ديون أسطوانات الغاز لدى بعض الزبائن لعدم قدرتهم على الدفع مباشرة.
ويقول الأسطل لـ"العربي الجديد": "ارتفع سعر أسطوانة الغاز لأنها أصبحت أغلى بالنسبة لأصحاب المحطات. يغضب الناس يومياً بسبب الغلاء. وهذا أمر لا يحتمل".