من باحات الجامعة إلى شوارع العاصمة اللبنانية، انطلق الطلاب والطالبات في يوم غضبٍ وسط هتاف "يسقط حكم الدولار"، علّهم يستردون حقّهم في التعليم، ويتصدّون لمحاولات تدمير مستقبلهم الأكاديمي، قبل أن تتحوّل مسيرتهم السلمية إلى اشتباكاتٍ عنيفة مع العناصر الأمنية والعسكرية لدى محاولتهم اقتحام باب الجامعة الأميركية في بيروت.
وتخلّل الاشتباكات إطلاق قنابل مسيّلة للدموع، والرشق بالحجارة، وضرب الطلاب المشاركين من الجامعات الخاصة والجامعة اللبنانية بالهراوات، فيما ردوا بإشعال النار في مستوعبات النفايات، كذلك اعتُقِل أحد الطلاب.
وجاءت التحركات بعد أسبوع على "إعلان طلاب لبنان"، بعد الفوز الذي حقّقته الأندية العلمانية في انتخابات الجامعات الخاصة، واحتجاجاً على "الإجراءات الإدارية والسياسية المجحفة" التي تتّخذها إدارات الجامعات الخاصة، وأوّلها قرار احتساب المصروفات الدراسية بالدولار الأميركي، وما يرافقها من "تسليعٍ" للتعليم، واستفرادٍ بالطلاب وذويهم، كذلك فإنها صرخة استنكار لغياب الانتخابات الطلابية، وفقدان أدنى متطلبات التعليم اللائق في الجامعة اللبنانيّة.
ودعا إلى المسيرة الطلابية كل من شبكة "مدى" الشبابية التي تضم 4 أندية علمانية في الجامعات الخاصة، ومجموعات ومجالس طلاب مستقلة من كل جامعات لبنان، وتكتل طلاب الجامعة اللبنانية، وشاركت فيها حركات طلابية يسارية، وعدد من ذوي الطلاب، ونشطاء انتفاضة 2019.
وعبّر المشاركون عن رفضهم اعتماد الأقساط وفق سعر صرف 3900 ليرة لبنانية لكل دولار، بعد أن كانت تعتمد سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة للدولار، ورفض محاولات "أقطاب السلطة احتواء زخم الحركة الطلابية" عبر اقتراحهم مشروع قانون يلزم الجامعات بتثبيت الأقساط للفصل المقبل وفقاً للسعر القديم، الذي أُدرج على جدول أعمال جلسة المجلس النيابي بعد غدٍ الاثنين.
وروى الرئيس السابق لـ"النادي العلماني"، عضو شبكة "مدى" الشبابية، كريم صفي الدين، لـ"العربي الجديد"، كيف استخدمت القوى الأمنية "كل الأساليب لتفريق المشاركين في المسيرة، ومنها التدافع والضرب المبرّح والقنابل المسيّلة للدموع. علماً أنّ دخولنا إلى حرم الجامعة مشروع لكونها مساحة للجميع، ومن حقنا التظاهر والاعتراض، لكنّهم لا يريدون أن يصل صوت الطلاب إلى الجامعة التي يدفعون ثمن أقساطها بالدم. سنبحث آليات التصعيد، فالمعركة اليوم باتت مختلفة".
وعلى وقع الهتافات، انطلق الطلاب في مسيرةٍ حاشدة مرت بمقر أكثر من جامعة خاصة في العاصمة، بدءاً من جامعة القديس يوسف (اليسوعية)، مروراً بشارع الحمرا، حيث انضمّت إليهم مجموعات طلابية من مختلف الجامعات، وتوجّهوا نحو الجامعة الأميركية والجامعة اللبنانية الأميركية، مردّدين هتافات، منها: "يا للعار ويا للعار. الطالب ضحية
تجّار".
وقال طالب الماجستير في الجامعة الأميركية، حسين شرف الدين، لـ"العربي الجديد"، إنّه صمّم على استكمال ماجستير الاقتصاد، وكان من المفترض أن يدفع قيمة السنتين 30 ألف دولار أميركي، أي ما كان يوازي 45 مليون ليرة لبنانية وفق السعر الرسمي. "اليوم، باتت الكلفة نحو 117 مليون ليرة. نطالب بأن يسعّروا الأقساط بالليرة كي لا تتوقف مسيرتنا التعليمية قسراً، أو نضطر إلى الهجرة، علماً أنها باتت مستحيلة في ظل أزمة تحويل الدولار".
ولفت طالب هندسة الميكانيك في الجامعة اللبنانية الدولية، حسين دلال، إلى أن جامعته أقرّت احتساب الدولار وفق سعر الصرف الرسمي الذي تحدده الدولة، "فإذا رُفع سعر الصرف إلى 3900 ليرة لكل دولار، سنصبح مهددين بخسارة مستقبلنا الدراسي"، وأضاف لـ"العربي الجديد": الدولة لم ترفع رواتب أهلنا، ولا تدعمنا بأي شكل من الأشكال. اختصاصي خمس سنوات، وما زلتُ في السنة الأولى، ودفعت حتى الآن خمسة ملايين ليرة كجزء من قيمة الفصل الأول، فكيف لي أن أدفع الباقي ووالدي موظف بات راتبه يقارب 170 دولاراً أميركيّاً".
وقالت الطالبة في الجامعة اللبنانية، نور الجردي، لـ"العربي الجديد": "جئنا رفضاً لسياسة السرقة عبر زيادة قيمة احتساب الدولار في الجامعات الخاصة، ولا سيما أن الجامعة اللبنانية غير قادرة على استيعاب أي طالب من الجامعات الخاصة، فميزانيتها تتناقص، ومختبراتها ومراكز أبحاثها غير مؤهلة"، مشيرة إلى أن "العِلم في لبنان بات ميزة طبقية، فأين يذهب الفقراء؟".