قيام مجموعات من الزوجات بغسل أقدام حمواتهن بالماء الساخن على الملأ في الساحات العامة هو تقليد صيني قديم لا يزال مستخدماً حتى اليوم، بهدف إظهار الحب والتواضع والرعاية.
وشهدت مقاطعة خبي شمالي الصين، خلال الأيام الماضية، فعالية اجتماعية بعنوان "أنا أغسل قدمي والدتي، نحن عائلة متناغمة" إذ جلبت عشرات الفتيات أحواضاً مليئة بالماء الساخن، وبدأن غسل أقدام حمواتهن، في مشهد نقلته وسائل الإعلام الرسمية، وتخلل ذلك أنشطة أخرى تظهر مدى الخضوع لأمهات الأزواج.
غير أنّ هذا التقليد أثار جدلاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي الصينية، فبينما يشيد البعض به، اعتبر آخرون أنه يعزز التبعية على حساب كرامة الفرد وقيم المساواة.
وتدعم السلطات الصينية هذا التقليد بقوة، وصرح مسؤول بالحزب الشيوعي الحاكم بأن التقليد يهدف إلى تعليم الأجيال الجديدة أن يكونوا ممتنين للآباء والأقارب الأكبر سناً، وتعزيز الفضيلة الصينية التقليدية المتمثلة في احترام الوالدين.
ويشار إلى أن المدارس الابتدائية الصينية لا تزال تحض الطلاب على مساعدة والديهم، أو أجدادهم، في غسل أقدامهم باعتبارها واجباً ضمن فصول التربية الأخلاقية، إذ تشعر السلطات بالقلق من أن يتسبب تغير نمط الحياة في ضعف الروابط الأسرية داخل المجتمع.
تزوجت شياو آي، حديثاً في مقاطعة قوانغدونغ الجنوبية، وتقول لـ"العربي الجديد": "عندما أنجبت طفلي، لازمتني حماتي طوال 45 يوماً، وهي فترة نقاهة ما بعد الإنجاب الشائعة في جنوب الصين، لم أكن أفعل شيئاً خلال تلك المدة سوى الاستلقاء على السرير، وكانت حماتي تعد الطعام، وتغسل الملابس، وتساعدني في الاعتناء بالطفل، لذلك أشعر بامتنان كبير لها، وليس لدي تحفظ على غسل قدميها أمام الجميع، فهي تستحق أكثر من ذلك لأنها بمثابة أم حقيقية".
من جهتها، تقول لين شيانغ، وهي أم لطفلين تقيم في مقاطعة شاندونغ شرقي البلاد: "لا أفهم سبب الإصرار على التمسك بهذه العادات القديمة. على المجتمع أن يتوقف عن الترويج لمثل هذه التقاليد"، وتتساءل خلال حديثها مع "العربي الجديد": "لماذا نغسل القدمين على وجه التحديد، ألا يمكن استبدال ذلك بغسل الوجه، أو اليدين، يبدو أن للأمر علاقة بإذلال الجيل الشاب، نحن نحب أمهات أزواجنا، ولدينا وسائل مختلفة للتعبير عن الحب والامتنان، أما حصر ذلك بغسل القدمين، فهو جزء من خطة تهدف إلى إخضاع الأجيال بصورة مهينة لا علاقة لها بالحب والاحترام والتقدير".
وتقول الباحثة في مركز "وو مين" للدراسات الاجتماعية، تشين يوان، إن "غسل أقدام المسنين تقليد تعود جذوره إلى 2500 عام، وظهرت هذه التعاليم لأول مرة في عهد الفيلسوف كونفوشيوس (551-479 قبل الميلاد)، والذي دعا إلى توقير كبار السن، وإظهار الاحترام لهم".
وأضافت في حديث مع "العربي الجديد": "تواصل هذا التقليد لقرون، لكنه نشط خلال السنوات الأخيرة في جميع الأنحاء بهدف تعزيز الاحترام للأجيال الأكبر سناً، وقد ساهم في ذلك الترويج الذي مارسته السلطات بعد شعورها بالقلق من أنّ القرن الحادي والعشرين تسبب في ضعف الروابط الأسرية، فضلاً عن زيادة المسنين بين السكان. الترويج لاحترام الآباء لا يعني أنّ الناس يشعرون بامتنان أكبر من ذي قبل، بل يكشف عن قلق مجتمعي من إهمال كبار السن، خصوصاً أنّ كثيراً من الشباب يعيشون بعيداً عن آبائهم وأمهاتهم".
وحول سبب اختيار غسل القدمين لإظهار الامتنان، أوضحت تشين يوان، أنّ "القدمين هما أدنى جزء في الجسم، وبالتالي فإن غسلهما يظهر مدى التواضع والخضوع، والأجيال الجديدة التي تعتنق قيم الحرية والمساواة ترفض هذا التقليد، وتعتبره سلوكاً لخلق رعايا خاضعين ومطيعين، وتطالب بإلغاء هذا النوع من التقاليد التي لا تناسب روح العصر".
وأشارت إلى ظاهرة مشابهة حدثت في عشرينيات القرن الماضي، عندما انطلقت الحركة الثقافية التصحيحية في الصين، وحارب الشباب فكرة المجتمع القائم على التسلسل الهرمي، وقالت: "لا يمكننا إقناع الناس بطاعة الآباء عبر ذات الطرق التي تنتمي إلى حقب ماضية، لكن علينا أن نعترف بأنها لا تزال تمثل قيمة اجتماعية وإنسانية أساسية في حياة الصينيين".
وكان الرئيس الصيني، شي جين بينغ، قد أثار مسألة احترام الآباء في خطاب بمناسبة الاحتفال بالسنة القمرية الجديدة في عام 2019، واقتبس نصاً للفيلسوف كونفوشيوس، يقول: "تقوى الأبناء هي أساس كلّ الفضائل"، وربط الرئيس الصيني ذلك بحاجة البلاد إلى معالجة أزمة الشيخوخة كي لا تؤثر على عجلة الاقتصاد، وأنّ رعاية كبار السن ودعمهم عاطفياً يرتبطان بانسجام واستقرار المجتمع.
في أعقاب ذلك، أصدرت السلطات الصينية دليلاً إرشادياً بعنوان "القيمة الأخلاقية الصينية لفضيلة تقوى الأبناء" تحدثت فيه عن أهمية هذا السلوك، وضمنته اقتباسات للرئيس الصيني، وللفيلسوف كونفوشيوس، كما اعتُبر 2019 العام الأول للترويج الرسمي لاحترام الآباء في جمهورية الصين الشعبية.