غزّة: دليلك الأمني لاستخدام فيسبوك

15 مايو 2016
(في غزة، تصوير: محمد عابد، 2014)
+ الخط -

سؤالٌ واحدٌ يمكن نشره على فيسبوك، مفاده: "هل تعرف أحداً في غزّة اعتُقل على خلفية منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي؟"، كفيلٌ بأن يصل السائل عشرات التعليقات بأسماء وقصص مختلفة، إضافة إلى كم كبير من الرسائل الخاصة التي ستعرف الطريق إلى صندوقها، من أشخاص اعتُقلوا، أو حول آخرين انتشرت قصصهم مؤخراً أو في وقت سابق.

قبل أيام، انتشر فيديو للشاب عادل المشوخي من رفح، يتحدث فيه بانفعالٍ معبراً عن غضبه من حكومة قطاع غزة إثر حادثة حريق الأطفال في معسكر الشاطئ، ويطلب من الحكومة، متمثلة بحركة حماس، أن تتنازل وتترك الحكم.

سرعان ما انتشر الفيديو على الفيسبوك، وحصد آلاف المشاهدات في وقت قصير. في اليوم التالي، فاجأ المشوخي متابعيه ببيانٍ نشره على صفحته، يعتذر فيه للحكومة وحركة حماس وكتائب القسام، ويقول إنه لم يكن واعياً لما نشره، راجياً أن يسامحوه على غلطته.

وبعد إرسال رسالة إلى عادل وسؤاله عما حدث، وصلت الإجاب صباح اليوم التالي: "معاك صديق عادل المشوخي، مش عادل اللي كتب الاعتذار وإنما بواسطة الأجهزة الأمنية بعد أن أخذوا منه كلمة سر حسابه، وقد تم اعتقاله قبل قليل من قبل حكومة حماس وأرجو نشر الخبر".

الذي يحصل، غالباً، هو أن بلاغاً يصل للشخص يطلب منه المثول أمام الجهات الأمنية "لأمرٍ يهمّنا". لاحقاً، تُوجَّه تهم من نوع "النيل من الوحدة الثورية" أو "التخابر مع رام الله" أو "التآمر مع جهات خارجية" أو "التحريض على السلطات".

بواحدة من هذه التهم، اعتُقل مرّة الصحافي أيمن العالول على خلفية منشورات له على فيسبوك. في حديثٍ إلى "جيل العربي الجديد"، يقول: "اتهموني بالتحريض على الحكومة وبالتالي على المقاومة" ويضيف موضّحاً أنه قرر الابتعاد عن الكتابة وعما يزعجهم، ليتجنّب أي اشتباكٍ معهم.

في الفترة ذاتها، اعتُقل الشاب رمزي حرز الله، على خلفية مجموعة من الفيديوهات والمنشورات له على الفيسبوك. حرز الله الذي واجه تهم التخابر والتآمر، يعتقد أن فيسبوك مساحة جيدة للتعبير، إلا أن الأجهزة الأمنية لا تترك فيه أحداً، وتلاحق الجميع، خصوصاً ذوي الانتشار الواسع، كما حدث معه. إلا أنه يؤكد أن ما يمارسه هو حق، فبالتالي لن يتراجع عنه، رغم معرفته أن الجهات الأمنية لن تتركه طويلاً.

في كل مرة يُعتقل فيها أحد الناشطين الشباب على مثل تلك الخلفيات، يُشاع لاحقًا أن اعتقاله كان على خلفية أخلاقية، أو مالية، الذي يعتبره بعضهم على أنه محاولة لفض الالتفاف المجتمعي حول المعتقل، وإضعاف موجة الدفاع عنه.

يذهب كثير من الذي جرى استدعاؤهم واعتقالهم بسبب منشورات لهم، إلى الحديث عن "نصائح" تقدّمها أجهزة الأمن لهم، أبرزها هو الالتفات إلى حياتهم الخاصة والكتابة في شؤون أخرى، مثل مهاجمة الحصار ومن يتسبب به، أو أن يتحوّل النقد إلى السلطة الفلسطينية في رام الله، أو الكتابة عن الاحتلال وعدم المساس بحكومة غزة.

هذا ما حدث مع طارق الفرا، الشاب الذي اعتقل على خلفية منشوراته التي اتهم أنها تنتقد النائب العام. يقول: "خلال التحقيق أرادوا مني أن أتوقف عن توجهي في الكتابة، وطلبوا أن أكتب عن رواتب موظفين غزة وأن السلطة هي من تحاصر غزة، بل وطلبوا اعتذار على حسابي في فيسبوك، كشرط للخروج في اليوم نفسه".

وعن الإشاعات التي تثار حول المعتقل، يذكر الفرا أنه في ملف التحقيق كان هنالك تهم عديدة رفضها كلها، منها يتعلّق بالسلوك الأخلاقي. يقول: "سألوني لماذا لم تتزوج حتى الأن؟ وحاولوا أن يطلقوا بعض الشائعات وكان الرد على كل تلك التهم يأتي من الأصدقاء على الفيسبوك".

اللافت في الأمر، أنه حتّى مؤيدي الحكومة في غزة، لم يسلموا من الاعتقال. في هذا السياق، يشير الأستاذ هاني الجزار، وهو أكاديمي في "جامعة الأقصى" التي تقع ضمن إدارة الحكومة، إلى تجربته.

يقول: "انتقدت شرطة المرور في منشورٍ لي، فقُدّم بلاغ ضدي بدعوى أنني أسأت لهم. أرسلت لي المباحث وعاملوني معاملة جيدة كوني أستاذ جامعي ومؤيد لحماس، وتكلموا معي بطريقة الناصح بما يفترض أن أكتب عنه، وما لا يفترض أن أذكره". لاحقاً، اعتُقل الجزار من بيته، إلا أنه حسب ما يذكر فإن قيادات من حركة حماس قامت بالتدخل سريعاً وأنهت ملف القضية قبل عرضها على النيابة.

مع هذا، يظن الجزار أن هناك حرية في غزة، مشيراً إلى الاعتقالات على خلفية ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، هي حالات قليلة، وغالباً ما تكون على خلفية التشهير أو القدح في شخصيات عامة أو أجهزة بعينها.

في آب/ أغسطس 2015، نشر رسام الكاريكاتير المقرّب من حركة حماس، بهاء ياسين، عملاً موجّهًا إلى أهل الضفة والسلطة الفلسطينية، وصفه الكثيرون بالمسيء للأهالي هناك؛ ورغم موجة الاعتراض التي تبعت النشر، ومطالبات عديدة باتخاذ إجراء قانوني بحق ياسين، ظل الموضوع مسكوتًا عنه، إلى أن أعاد ياسين نشر كاريكاتير آخر في آذار/ مارس من العام الجاري حول أهالي غزة، وقد اعتُبر ذو مضامين عنصرية تقدح في أخلاقيات المجتمع الغزي، إلا أنه لم يصدر عن الجهات الأمنية والقانونية في غزة توضيحاً حول إذا ما كان السكوت عن هذا النوع من الانتقادات هو من باب حرية الرأي والتعبير المسموح بها.

المساهمون