لم يحمل عام 2021 أي إيجابية بالنسبة للغزيّين. أهل قطاع غزة الذين يرفضون الاستسلام للظروف الصعبة التي يعيشونها منذ سنوات طويلة في ظل الحصار والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة والفقر والبطالة، يشكون من قساوة العام الأخير، وقد زاد تفشي فيروس كورونا الجديد حول العالم الأوضاع سوءاً. ويقول كثيرون إنّ عام 2021 كان أسوأ من ذي قبل. وعلى الرغم من الإحباط، يتحدث الغزيون عن الأمل بالتغيير. خلال عام 2021، واجهوا عدواناً إسرائيلياً مدمراً، كما أحبطت أحلام الشباب. واليوم، يحلم البعض بالهجرة أو بإيجاد عمل خارج القطاع، على غرار ناصر عبد الرحمن (30 عاماً).
قبل تفشي فيروس كورونا الجديد، كان عبد الرحمن يستبعد فكرة الهجرة السرية كونها غير آمنة، وقد فقد أحد أصدقائه الذي غرق في مركب كان متجهاً من تركيا إلى اليونان. لكن بعد العدوان الإسرائيلي الأخير في مايو/ أيار الماضي، أصبحت الفكرة بالنسبة إليه أمراً ضرورياً رغم كل المخاطر، بسبب انعدام أي أفق للمستقبل.
ويقول عبد الرحمن لـ"العربي الجديد": "على مدى السنوات العشر الأخيرة، نحتفل لأننا نريد أن نفرح بأي شيء جديد. لكن لم تتحقق أي من الأمنيات. عشت ثلاث حروب إسرائيلية، ولا داعي للحلم طالما أن هناك احتلالاً ولا توجد كهرباء ولا مياه نظيفة. أمنيتي هي الهجرة إلى بلد يوفر لي أبسط الحقوق الإنسانية الأساسية".
ويؤيده أصدقاؤه الأربعة الذين يجلسون معه، وقد أعربوا عن حلمهم بالهجرة إلى أي مكان كونهم عاطلون من العمل. ويقول صديقه فادي الجمال (29 عاماً): "نعيش الأسوأ في غزة خلال الأعوام الماضية. أقصى طموح السجين المحكوم عليه بالمؤبد هو الدفء ومشاهدة التلفاز، وهذه أحلامنا في غزة. الهرب من السجن يجب أن يدفع ثمنه السجين بالغربة للعيش خارج القيود".
خلال الأعوام الماضية، اعتاد الغزيون التجول في الشوارع الرئيسية لاستقبال العام الجديد على الرغم من البرد الشديد، وما زالوا يأملون بأن تتغير الظروف. وبدلاً من الازدحام والمعايدات اليوم، ينتشر مشهد الجرافات الكبيرة في الشوارع لإزالة الركام بالإضافة إلى بعض المباني المهددة بالانهيار عقب انتهاء العدوان الإسرائيلي وقصف الأبراج والمباني القريبة منها.
وكان حي الرمال يتميز باحتفالات العام الجديد، لكنه شهد أبشع المجازر وتدمير أربعة أبراج كبيرة ومبان أخرى في شوارع متفرقة، وخصوصاً شارع الوحدة، الذي كان يضم محلات لبيع الزهور، وكانت تتزين أبوابها بالزهور، وحتى أن بعضها كان يستعين بأشخاص يرتدون زي بابا نويل للترحيب بالزبائن والأطفال.
مشاهد غابت هذا العام عن الشارع الذي دمرت آلة الحرب الإسرائيلية ملامح الفرح فيه، كما يقول سمير فلفل، وهو صاحب أحد متاجر الزهور في شارع الوحدة. الأخير تضرر متجره خلال مجزرة شارع الوحدة ولم يتمكن من إعادة افتتاحه إلا بعد شهرين من تأمين تعويض مبدئي. يضيف أنه لم يتمكن وآخرين من الاحتفال العام الماضي (2020) بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد، ولم يحتفل هذا العام (2021) لأن الشارع مدمر والفقر زاد كثيراً.
يقول فلفل لـ"العربي الجديد": "الناس هنا يعدون الأيام فقط. رأس السنة بالنسبة إلينا يعني الخروج والمشي في الشوارع وجلب هدايا للأطفال، في محاول للتماهي مع العالم الذي يراه أطفالنا. لكن هذا العام ليست لدينا أماني. تعبنا من التمني. في عام 2019 بعت الكثير من الورود وكنت فرحاً وكانت لدي أمنيات كثيرة".
وتحرص العائلات في حي الرمال على اللقاء في أواخر السنة في حديقة الجندي المجهول. وتقول فاطمة النجار (39 عاماً)، إنها اعتادت على إحضار أطفالها إلى الساحة للاستمتاع باحتفالات رأس السنة واللعب. لكن في الوقت الحالي، تشعر بالإحباط، بالإضافة إلى صديقاتها اللواتي تجمعن على مقربة من نافورة الحديقة. تضيف أن شقيقها استشهد خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع، كما استشهدت صديقتها وأطفالها من عائلة الحديدي خلال مجزرة مخيم الشاطئ. وتقول النجار لـ"العربي الجديد": "حضرت إلى الساحة من أجل الأطفال. كلنا نعرف أن الأسوأ ينتظر قطاع غزة. الأحلام والأمنيات تستتثي الأهالي هنا. بالكاد نستطيع التنفس. في كل عام، نخسر أقارب وأصدقاء من جراء الحروب والاعتداءات الإسرائيلية أو الأزمات الصحية. وها نحن عاجزون عن حماية أنفسنا وأطفالنا. والصغار اليوم يعتقدون أن العالم خارج غزة يشبهها، وفيه حروب ودمار وقطع للتيار الكهربائي وغير ذلك".