تَصادف لقاء الشابين محمود حمادة ومحمد زرندح على شاطئ بحر مدينة غزة مع شاب من أصحاب الإعاقة الحركية كان قد تعطل الكرسي المتحرك الخاص به، ما وَلّد لديهما فكرة تنفيذ مبادرة خاصة بإصلاح الكراسي المُتحركة مجاناً.
لم يبدأ تفكير الشابين في تنفيذ المبادرة التي أطلقا عليها اسم "بصمة خير" منذ ذلك الموقف، إلا أن اللقاء شكّل شرارة إطلاقها على أرض الواقع. فعلياً الفكرة تعود إلى نهاية عام 2020. وتُعنى المُبادرة بإصلاح جميع الأعطال الخاصة بالكراسي المُتحركة الخاصة بأصحاب الإعاقات الحركية المتنوعة، تماشياً مع الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يمر بها قطاع غزة المُحاصر منذ 15 سنة.
وإلى جانب الأوضاع المتردية في قطاع غزة، خلقت وعورة الطُرق تحديات إضافية أمام مُستخدمي الكراسي المُتحركة، إلى جانب عدم تخصيص مساحات وطرق خاصة بهم، ما يزيد أعطالها، ويُكبِد أصحابها خسائر دائمة، وهذه أمور شجعت الشابين على الإسراع في تنفيذ مبادرتهما.
يقول صاحب الفكر الخاصة بإصلاح الكراسي المتحركة الفلسطيني محمود حمادة: "راودتني الفكرة حين كنت أعمل في الخليج، ورافقت ابن خالتي حيدر اربيع، أمين الاتحاد العالمي للمعوقين. حينها أصلحت أعطالاً في كراسي متحركة، وفكرت مذّاك بتطبيق الفكرة في قطاع غزة، نظراً إلى خصوصية هذا العمل، والأوضاع الصعبة التي تعاني منها شرائح عدة".
ومع بداية عام 2021، طرح حمادة الفكرة على صديقه محمد زرندح الذي يملك ورشة للتصليح وبيع قطع غيار. ولاقت الفكرة قبولاً سريعاً من الأخير، وشرعا في تخصيص وقت يومي داخل الورشة لإصلاح ما يصل إليهما من كراسي معطلة.
وبدأ الصديقان بالترويج لمبادرتهما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عبر دعوة كل شخص يملك كرسياً معطلاً إلى إحضاره لإصلاحه مباشرة ومن دون أي مقابل. ويوضح حمادة: "تلقينا العديد من الاتصالات من فئات فقيرة لا تستطيع إصلاح الكراسي المعطلة في ورشة في مقابل مادي. وكانت معظم الأعطال في الإطارات، أو كسور في قاعدة الكراسي، أو في حامل الأقدام".
وجهّز محمود ومحمد أدوات خاصة لتصليح الكراسي، ومنها مفاتيح بمختلف أحجامها ومفكات وبراغي وقطع بلاستيكية تحمل الأقدام، إضافة إلى إطارات داخلية وخارجية ورُقع سيلسيون. وهما استقبلا أي كراسي مهترئة لاستغلال قطعها في إصلاح أعطال.
وفي حماس واضح، يقول صاحب الورشة الفلسطيني زرندح: "منذ اللحظة الأولى التي طرح فيها صديقي فكرة إصلاح الكراسي المتحركة مجاناً بدأنا في تنفيذها، خاصة بعدما شاهدنا الشاب صاحب العربة المعطلة على شاطئ البحر، ومدى الإرهاق الذي بدا واضحاً عليه حينها".
ولم يُنكر زرندح في حديثه لـ"العربي الجديد" خوفه في البداية من الإجراءات الرسمية الخاصة بإطلاق المُبادرات الفردية. لكن ذلك القلق ذهب تدريجاً مع بدء أولى خطوات المُبادرة، خاصة بعدما لاقت ترحيباً واسعاً، وتشجيعاً من جميع المُحيطين.
وساهم توفير زرندح للورشة وأدواتها في تسريع تطبيق المُبادرة، قبل إضافة بعض الأدوات اللازمة لإصلاح الكراسي المُعطلة، سواء تلك في الورشة أو التي تنقل خلال زيارة بيوت لا يقدر أصحابها على مغادرتها. ويحاول الصديقان العمل بسرية لمنع إحراج أي من المُستفيدين.
ويتطلع أصحاب مُبادرة "بصمة الخير" ذاتية التمويل إلى أن تلقى الفكرة رواجاً، وتعزز فرص أن تسود ثقافة احترام أصحاب الإعاقات المُختلفة، وفي مقدمهم أصحاب الإعاقة الحركية.