في إيران، تشهد طهران والمحافظات الواقعة على الغرب منها ارتفاعاً في نسبة تلوث الهواء، الأمر الذي يؤثر على صحة السكان، في ظل ضعف العمل على مكافحة العوامل المؤثرة.
يوميّاً، يضطرّ الشاب الأربعيني محمد إلى البقاء في شوارع مدينة سنندج، مركز محافظة كردستان، نحو 15 ساعة لتأمين رزقه من خلال بيع الفاكهة التي يضعها في سيارته، إذ لم يجد وظيفة أخرى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في إيران، على الرغم من امتلاكه شهادة جامعية. محمد مصاب بمرض الربو، وقد تفاقم مرضه خلال السنوات الأخيرة حتى بات يتنفس بصعوبة بسبب تلوث الهواء في غرب إيران خلال فترات من العام تطول أو تقصر أحياناً. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّه يعيل أسرة مكونة من 4 أشخاص، ويعتمد على ما يكسبه، والذي لا يتجاوز الـ 150 دولاراً، مضيفاً أنه مع "ارتفاع نسبة تلوث الهواء والعواصف الرملية خلال السنوات الأخيرة ساء وضعي الصحي كثيراً. وساهم الأمر في رفع تكاليف علاجي، علماً أن ما أكسبه يعد قليلاً".
ويوضح محمد أنّ "جسيمات الغبار والأتربة اجتاحت سنندج ومدناً أخرى في الغرب قبل أيام، إلى درجة أن الرؤية كانت تصير صعبة أحياناً بسبب كثافة الغبار"، مشيراً إلى أنه "على الرغم من وضع الكمامات، اضطر إلى مراجعة المستشفى بعدما شعر بضيق في التنفس حتى كاد يختنق". يشار إلى أنّ الجزيئات الدقيقة المعروفة باسم "الهباء الجوي" هي النسخ المجهرية من قطيرات الجهاز التنفسي المحمّلة بالفيروسات. ويقول أستاذ الطب الوقائي في جامعة العلوم الطبية في كردستان عبد الرحيم أفخم زادة إنّ "جزيئات الغبار تؤثر على مرضى الربو وقد تؤدي إلى تجلطات في الدم ومشكلات في الأوعية الدموية"، مشيراً إلى أنّ "الجسيمات الدقيقة في الغبار تحمل موادّ مختلفة من حبوب اللقاح للنباتات والمواد الكيميائية والسامة. لذلك، تستفز الجهاز التنفسي، وخصوصاً لدى الأطفال والمسنين وأولئك الذين يعانون من أمراض تنفسية وحساسية موسمية بالإضافة إلى مرضى القلب".
تأثير جسيمات الغبار على صحة الإنسان يعود إلى مصدرها وحجمها، كما يقول أفخم زادة، الذي يشير إلى أن تلك الكبيرة تدخل الحلق والأنف والصغيرة تحل في النقاط التنفسية الحساسة وتسبب ضيقاً في التنفس وحساسية ومشكلات مزمنة، لافتاً إلى أنّ بعض الدراسات تشير إلى أنها تؤدي إلى الإصابة بأمراض السرطان ومشكلات في العيون. ويوضح أنّ الجسيمات الأصغر حجماً تدخل الدم وتحدث مشكلات في القلب والأوعية الدموية وأحياناً يمكن أن تسبب جلطات بالإضافة إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب. ويلفت إلى تأثيرات أخرى غير مباشرة للجسيمات الموجودة في الغبار على صحة الإنسان، بفعل آثارها السيئة على البيئة والنباتات والمواد الغذائية والحيوانات، مؤكداً أن التركيز على مكافحة جائحة كورونا خلال العامين الأخيرين أثر سلباً على جهود مواجهة تلوث الهواء في البلاد.
من جهته، يقول الناشط البيئي الإيراني رئوف آذري إنّ عوامل داخلية وخارجية ساهمت في زيادة تلوث الهواء والعواصف الرملية. ويقول إنّ البيئة كانت أشد تأثراً بالتطورات الساخنة والحروب التي شهدتها المنطقة خلال العقود الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية والحرب الكويتية والحرب الأميركية على العراق وثم ظهور تنظيم الدولة "داعش". يضيف آذري في حديث لـ "العربي الجديد" أنّ هذه التحولات، وبالذات ما جرى في العراق وانهيار حكومة البعث المركزية والانقسامات الجغرافية والحكومية فيه، كلّ ذلك كان على حساب البيئة، وقد تراجع بشكل كبير الاهتمام بها ومواصلة مشاريع مكافحة التصحر واحتواء الأتربة والحفاظ على الموارد الطبيعية.
ويؤكد آذري أنّ تلك التطورات أدت إلى عدم الاهتمام بالبيئة وفاقم وضعها سوءاً. كما أنّ زيادة العمليات العسكرية في الصحاري وخارج المدن أضعفت التراب وزادت التصحر أكثر من ذي قبل. ويشير إلى عوامل أخرى ساهمت في زيادة تلوث الهواء بالغبار خلال السنوات الأخيرة، قائلاً إن الجفاف المستمر بسبب شح هطول الأمطار والثلوج والتغير المناخي والاحتباس الحراري زادت من التلوث. ويوضح أن "التغير المناخي أدى إلى جفاف أهوار (أراضٍ رطبة منخفضة) كبيرة مثل هور العظيم في العراق وزاد التصحر في السعودية ودول جارة أخرى".
وثمة عوامل داخلية فاقمت الأزمة في البلاد، بحسب آذري، منها إزالة الغابات وتدمير الغطاء النباتي ونقل المياه وجفاف البحيرات الداخلية وأزمة الأهوار وزعزعة التوازن المناخي الإقليمي وتوسيع المدن على حساب البيئة وغيرها. ويقول إنّ نطاق الغابات في إيران تراجع من 14.3 مليون هكتار إلى أقل من 10 هكتارات خلال السنوات الأخيرة، مؤكداً أنّ الغابات والأشجار من العوامل المهمة في احتواء الغبار والجسيمات المنتشرة فيه.
ويتحدث آذري عما حصل لمدينته سردشت في محافظة أذربيجان الغربية، قائلاً إنه بسبب مجاورتها العراق وسوء الإدارة الداخلية فقدت العناصر البيئية المهمة في مواجهة العواصف الترابية والغبار بفعل بناء سد ونقل المياه إلى بحيرة أرومية الشهيرة وغير ذلك. وتحظى سردشت الكردية بطقس معتدل جبلي، ما يمنحها غطاء نباتياً وغابياً وموارد مائية جوفية وغير جوفية، لكنّها باتت تفقد هذه الأدوات الكامنة في بيئتها في مواجهة الغبار القادم من الخارج. وفي السياق، يشير إلى أنّه في العام الأخير، خصوصاً في الشهر الأخير، سجلت مدينته "أياماً صعبة" في التلوث الغباري، قائلاً إنّ ذلك فاقم المشكلات التنفسية الناتجة أساساً عن الهجوم الكيميائي، إبان الحرب الإيرانية - العراقية في ثمانينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى فيروس كورونا.