حرمت الإجراءات الرامية إلى منع انتشار فيروس كورونا الجديد في البلاد مسلمي روسيا من الاحتفال بعيد الفطر للعام الثاني على التوالي، وسط تدابير احترازية تخوفاً من موجة ثالثة من الوباء تكون أصعب من سابقاتها، خصوصاً مع ارتفاع نسبة الإصابات بالمتحوّرات الجديدة من الفيروس.
وفي ظل استمرار سريان الحظر على الفعاليات الجماهيرية في موسكو، قررت الإدارة الدينية لمسلمي روسيا أن تقام صلاة عيد الفطر في المسجد الكبير والمسجد التاريخي والمسجد التذكاري في موسكو، من دون المصلين. وأضافت الإدارة، في بيان لها: "لن تستقبل مساجد مدينة موسكو المصلين لحضور صلاة عيد الفطر". وبالفعل أقيمت صلاة العيد في هذه المساجد بحضور رجال الدين من عناصر المساجد وكذلك العاملين في الإدارة الدينية فقط. كما بُثت وقائع هذه الصلاة على الهواء مباشرةً. ووصفت الإدارة الدينية لمسلمي روسيا قرار إلغاء صلاة العيد حضورياً بأنه كان صعباً ولكنه مبرر، داعية جميع المؤمنين إلى البقاء في منازلهم والاحتفال بالعيد مع أفراد عائلاتهم.
بدوره، هنأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مسلمي روسيا بحلول عيد الفطر. وجاء في نص التهنئة التي نُشرت على الموقع الرسمي للكرملين: "انتهى شهر رمضان المبارك، ويستعد مسلمو روسيا لحلول العيد المشرق الذي طال انتظاره. منذ قديم الزمان، يتميز عيد الفطر بالأعمال الصالحة والاعتناء بالمحتاجين، ويجسد سعي الناس لتطوير الذات". ولفت بوتين في تهنئته إلى أنّ "معتنقي الإسلام في روسيا يكنّون التقاليد التاريخية والثقافية لأسلافهم، ويحرصون على نقلها من جيل إلى جيل"، مشيداً بدور المنظمات الإسلامية في حياة البلاد وتعزيز تعاونها مع الجهات الحكومية والمجتمعية.
من جهته، يأسف الشاب العشريني عبد الكريم، والذي تعود أصوله إلى جمهورية قبردينو - بلقاريا الواقعة في شمال القوقاز، لعدم إقامة صلاة العيد في المساجد، قائلاً في حديثه لـ"العربي الجديد": "جاء العيد هذا العام على غرار ما كان عليه في العام الماضي، واقتصرت الاحتفالات على العائلة والأصدقاء. صحيح أنه لم تنظم صلاة العيد جماعةً، ولكن الأئمة أعلنوا أثناء صلاة الجمعة التي سبقت العيد، أنه يمكن أداء صلاة العيد في المنازل مع متابعة البث الحي من المسجد الجامع". يضيف: "أعتقد أنّ هذا الحل جيد في ظل ظروف الجائحة، ولكن جميع المسلمين يريدون الاجتماع لأداء الصلاة جماعةً مثلما كان الأمر عليه قبل عامين". مع ذلك، يلفت عبد الكريم إلى أنّ رمضان هذا العام جاء أكثر حيوية من العام الماضي، مضيفاً: "مقارنة مع العام الماضي، كان رمضان أكثر حيوية هذا العام، على الأقل تم السماح بأداة صلاة التراويح جماعةً في المساجد، والتي تعتبر من أهم طقوس أجواء الشهر المبارك. كما تم نصب خيمة رمضانية في محيط المسجد التذكاري، نظمت داخلها مختلف الفعاليات الثقافية".
وبذلك ألقى كورونا بظلاله على أجواء رمضان والأعياد الإسلامية في روسيا للعام الثاني على التوالي، إذ حثت السلطات والقيادات الدينية الروسية مسلمي البلاد، في العام الماضي، على البقاء في منازلهم خلال عيد الأضحى، فيما كان نظام الإغلاق الكلي سارياً عند حلول عيد الفطر في العام 2020. وفي حديث لـ"العربي الجديد" آنذاك، أرجع النائب الأول لرئيس مجلس شورى المفتين في روسيا، مفتي مقاطعة موسكو روشان عباسوف، قرار الامتناع عن إقامة صلاة العيد في مساجد موسكو إلى الحرص على حياة وصحة المواطنين في ظروف بقاء الخطر الوبائي مرتفعاً، خصوصاً أثناء التجمعات.
وتسجل روسيا أكثر من 8 آلاف إصابة جديدة يومياً بكورونا، بينما يقترب إجمالي عدد الإصابات من عتبة الـ5 ملايين إصابة، بما فيها ما يقارب 115 ألف وفاة. ورغم تلك الأرقام، إلا أنّ السلطات الروسية تحاول تقديم الوضع على أنه تحت السيطرة. وعلى الرغم من رفع معظم القيود المتعلقة بمواجهة كورونا، إلا أنّ الحظر على تنظيم الفعاليات الجماهيرية لا يزال سارياً في موسكو، إضافةً إلى استمرار سريان نظام ارتداء الكمامات والقفازات في أغلب الأماكن العامة وسط عزوف أغلب المواطنين عن الالتزام به.
وفي سنوات ما قبل كورونا، اعتاد نحو 250 ألف مسلم على أداء صلاة العيد جماعياً في مساجد موسكو، وهو ما كان يضطر السلطات المحلية إلى إغلاق الشوارع المحيطة، إذ إن المساجد لم تكن تتسع لهذا العدد الهائل من الراغبين في أداء الصلاة. تجدر الإشارة إلى أنه في غياب الإحصاءات الدقيقة، يقدر عدد المسلمين في روسيا بما يتراوح بين 15 و20 مليوناً، كما يعد الإسلام ثاني أكثر ديانة انتشاراً بعد المسيحية في البلاد، ويتركّز المسلمون في جمهوريات شمال القوقاز وجمهوريتَي تتارستان وبشكيريا، إضافةً إلى العاصمة موسكو التي يقطنها نحو مليونَي مسلم.