عيد الميلاد... أوكرانيون يخالفون التقويم الكنسي "الأوروبي" للدولة

07 يناير 2024
من احتفالات عيد الميلاد في كييف في 25 ديسمبر (سيرغي شوسافكوف/ Getty)
+ الخط -

رغم أن سلطات أوكرانيا قررت الانتقال من التقويم الكنسي اليولياني الرومي إلى التقويم اليولياني المنقح الذي تعتمده الطوائف في أوروبا في تحديد تواريخ الأعياد يُحيي قسم كبير من مسيحيي البلاد عيد الميلاد اليوم الأحد 7 يناير/ كانون الثاني وليس في موعده "الرسمي" في 25 ديسمبر/ كانون الأول.

ويعكس ذلك واقع أن قرار اعتماد السلطات في أوكرنيا تاريخ عيد الميلاد في 25 ديسمبر/ كانون الأول لم يجعل التحوّل إلزامياً لكل الأبرشيات، وترك للكنائس الحرية الكاملة لإقامة القداديس وفق التقويم اليولياني الرومي شرط إخطار الأسقف الحاكم من أجل توفير بيانات إحصائية لكنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية

وهكذا يظهر الاحتفال بعيد الميلاد في تاريخين مختلفين في بلد واحد حال الانقسام بين الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التابعة تاريخياً لبطريركية موسكو، وكنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية المنشقة التي أسسها الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو عام 2018.  
وكان استطلاع للرأي أجرته مجموعة "ريتينغ" (التصنيف) للبحوث الاجتماعية قد كشف أن نسبة 63 في المائة من الأوكرانيين يؤيدون الانتقال إلى التقويم الكنسي اليولياني المنقح الجديد، في حين يعارض 18 في المائة منهم هذا الإجراء، وأبدى 17 في المائة منهم عدم مبالاتهم بالمسألة. وحلّل القيمون على الاستطلاع بأن النتائج توضح تزايد ترحيب الأوكرانيين بالانتقال إلى الاحتفال بعيد الميلاد وفق التقويم اليولياني المنقح، علماً أن الفكرة ذاتها لم تحظ بتأييد إلا نسبة 15 في المائة من الأوكرانيين مقابل معارضة 69 في المائة عام 2016. 
ويوضح المشرف على كنيسة الشهيدين أدريان ونتاليا في أوديسا، رئيس الكهنة مكسيميان بوغوريلوفسكي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الدولة بادرت إلى الانتقال إلى التقويم الكنسي الغربي، وأنا لم أفهم سبب طرحها المسألة في هذا وقت حساس يجب أن تعمل فيه لتوحيد المواطنين. ومن نتائج القرار تكريس الانقسام بين الشعب ما يفاقم الوضع السائد، لذا من السيئ جداً أن يتخذ في وقت الحرب وليس السلم".
وتقول نائبة مدير متحف الفنون الغربية والشرقية في أوديسا، يكاتيرينا ميخييتسيفا، لـ"العربي الجديد": "يحظى عيد الميلاد بأهمية كبيرة لدى أفراد عائلتي، رغم أنهم لا يلتزمون الشعائر والطقوس الدينية، وأنا مقتنعة بأن أوكرانيا يجب أن تشغل موقع دولة علمانية لا تنجرف نحو الإكليروسية (النظام الكهنوتي للكنائس)". 

تراتيل عشية عيد الميلاد في 7 يناير بلفيف (Getty)
تراتيل عشية عيد الميلاد في 7 يناير بلفيف (Getty)

وفيما تتعامل موسكو بحساسية كبيرة مع الخطوات التي تتخذها أوكرانيا لتعزيز روابطها بالغرب وتأكيد ابتعادها عن "العالم الروسي"، يعتبر كبير الباحثين في قسم الدراسات الاجتماعية والسياسية في معهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، عالم الأديان، رومان لونكين، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "تعديل تاريخ الاحتفال بعيد الميلاد يندرج ضمن محاولات تهميش سكان مناطق شرق أوكرانيا المرتبطة بروسيا تاريخياً. ففعلياً، لا تتحدث إلا كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية المرتبطة بالسلطة عن انتقال أوكرانيا إلى الاحتفال بعيد الميلاد في 25 ديسمبر، ومعظم أرثوذكس أوكرانيا الذين يشكلون غالبية السكان يتبعون الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية التي تحتفل بعيد الميلاد في 7 يناير". 
ويقلل لونكين من أهمية تغيير تاريخ الاحتفال بالنسبة إلى الحياة الدينية للأوكرانيين، "إذ لن ينتقل غالبية الأوكرانيين إلى التقويم اليولياني المنقح الجديد، وسيعتبرون من يفعلون ذلك زنادقة. ولن تتغير حياة المؤمنين كثيراً، لكن المتحدرين من المناطق الشرقية سيشعرون مرة أخرى بتهميش السلطات الأوكرانية لهم". 
من جهة أخرى، يرى الباحث الأوكراني في الشؤون الدينية أندريه سميرنوف، في حديثه لـ"العربي الجديد، أن حرية الاختيار ستجنب أوكرانيا الانقسامات الدينية، وستساهم في تكيّف المؤمنين تدريجاً مع التغيّرات في التقويم". 
وكان أسقف كنيسة أوكرانيا الأرثوذكسية، المطران سيميون، قد قال خلال مجمع عقده أساقفة الكنيسة الصيف الماضي: "في السابق دار الحديث عن الأعياد البولندية (الكاثوليكية) والأوكرانية (الأرثوذكسية)، واليوم الأوكرانية والموسكوفية. سيكون التقويم الجديد أوكرانياً، لكن أشخاصاً سيواصلون اعتماد الموسكوفي في بعض الأمور".
عموماً توجد ثلاثة تقويمات كنسية في العالم، هي اليولياني الرومي والغريغوري واليولياني المنقح. واعتمد التقويم اليولياني في كييف منذ عام 988 ميلادياً بالتزامن مع تنصير روس كييف (تسمية روسيا التاريخية حين كانت كييف عاصمة ومركزاً لها) في عهد الأمير فلاديمير المعظم من عائلة ريوريكوفيتش.
وفي العام التالي لثورة البلاشفة عام 1917، اعتمد في كييف التقويم الغريغوري الذي يحدد تواريخ الأعياد بفارق 13 يوماً عن اليولياني الرومي، ما سبّب اختلاف كل التواريخ بين روسيا القيصرية والاتحاد السوفييتي. 
وعام 1923 وضع عالم الفلك الصربي اليوغسلافي ميلوتين ميلانكوفيتش التقويم اليولياني المنقح الذي يشطب سبع سنوات كبيسة كل 900 عام بدلاً من ثلاث كل أربعة قرون، باعتبار أن بعض السنوات على رأس القرون مثل 2100 و2200 و2300 ليست كبيسة، رغم أن جميعها من مضاعفات الرقم أربعة. 

ويعتمد أغلب الكنائس الأرثوذكسية التقويم اليولياني باستثناء بعضها مثل الروسية والصربية والجورجية والقبطية التي تطبق التقويم الغريغوري، أما أغلب الكنائس العالمية، وبينها البطريركية القسطنطينية والكنائس اليونانية والبلغارية والرومانية، فيعتمد التقويم اليولياني المنقح. 
ولن يؤدي تغيير التقويم في أوكرانيا إلى تعديل تاريخ الاحتفال بعيد الميلاد فقط، بل أيضاً كل الأعياد ذات التواريخ الثابتة التي ستُقدَّم 13 يوماً. وسيصبح يوم الشفاعة الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، وعيد الغطاس 6 يناير. ورغم ذلك لن يطرأ تغيير على تاريخ الاحتفال بعيد القيامة (الفصح) لأنه يختلف كل عام عن سابقه.  

المساهمون