عيد السودانيين... حرب وتشرد وحزن
- المهجرون داخليًا يعانون من الحزن والفقدان خلال العيد، حيث يفتقدون الاستعدادات التقليدية والتجمعات العائلية، ويشعرون بمرارة الغربة والحنين إلى طقوس العيد في مدنهم الأصلية.
- بعض المناطق مثل مدينة المناقل لم تتأثر بالحرب مباشرة، حيث يحاول السكان الاحتفال بالعيد بأفضل ما يمكن، بينما يواجه اللاجئون السودانيون في الخارج تحديات نفسية بسبب البعد عن الوطن والأحباء، مما يؤثر على فرحة العيد.
على الرغم من اعتقادهم بقدسيته ومكانته الدينية وإيمانهم بأنه يوم فرح وسعادة، يفتقد السودانيون هذا العام نكهة عيد الفطر. من بين هؤلاء علي إبراهيم، وقد هجّرته الحرب الحالية إلى أقاصي شمالي السودان، وتحديداً مدينة دنقلا، حيث اجتهد ليحصل على عمل يمسك به رمقه ويرسل بعضاً من راتبه على قلته إلى أسرته البعيدة عنه.
وسبّبت حرب السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع التي شارفت على إكمال عامها الأول بقتل حوالي 13 ألف مدني وتهجير حوالي 8 ملايين شخص، يستقبلون عيد الفطر في حالة من التشتت وضيق في الفرص وصعوبات في العيش وضغوط نفسية صعبة. ويقول علي إبراهيم لـ "العربي الجديد" إن "عيد الفطر السعيد مناسبة دينية مقدسة ذات طابع اجتماعي فريد للمسلمين والسودانيين"، مبيناً أن العيد هذا العام مختلف كثيراً عن الأعوام السابقة، مشيراً إلى أن العيد سيأتي وهو بعيد عن أهله بسبب ظروف العمل التي فرضتها الحرب في منطقة تبعد أكثر من مائتي كيلومتر عن مكان وجود أسرته. ويوضح أنه استعد بالحد الأدنى من خلال شراء بعض الأغراض الشخصية وحاجات الأسرة، لأن الأسعار غالية، خصوصاً الملابس والحلويات.
يضيف أنه "لن يتمكن هذا العام من زيارة أصدقائه ومعايدتهم لأن كثيرين منهم هُجّروا داخلياً أو إلى دول الجوار، ومنهم من مات في هذه الحرب. ويشير إلى أنه خلال السنوات الماضية، كان للعيد طعم خاص ومألوف ويتذوقونه مع التجهيزات والترتيبات وزيارة الأسواق وإعداد الخبز وسط الأحياء. والمتعة الأكبر هي بقضاء أكبر وقت مع الوالد والوالدة والأشقاء، وزيارة الجيران والأصدقاء، ثم نتناول أول وجبة لنا يوم العيد في آخر منزل نزوره ونعايده ونتبادل فيه التهاني".
أما سلوى، فقد هُجّرت مع أسرتها من ولاية الجزيرة التي وصلت إليها الحرب في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، واستقرت مؤخراً في ولاية نهر النيل، شمالي السودان. وتقول لـ "العربي الجديد" إنها لا تشعر بأي طعم لأنها تركت والدها ووالدتها واثنين من أشقائها في الجزيرة، وتوجهت إلى نهر النيل واختارت أخواتها الأخريات اللجوء إلى مصر هرباً من جحيم الحرب. وفي النتيجة، لا يمكن لها أن تشعر بفرحة العيد والأسرة في هذا التشتت.
وتوضح أنها لم تعدّ أو تجهز شيئاً للعيد، واكتفت بشراء ملابس لأطفالها حتى لا تحرمهم الفرحة، فضلاً عن القليل من الحلويات، لكنّها تخلت عن تجهيز المعجنات كما اعتادت منذ سنوات، مؤكدة أنها ستفتقد، عدا عن أمها وأبيها وأسرتها الصغيرة، زيارات الأهل والجيران. تضيف أنها لن تتمكن من معايدة والديها حتى عبر الهاتف لأن الاتصالات الهاتفية وخدمات الإنترنت هناك لا تزال مقطوعة.
أما نادية من مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، فتقول لـ "العربي الجديد" إنها تشعر بمرارة الغربة بعد تهجيرها إلى ولاية كسلا، وستفتقد خلال العيد كل تفاصيل العيد وطقوسه في الأبيض، مؤكدة أن الحنين وحده هو ما يسيطر عليها الآن، والشوق إلى الأهل والأصدقاء والديار. تضيف: "لم نستعد للعيد ولا ندري ماذا نفعل. لا تغيير في أثاث المنزل ولا جلسات مع الصديقات لإعداد مخبوزات العيد. لا ملابس ولا صديقات. نحن هنا غرباء. لا جيران نعايدهم".
أما الحاج عبد الكريم علي، وهو من مدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور، غربي السودان، وهي واحدة من المدن التي شهدت معارك طاحنة، فيقول إن ما جرى جرائم ضد الإنسانية. يؤكد لـ "العربي الجديد" أن "العيد يمر عليهم وهم في أضعف الحالات، ويفتقدون من رحلوا. لم تجهز ألعاب أو تجلب ملابس لطفل يتيم. ننتظر الفرج ونترقب عودة الأمن والسلام في المدينة وفي كل مدن السودان.
ربما يكون الوضع أفضل حالاً في القرى والمدن التي لم تصل إليها الحرب حتى الآن، مثل مدينة المناقل بولاية الجزيرة وسط السودان، وقد تكون المدينة الوحيدة في الولاية التي لم تدخلها قوات الدعم السريع بحسب المواطن محمد أزهري، الذي يعيش مشاعر الخوف وفرحة العيد في آن. ويوضح في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه "رغم كل التهديدات والمخاوف والحذر الذي يسيطر على أذهان المواطنين والتجار، تعمل أسواق المدينة بصورة منتظمة وتمتاز بحركة تجارية كبيرة، بل إن المظهر العام لأسواق المناقل هذه الأيام يشير إلى انتعاش كبير في عمليتي البيع والشراء للمواد الغذائية، خصوصاً احتياجات العيد. ويشهد سوق الملبوسات نشاطاً كبيراً وغير متوقع في هذه الظروف المعيشية الطاحنة التي يعانيها سكان الولاية عامة والمناقل بصورة خاصة، إذ نفدت الكثير من البضائع من المحال التجارية بسبب الإقبال على الشراء، خصوصاً ملابس الأطفال". يضيف أن السلطات الأمنية في المناقل وضعت خطة لتأمين الأسواق التي تشهد ازدحاماً خوفاً من استغلال المتفلتين للوضع وإحداث فوضى. وانتشر أفراد من الجيش في الأسواق لمراقبة حركة المواطنين.
أما المهجّرون خارج السودان، فيستقبلون العيد وهم في وضع معيشي وأمني أفضل، لكنهم يشيرون إلى أن أوضاعهم النفسية أسوأ ممن هم في الداخل. وتوضح محاسن، وهي لاجئة سودانية في مصر المجاورة، أن "العيد جاء هذا العام يتيماً علينا نحن السودانيين جميعاً، ولا توجد أي ملامح للفرح أو استعدادات من جهتنا كما كانت العادة في وطننا المكلوم. نعيش في مصر وبقية الأسرة والأهل لا يزالون يعانون في السودان بسبب الحرب اللعينة الدائرة الآن. ولأول مرة منذ وجودنا في هذه الحياة، قررنا عدم الذهاب إلى السوق لشراء ملابس الأطفال والحلوى. حتى داخل المنزل، غابت ملامح العيد من نظافة عامة كما يحدث عادة، مثل تغيير الستائر والأثاث والدهان". تضيف: "أعيش لاجئة في دولة أخرى، لكن لا فرحة في العيد ولا حياة ما دام أهلنا يفتقدون أبسط مقومات الحياة من انعدام الأمن والغذاء والخدمات الصحية". أما اللاجئ حسين يحيى عثمان الذي يعيش في معسكرات لجوء داخل دولة تشاد المجاورة، فيشكو حاله حال غيره من آلاف اللاجئين هناك، الأوضاع المزرية داخل المعسكر وانعدام الخدمات". ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد": "ليس بمقدورنا الاستعداد للعيد كما كنا في منطقة أردمتا مسقط رأسنا ومكان عيشنا قبل الحرب". ويعرب عثمان عن أمله بعودة الأمن والسلام حتى يعودوا إلى موطنهم ليبدؤوا الحياة من جديد.