عنف في ألمانيا... جرائم عبثية وتطرّف وسلاح

11 فبراير 2022
في مسرح جريمة ولاية راينلاند بالاتينات (توماس لوهنز/ Getty)
+ الخط -

في الأول من فبراير/شباط الجاري، تنفّس ألمان كُثر الصعداء، خصوصاً أولئك من أصول مهاجرة، بعدما اعتقلت الشرطة مواطنين اثنين اتُّهما بقتل شرطي وشرطية في العشرينيات من العمر في اليوم السابق، خلال عملية توقيف روتينية هدفت إلى التدقيق في محتويات سيارة لدى مرورها على طريق سريع، في ولاية راينلاند بالاتينات قرب فرانكفورت.
وكان الشرطي والشرطية أبلغا مركز الأمن، فجر 31 يناير/كانون الثاني الماضي، أنّهما يشتبهان في استخدام شخصين سيارة للتوجه للقيام بعملية صيد غير قانونية لحيوانات برية، وطلبا منحهما إذن اعتراض السيارة، ففاجأهما سائقها بعملية أشبه بإعدام، إذ أصابهما بأعيرة نارية قاتلة في الرأس، رغم أنّهما ارتديا سترتين واقيتين من الرصاص.
ورغم الارتياح العام الذي خلّفه إعلان الشرطة وقف عملية المطاردة للوصول إلى مرتكبي الجريمة ضد الشرطيَين، ونشر وسائل إعلام محلية تفاصيل عن الجريمة وخلفياتها، تواصل الغضب العام من تزايد العنف وانتشار السلاح في البيوت، وعمليات الصيد غير المنضبطة في أنحاء البلاد.
في تفاصيل الحادثة التي هزّت المجتمع الألماني، توجهت الشرطية ياسمين البالغة 24 من العمر، بعدما تزودت بمصباح يدوي، إلى السيارة المشبوهة في عملية تحدد توقيتها عند الساعة الرابعة فجراً، للتدقيق في رخصة قيادة السائق أندرياس يوهانس شميت (38 عاماً) الذي أرداها فوراً برصاصة في الرأس، فسارع زميلها ألكسندر (29 عاماً) إلى مخاطبة المركز الأمني صارخاً عبر جهاز الاتصال: "تعالوا بسرعة، إنهم يطلقون النار. أشهر مسدسه وأطلق الرصاص حتى فرغ مخزنه"، لكنه تلقّى بدوره 4 رصاصات من بندقية، وقتل فوراً بعدما أصابت أحدها رقبته.

مخزن سلاح
وفيما شارك مئات من المواطنين والشرطيين من أنحاء البلاد في الحداد على القتيلين، رفض كُثر أي تفسير للجريمة، معتبرين أنها عبثية، ونددوا بسيناريو تنفيذها بطريقة تشبه الإعدام، في وقت ارتكبت هذه الجريمة، بحسب المعلومات المتوافرة، لمجرد تجنب مخالفة صيد غير قانوني.
لكنّ وسائل إعلام كشفت العثور على مخزن أسلحة لدى تفتيش منزل القاتل شميت، وسط حي سكني بورجوازي في منطقة راينلاند بالاتينات، علماً أنه يملك مخبزاً ومتجراً للحوم الحيوانات البرية، خصوصاً الغزلان. ولمّحت مجلة "دير شبيغل" إلى أنّ القاتل شميت كان صياداً غير قانوني، وأخذ معه صديقه فوريان البالغ 32 عاماً لمساعدته في جرّ صيده، لقاء 10 يورو (11.45 دولاراً) عن كلّ غنيمة. وأشارت إلى أنهما انشغلا بتخزين لحوم في ثلاجات خلال بحث حوالى 200 شرطي عنهما.
ونقلت المجلة عن مصادر في الشرطة أنّ منزل القاتل أندرياس احتوى على 11 بندقية و5 مسدسات وسلاح قوس ونشاب، وذخائر منقوش عليها اسمه، إضافة إلى أطنان من لحوم الصيد المجمّدة، وفواتير بيع لأفراد ومطاعم في الولاية التي يسكنها أكثر من 4 ملايين شخص. كما نقلت عن جيران ومسؤولين محليين قولهم إن "القاتل رجل عدواني ومحتال، اخترع مرة قصة عن تعرّض مخبزه لعملية سطو من أجل الحصول على تعويض من شركة تأمين". أما الشرطة فكشفت أيضاً أن "رخصة سلاح الصيد التي امتلكها أندرياس سحبت منه عام 2019، بعدما وجد مذنباً في قضايا جنائية، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة اقتناء أسلحة، والخروج إلى الغابات للصيد بطريقة غير قانونية".

عنف كورونا
عموماً، تعاني ألمانيا، على غرار بلدان أوروبية عدة، من تزايد الكراهية والغضب، والتطرف والاستقطاب والتشكيك في النخب الحاكمة، وأيضاً من العنف الذي شهدته بعض الدول بسبب إجراءات كورونا. ففي العاصمة برلين، واجه بعض معارضي الإجراءات الاحترازية أجهزة الأمن بعنف، بعدما سمحت السلطات بتدخّل الشرطة بالقوة ضدهم، وتحديداً من يضعون النجمة اليهودية على طريقة سنوات ما قبل الحرب العالمية الثانية في ثلاثينيات القرن العشرين، حين فرض النازيون على اليهود وضع النجمة لتظهر هويتهم.
وشبّهت جماعات تعارض إجراءات كورونا تدابير السلطات بأنها "هولوكوست" (المحرقة اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية)، ما أغضب سياسيين ومسؤولين أمنيين ويهود اعتبروا هذا التشبيه بمثابة "معاداة للسامية"، وهو ما رفع حدة الجدل في البلد ودول أخرى.

محققان أمام منزل القاتل أندرياس يوهانس شميت (توماس لوهنز/ Getty)
محققان أمام منزل القاتل أندرياس يوهانس شميت (توماس لوهنز/ Getty)

وزاد ذلك الشحن المستمر، ليس فقط على وسائل التواصل الاجتماعي، بل في الشارع أيضاً، مع التهديد باستهداف سياسيين وضباط في الشرطة بحجة "استعادة حرية المجتمع"، خصوصاً من قبل جناح اليمين المتطرف، ما حتّم التعامل بجدية كبيرة مع هذه التهديدات.
وكان لافتاً في جريمة قتل الشرطيين في راينلاند بالاتينات أن بعض الألمان الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي عرضوا فرضية أن مهاجراً يحمل اسماً عربياً ارتكب الجريمة. و"لو حصل ذلك فعلياً لكانت ردود الفعل في الخطابات والتصرفات العنيفة فاقت أي تصور"، بحسب ما غرّد البعض على "تويتر".
واستنكر رئيس الوزراء السابق لولاية راينلاند بالاتينات، كورت بيك، في حديثه لـ"دير شبيغل"، "التحريض ولغة التهديد والوعيد على وسائل التواصل الاجتماعي، والانتشار غير المسبوق لاستسهال العنف في ألعاب الفيديو العنيفة التي تستخف بالقتل والعنف ضد الناس".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

التطرف "المزعج"
لكن المسألة في وجهها الآخر لا تتعلق فقط بما لمّح إليه بيك وسياسيون آخرون، بل بانتشار أجواء تشرّع الخطاب السياسي والاجتماعي المتطرف، والتي لم تعد تحصر هجماتها في البيئات المهاجرة، وهو ما اعتاد أن يفعله حزب "البديل لأجل ألمانيا" وحركة "بيغيدا" (وطنيون أوروبيون ضد أسلمة أوروبا) منذ عام 2014 في الولايات الشرقية تحديداً، بل توسّعت لتشمل سياسيين تقليديين. كما أن انتشار الحالة الأميركية الخاصة بتوسّع اقتناء السلاح، والتي تتجاوز ألمانيا إلى دول أوروبية أخرى، بالتزامن مع تنامي التحريض على الأصول المهاجرة واللاجئة، بات يشكل مصدر قلق وإزعاج أمني وسياسي.
وقبل نحو 3 سنوات، أعاد اغتيال السياسي فالتر لوبكه، الذي انتمى إلى الحزب المسيحي الديمقراطي، في كاسل بولاية هاسن، وعرف بمواقفه الإيجابية من اللاجئين، السجال حول ما يمكن أن يفعله انفلات السلاح والخطاب المتطرف في ألمانيا، علماً أن عمليات اليمين المتطرف في تسعينيات القرن الماضي، والتي شملت قتل مهاجرين ولاجئين واستهدافهم، كانت تحصل بشكل متباعد، وبينها لـ"الحركة السرية الاشتراكية القومية"، وهي جماعة عنف نازية مسؤولة عن مقتل حوالي 12 من أصول تركية وكردية، وتنفيذ عدد من التفجيرات.

شرطيون خلال عملية صد مسلح في هامبورغ (مايكل راينهاردت/ فرانس برس)
شرطيون خلال عملية صد مسلح في هامبورغ (مايكل راينهاردت/ فرانس برس)

وكانت أحداث العنف التي اندلعت عام 2018 في مدينة شيمنتز (شرق) التي عرفت باسم كارل ماركس شتات خلال الحكم الشيوعي، دقت ناقوس المخاطر الأمنية التي قد تبلغها الأمور، قبل أن يزداد قلق المجتمع الألماني مع توالي عمليات الكشف عن خلايا يمينية متطرفة في الجيش والشرطة. ثم دخل السلاح على خط الخطاب المتطرف التحريضي، بعدما لم يتوانَ "البديل لأجل ألمانيا" عن تبنّي تشريعه، وبات بين أكثر الأمور التي تقلق المجتمع الأوروبي عموماً، في وقت لم يعد يخفى على أحد تخزين السلاح وتوسيع خطاب الكراهية والاستقطاب المتطرف.
ويشير "مركز الإحصاء الاتحادي" إلى تزايد عدد رخص السلاح الشخصي، وصولاً إلى نحو 710 آلاف رخصة العام الماضي، في مقابل حوالي 669 ألفاً عام 2016، علماً أن هذه الأرقام لا تشمل ملايين قطع السلاح التي تنتشر في بيوت الألمان، والتي تعتقد تقارير أنها شهدت زيادة واسعة منذ عام 2015.
ويعتبر قانون التسلح الشخصي في ألمانيا الذي يسمح بشراء رذاذ فلفل أو غاز بلا رخصة، متساهلاً مقارنة بدول الجوار التي تمنع بالمطلق اقتناء حتى رذاذ الفلفل، والذي بات يهرّب إلى الدنمارك والسويد.

المساهمون