يمارس مئات آلاف الأطفال في مصر أعمالاً بعضها شديد الخطورة، فضلاً عن تأثيرها السلبي على تحصيلهم الدراسي، ويطلق مصطلح "عمالة الأطفال" على الأعمال التي تضع عبئاً على الصغار، أو تُعرّض حياتهم للخطر.
في حي الزيتون، شرقي العاصمة المصرية القاهرة، يساعد أحمد (12 سنة)، والده حارس العقار في الاهتمام بشؤون البناية السكنية وتلبية احتياجات السكان، فضلاً عن انخراطه في عمل إضافي في ورشة نجارة. حاول والد أحمد أن يلحقه بالمدرسة منذ انتقال الأسرة للعمل في القاهرة قبل نحو عام، وتمكن بمساعدة أحد سكان العقار من ضمه إلى مدرسة قريبة من مسكنهم المكون من غرفة واحدة صغيرة في العقار ذاته الذي يعملون به.
لكن جني أحمد الأموال في سن مبكرة عبر العمل جعله لا يركز على مواصلة التعليم، على غرار ما حدث مع والديه سابقاً، واللذين تركا الدراسة في طفولتهما لتحسين دخل الأسرة عبر العمل. لا يهتم أحمد غالباً بالذهاب إلى المدرسة، ويركز على مساعدة والده في العمل، إذ يجني قدراً جيداً من المال من خدمات توصيل الطلبات للسكان، وهو يرتضي بالنجاح العابر في السنوات الدراسية من دون تحصيل جدي للعلم.
تطور اهتمام الطفل الصغير بالعمل لاحقاً، فالتحق بالعمل في ورشة للنجارة قائمة في الشارع نفسه، وهو يحصل منها على أجر أسبوعي، ويساعد بهذا الدخل والده الذي ينفق على أسرة تضم خمسة أطفال هو أكبرهم.
وتنقسم "عمالة الأطفال" إلى نوعين: الأول هو الأعمال التي تعرف دولياً بتوظيف الأطفال جبراً، أو الاستعباد والاتجار بالبشر، ويشمل ذلك استخدامهم في النزاعات المسلحة، أو أعمال الدعارة أو الإباحية أو التهريب وغيرها من الأنشطة غير المشروعة، والنوع الثاني يتعلق بالأعمال التي يؤديها الطفل قبل وصوله إلى الحد الأدنى للسن الذي حددته التشريعات الوطنية والمعايير الدولية.
وطبقاً للتعريف الدولي لمصطلح "عمالة الأطفال"، فإن ساعات العمل الطويلة التي يقضيها الطفل أحمد بعيداً عن المدرسة، وعن اللعب، تخالف قانون العمل المصري الذي يحدد الشروط المنظمة لتشغيل الأطفال، والصادر في يناير/ كانون الثاني 2022، بعد موافقة البرلمان عليه، والذي تضمن بنوداً تخص الأطفال، وعدّها معنيون وقتئذ "تشريعاً" لعمالة الأطفال تحت 18 سنة.
وينص القانون على "حظر تشغيل الأطفال قبل بلوغهم خمس عشرة سنة، وأنه يجوز تدريبهم متى بلغ سنهم أربع عشرة سنة بما لا يعوقهم عن مواصلة التعليم. ويلتزم كل صاحب عمل يستخدم طفلاً دون سن السادسة عشرة بمنحه بطاقة تثبت أنه يتدرب أو يعمل لديه، وتلصق عليها صورة الطفل، وتعتمد من الجهة الإدارية المختصة".
وتغيب طبيعة عمل الطفل أحمد عن المنصة التشريعية والقانونية، إذ تتناول المادة 59 من قانون العمل الظروف التي يتم تشغيل الطفل فيها، وينص على أن "يكون تشغيل الأطفال، والظروف، والشروط، والأحوال التي يتم فيها التشغيل، والأعمال، والمهن، والصناعات التي يحظر تشغيلهم أو تدريبهم فيها وفقاً لمراحل السن المختلفة، طبقاً للنظام المقرر وفقاً لأحكام قانون الطفل".
ولا يختلف مصير أحمد عن مصير مئات آلاف الأطفال المصريين ممن لا يمكن حصرهم نظراً لعملهم في مهام يومية حياتية لا يشملها قانون العمل، وبالتالي يبقون خارج نطاق التعداد، بينما لا يملكون القرار للاختيار بين الدراسة والعمل، في حين تنص المادة 63 من قانون العمل على أنه "يحظر على الأبوين، أو متولي أمر الطفل، تشغيل الطفل بالمخالفة لأحكام القانون، والقرارات التنفيذية الصادرة له".
ووفق تقديرات غير رسمية، تصل أرقام عمالة الأطفال في مصر إلى نحو 1.6 مليون طفل تراوح أعمارهم بين 12 و17 سنة، ما يوازي أكثر من 9 في المائة من عدد الأطفال في البلاد، أو نحو طفل من بين كل عشرة أطفال. وطبقاً لآخر إحصاءات صدرت عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) في عام 2010، يتعرض 82.2 في المائة من هؤلاء الأطفال للعمل في ظروف سيئة وغير آمنة.
وقد اعتمدت الإحصاءات الحكومية اللاحقة، حتى أحدث تقرير صدر خلال العام الماضي، على ذكر نسب مئوية لزيادة عمالة الأطفال من دون الإشارة إلى الأرقام الفعلية. ويظل معدل عمل الأطفال أعلى كثيراً في المناطق الريفية، خاصة في الوجه البحري وضفتي نهر النيل، ويمثل قطاع الزراعة أكبر القطاعات استقطاباً لعمالة الأطفال بنسبة 63 في المائة، في حين يضم قطاع التعدين والتشييد والصناعات التحويلية 18.9 في المائة من إجمالي عمالة الأطفال، فضلاً عن قطاع الخدمات الذي يضم 17.6 في المائة، وفقاً لدراسة صادرة عن المرصد المصري للفكر والدراسات.
وعلى الرغم من ممارسة الفتيات الخدمة في المنازل على نطاق واسع، وتقبل تلك الثقافة وسط طبقات اجتماعية مختلفة، فلا توجد بيانات موثقة حول عدد الأطفال المنخرطين في العمل المنزلي، لا سيما أن هذا النوع من الأعمال يعمل فيه الأطفال لساعات طويلة في مقابل أجور زهيدة، بجانب إمكانية التعرض بشكل أكبر للاستغلال البدني والجنسي والنفسي.
وحسب دراسة "المرصد المصري للفكر والدراسات"، الصادرة في مطلع العام الماضي، فإن المعوقات الأساسية للحد من ظاهرة عمالة الأطفال في مصر تنقسم إلى ثلاثة أبعاد، أولها البعد الاقتصادي المتمثل في النمو السكاني المطرد الذي ينتج عنه انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي، وبالتالي انخفاض مستوى المعيشة، ما يؤدي إلى التسرب من التعليم، ونقص مظلة الحماية الاجتماعية، وهو ما يضطر المزيد من الأطفال إلى ممارسة الأعمال المختلفة، ومنها أعمال خطرة تضر بصحتهم وسلامتهم. كل ذلك يضاف إليه البعد الاجتماعي الذي يتمثل في مشاكل التفكك الأسري، واتجاه الأطفال للعمل بغرض الهروب من المنزل، علاوة على تواضع المستوى الثقافي للأسر، وانخفاض المستوى التعليمي للوالدين، وبالتالي لا تنظر الأسرة إلى أهمية وفائدة التعليم، وترى أن العمل أولوية. في حين يرتبط البعد الثالث بصاحب العمل، والذي يقدم على تشغيل الأطفال بسبب تدني أجورهم، بالإضافة إلى تفادي الشروط والالتزامات المتعلقة بالتأمين الصحي والاجتماعي والضرائب، وتوفير ظروف وشروط عمل ملائمة.