فجّر انتحار عامل في شركة "يونيفرسال" للأجهزة الكهربائية في مصر غضب المئات من زملائه بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة نتيجة تقاعس الشركة عن صرف مستحقاتهم المالية لفترات طويلة. ورمى العامل نفسه تحت عجلات سيارة على الطريق السريع، تاركاً رسالة مفادها بأنه لم يعد قادراً على تلبية احتياجات أسرته، الأمر الذي دفعه إلى الإقدام على الانتحار. ما حدث يبعث رسالة بالغة القسوة عن أوضاع العمال، ويشير إلى ضرورة إجراء مراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية التي تضغط على غالبية المصريين وليس العمال فقط.
وأعلنت أحزاب التحالف الشعبي الاشتراكي، والحزب الاشتراكي المصري (تحت التأسيس)، والحزب الشيوعي المصري (تحت التأسيس)، وحزب العيش والحرية (تحت التأسيس)، تضامنها مع عمال الشركة المحتجين والغاضبين. وتمكنت قوات الأمن المركزي المصرية من فض اعتصام عمال مصنع "يونيفرسال" في المنطقة الصناعية الثانية في مدينة 6 أكتوبر بالغاز المسيل للدموع، وأصابت عدداً من العمال، وفرضت طوقاً أمنياً في محيط المصنع على خلفية اعتصام العمال بعد انتحار أحدهم بسبب امتناع الإدارة عن صرف مستحقاتهم.
وقالت الأحزاب في بيانها المشترك: "الشركة وعلى مدى أشهر تتعنت في صرف مستحقات العمال رغم الاتفاقية التي رعتها وزارة القوى العاملة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والاتفاقية التالية التي رعتها النقابة العامة للصناعات الهندسية في الثاني من يناير/ كانون الثاني الماضي، الأمر الذي دفع العامل للانتحار؛ فالشركة قد صرفت مستحقات ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وامتنعت عن صرف مستحقات يناير/ كانون الثاني لتضع العمال في ظروف بالغة السوء أدت إلى هذا المصير الأليم الذي انتهى إليه عاصم".
وأكدت الأحزاب أن "غالبية المصريين يعيشون ظروفاً اجتماعية قاسية. وقد أدت موجات التضخم المتتالية إلى حرمان قطاع عريض من المواطنين من قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية. وتزداد المعاناة في وقت يفتقد قطاع العمال والموظفين والفلاحين أي أدوات للتفاوض من أجل تحسين ظروفهم، الأمر الذي يتركهم في معاناة مستمرة تدفع البعض إلى إنهاء حياته في رسالة بالغة القسوة يجب ألا تمر من دون محاسبة من دفعوا العامل لهذا المصير، ومراجعة شاملة للسياسات الاقتصادية التي تضغط على غالبية المواطنين بل ومراجعة حال التنظيم النقابي للعمال والفلاحين المصريين المحرومين من أداتهم الوحيدة للتفاوض مع أجل تحسين شروط الحياة لا بل في الاستمرار أحياء".
وساءت أوضاع العمال في مصر بعد تفشي فيروس كورونا الجديد، ورصدت دار الخدمات النقابية والعمالية خلال العام الماضي 8041 انتهاكاً لحقوق العمال في مصر. وسجل انتهاك تأخر صرف الراتب أعلى المعدلات إذ يمثل 35,9 في المائة من إجمالي الانتهاكات بواقع 2891 انتهاكاً، يليه عدم وجود دار حضانة والذي مثل 27,2 في المائة من إجمالي الانتهاكات بواقع 2190 انتهاكاً.
كما شهد العام الماضي 254 حالة فصل تعسفي بينها 253 حالة في القطاع الخاص وحالة واحدة في قطاع الأعمال العام موزعين على النشاطات الاقتصادية المختلفة. وسجلت المنشآت الصناعية 84 حالة يليها قطاع السياحة (131 حالة) وقطاعات أخرى (38 حالة)، بالإضافة إلى حالة واحدة في إحدى المدارس الخاصة. كما رصدت 214 حالة إكراه على تقديم الاستقالة في المنشآت الصناعية بواقع 14 حالة في القطاع الخاص و200 حالة في القطاع العام.
مع ذلك، فإن حادثة انتحار عامل شركة "يونيفرسال" لا تعبر عن أوضاع العمال فحسب، بل عن أوضاع الكثير من المصريين الذين يواجهون صعوبات الحياة والأزمات المالية بالتفكير في الانتحار للخلاص. كما تطرح تساؤلات حول الجناة الحقيقيين الذين ساهموا في ما آلت إليه الأحوال.
وتفيد منظمة الصحة العالمية بأن الأرقام التي تعبر عن حجم ظاهرة الانتحار في مصر مرعبة، وقد تصدرت البلاد قائمة الدول العربية في معدلات الانتحار بـ 3799 شخصاً عام 2016. وفي عام 2019، انتحر في مصر وحدها 3022 شخصاً.
في المقابل، تُدرج السلطات المصرية معدلات الانتحار في إطار "نظرية المؤامرة". وذكرت آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2017، أنه خلال العام المذكور شهدت البلاد انتحار 69 حالة فقط. واعتبر الجهاز أن "كل ما يتردد في هذا الشأن شائعات تستهدف النيل من الاستقرار المجتمعي". ويشير تقرير أصدرته المؤسسة العربية لحقوق الإنسان إلى أن مصر شهدت 78 حالة انتحار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، وأن عدد حالات الانتحار في الأشهر الستة الأولى من عام 2021 بلغ 201 حالة.
واستخدمت 8 وسائل للانتحار خلال تلك الفترة، وحل الشنق في المرتبة الأولى (42 حالة) يليه تناول قرص سام أو كيماوي (24 حالة)، والقفز في مياه النيل (6 حالات)، ثم القفز من مكان عال وإطلاق النار (خمس حالات)، وإشعال النار في النفس والقفز تحت القطار (حالة لكل منهما).
وأكدت منظمة الصحة العالمية في إطار حملتها للتوعية ضد الانتحار في شهر سبتمبر/ أيلول عام 2021 (يصادف اليوم العالمي للانتحار في العاشر منه)، أن ثمة بعض إشارات التحذير التي لا ينبغي تجاهلها، وتتضمن بعض إشارات التحذير في ألفاظ أو سلوك من ينوون الانتحار الحديث عن الرغبة في الموت، أو الشعور بالذنب أو الخجل الهائل، أو الشعور بالعبء على الآخرين.
كما تشمل العلامات الأخرى الشعور بالفراغ أو اليأس أو الوقوع في فخ أو عدم وجود سبب للعيش أو الشعور بالحزن الشديد أو القلق أو الغضب. وشددت المنظمة على أنه يتعين على أي شخص يكتشف إشارات التحذير هذه وغيرها، سواء في نفسه أو لدى شخص يعرفه، أن يطلب المساعدة من المتخصصين بالرعاية الصحية في أسرع وقت ممكن.
كذلك، شددت منظمة الصحة العالمية على ضرورة إعطاء الأولوية لبرامج الوقاية من الانتحار، وذلك بعد مرور 18 شهراً من تفشي جائحة كورونا. إذ تشير الدراسات إلى أن الأزمة الصحية العالمية أدت إلى تفاقم عوامل الخطر المرتبطة بالسلوك الانتحاري، مثل فقدان الوظيفة، والصدمات النفسية أو سوء المعاملة، واضطرابات الصحة العقلية، والعوائق التي تحول دون الحصول على الرعاية الصحية.