دفع ارتفاع معدّلات الفقر في العراق مؤشّر عمالة الأطفال إلى تسجيل أرقام جديدة مرتفعة في معظم مدن البلاد في العامَين الماضيَين، بحسب ما تُبيّن تقارير حقوقية وكذلك مسؤولون عراقيون.
وتفيد تقارير حقوقية بأنّ أكثر من مليون طفل يعملون في سنّ مبكرة، في ظلّ ارتفاع نسبة الفقر، واستمرار النزوح القسري، ونقص الفرص التعليمية، الأمور التي دفعتهم إلى العمل المبكر لإعالة عائلاتهم.
ويشدّد قانون العمل العراقي على أهمية القضاء على كلّ مظاهر عمالة الأطفال، فيما يحدّد سنّ دخول العمل بـ15 عاماً كحدّ أدنى، موضحاً أنّ العمل يعرّض الأطفال العراقيين لمخاطر كثيرة، من بينها تركهم مقاعدهم الدراسية، أو تشرّدهم، أو ممارستهم أيّ عمل في الشوارع.
وتبيّن مصادر في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لـ"العربي الجديد"، أنّ نحو مليون طفل عراقي في سنّ الدراسة هم في سوق العمل اليوم، وأنّ لدى 30% من الأسر العراقية تقريباً أطفالاً يعملون في مجالات مختلفة. وتضيف أنّ هؤلاء الأطفال يعملون بمعظمهم لقاء أجر يومي، الأمر الذي يشير إلى انخراطهم في وظائف مؤقّتة ومنخفضة الأجر، بالإضافة إلى انخراطهم في الخدمة المنزلية وأعمال البناء.
وتشير المصادر إلى أنّ الأطفال يتورّطون كذلك في أنشطة غير قانونية، من قبيل السرقة والتسوّل وجمع القمامة وحتى بيع المخدرات. وفي إطار الأنشطة غير القانونية، تزجّ عصابات منظّمة بفتيات في الملاهي الليلية، وتستغلّهنّ في الدعارة والاتجار بالبشر، وثمّة حالات موثّقة لهذا الوضع الذي تتجاهله الحكومة العراقية والسلطات الأمنية، لأنّ العاملين في هذا المجال بمعظمهم مدعومون من جهات متنفّذة في الدولة، وفق المصادر.
وتشدد المصادر على ضرورة تفعيل القوانين الرادعة، ولا سيّما قانون حقوق الطفل، إذ هو مرتكز أساسي لتحقيق الأمن الإنساني للطفولة، إلى جانب تطبيق القوانين النافذة بعيداً عن التأثيرات الحزبية والسياسة، والحدّ من مخاطر الجهل والأمية، وتفعيل وسائل التوعية المجتمعية.
اتّجار بالبشر في العراق
من جهته، يقول عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق علي البياتي لـ"العربي الجديد"، اليوم الأحد، إنّ "عمالة الأطفال تنتشر في البلدان النامية، من بينها العراق، عن طريق تشغيل الأطفال دون 15 عاماً في أعمال شاقة ومهينة، الأمر الذي يحرمهم من حقّهم في التعليم والنموّ السليم".
ويشرح البياتي أنّ "أبرز الأسباب التي أدّت إلى تنامي هذه الظاهرة هي النزاعات التي يشهدها العراق. وكنتيجة للاضطرابات، ثمّة أعداد كبيرة من اللاجئين والنازحين، فضلاً عن ارتفاع معدّلات الفقر والبطالة وانخفاض مستويات المعيشة والتضخم والفساد".
ويتحدّث البياتي عن "عدم توفّر الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والمياه والكهرباء ما أجبر عائلات كثيرة إلى دفع أطفالها صوب سوق العمل، فضلاً عن ثغرات ونقص في التشريعات والقوانين والسياسات الخاصة بحماية الأطفال من قبل الدولة، وعدم تطبيق المتوفّر من القوانين ذات الصلة، فضلاً عن عادات وتقاليد ومفاهيم خاطئة تقلّل من أهمية التعليم".
ويضيف البياتي أنّ "في إطار جرائم الاتجار بالبشر، يُصار إلى الاتجار بالأطفال ودفعهم إلى التسوّل من قبل عصابات منظّمة في بيئة عمل الأطفال". ويؤكد أنّ "تلك العصابات تستخدم الأطفال في أنشطة غير قانونية ومخالفة لحقوقهم، مثل العمل القسري والتسوّل والدعارة والإرهاب، أو حتى بيع الأعضاء والتبنّي غير الشرعي".
ويتابع عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق أنّ "تلك العصابات تستفيد من ضعف تطبيق القانون والرقابة والعقوبات الرادعة، فضلاً عن ضعف الوعي المجتمعي"، وينتقد "السلطات العراقية لعدم تشريع قانون حماية الطفل حتى الآن"، مشدّداً على أنّ "كلّ الإجراءات المتبعة راهناً غير كافية، لأنّ ثمّة تنامياً وتزايداً في عمالة الأطفال".
ويلفت البياتي إلى أنّ "من أبرز التحديات القائمة في هذا السياق، عدم توافق القوانين والتشريعات مع المعايير الدولية، وعدم تطبيق المتوفّر من هذه القوانين، بالإضافة إلى عدم توفّر بيانات دقيقة عن عمالة الأطفال، ولا أعداد هؤلاء، ولا مواقع عملهم، ولا أوضاعهم عموماً".
عمالة الأطفال تمثّل خطراً في العراق
في الإطار نفسه، تشير الباحثة الاقتصادية حوراء الياسري لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "شوارع العاصمة بغداد والمحافظات مليئة بالأطفال العاملين والمتسوّلين، بسبب الوضع الاقتصادي المتردّي السائد في العراق".
وتوضح الياسري أنّ "التقارير الدولية تبيّن أنّ نحو أربعة ملايين عراقي هم تحت خط الفقر، غالبيتهم من الأطفال"، لافتةً إلى أنّ إحصاءات وزارة التخطيط العراقية تفيد بأنّ عمالة الأطفال تمثّل ما بين 1 و2% من سوق العمل.
وتحذّر الياسري من أنّ "عمالة الأطفال تمثّل خطراً كبيراً، لأنّها وصلت إلى المرحلة الأشدّ سواءً في تاريخ البلاد، بسبب قوانين الدولة المشلولة التي لم تعالج أصل المشكلة المتعلقة بالوضع الاقتصادي المتردّي لعائلات كثيرة تزجّ بأبنائها في سوق العمل".
وتُبيّن الياسري أنّ "قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق تنصّ على معاقبة المتسبّب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح ما بين غرامة مالية ووقف التصريح المعطى لربّ العمل، أو حتى وقف النشاط"، مضيفةً أنّ "قانون الاتّجار بالبشر يعاقب من يستغلّ شخصاً لا يعي حقّه، مثل الأطفال، بالسجن أو الغرامة المالية".
وتلفت الباحثة الاقتصادية إلى أنّ على الصعيد الدولي، تنصّ اتفاقية حقوق الطفل: "تعترف الدول الأطراف بحقّ الأطفال في حمايتهم من الاستغلال الاقتصادي، ومن أداء أيّ عمل يرجَّح أن يكون ضاراً بصحة الطفل، أو بنموّه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي".
وتقول الياسري إنّ "الآثار السلبية التي قد تترتّب على عمالة الأطفال تعرّضهم للابتزاز والتحرّش بطريقة مستمرة، بالإضافة إلى تفكّك الأسرة والتسرّب المدرسي. ونظراً إلى هذه الآثار الجسيمة، لا بدّ من أن تكثّف الدولة جهودها في محاولة للحدّ من هذا الأمر". وتشرح أنّ الحدّ يكون من خلال "العمل لتحسين الوضع المعيشي للعائلات المتعفّفة، عبر منحهم القروض الميسّرة، ومراقبة ربّ الأسرة، والاستحصال على تعهّدات خطية بعدم زجّ أطفاله في سوق العمل مقابل تلك القروض".
وتشدّد الياسري كذلك على "وجوب أنّ يكون لوزارة الشباب والرياضة في العراق دور مهم، من خلال زيادة الأنشطة الرياضية التي تستقطب الأطفال بالتنسيق مع وزارة التربية، وإعداد دورات صيفية ترفيهية، وكذلك تفعيل برامج التعليم المسرّع لإعادة الأطفال إلى مقاعد الدراسة بالقدر الممكن".